إسرائيل في 2023.. من مخاوف الحرب الأهلية لحرب مع «حماس»
على وقع مخاوف الحرب الأهلية عاشت إسرائيل ثلاثة أرباع عام 2023، بسبب أزمة التعديلات القضائية، إلا أنها وجدت نفسها في الثلث الأخير من العام متورطة بحرب فعلية مع حركة حماس.
فحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت إسرائيل تخشى كابوس الحرب الأهلية، إلا أنها استيقظت في اليوم نفسه على أحد أسوأ كوابيسها، بمقتل 1200 إسرائيلي بين مدني وعسكري في بلدات وقواعد عسكرية بغلاف قطاع غزة خلال يوم واحد، في حدث لم تشهده في تاريخها منذ الإعلان عن إقامتها عام 1948.
عدد كبير من القتلى، تواصل في الارتفاع منذ ذلك الحين بعد إطلاق الحرب البرية في غزة، لتجد إسرائيل نفسها داخل كابوس، لا تستطيع الإفاقة منه، بعد مقتل العشرات من ضباط وجنود الجيش في حرب الشوارع داخل القطاع.
أحداث جعلت تاريخ إسرائيل ما قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مغايرا تماما لما بعده.
فكيف كان ذلك التحول؟
بعد أيام قليلة من تشكيل الحكومة الأكثر يمينية في إسرائيل، في أواخر العام المنصرم، انطلقت في شوارع تل أبيب ومدن أخرى، مظاهرات حاشدة غير مسبوقة ضد إقرار هذه الحكومة مشاريع قوانين تحد من سلطة القضاء.
انتقادات، ردت عليها الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو بقولها، إنه من شأن هذه التشريعات أن توازن بين السلطات التشريعية والحكومية والقضائية، بعد أن زعمت أن قوة السلطة القضائية تطغى على السلطة التشريعية.
لكن المعارضة اعتبرت أن هذه التشريعات ستحد من سلطة القضاء، وستحول إسرائيل من دولة ديمقراطية إلى ديكتاتورية، وعلى أثر ذلك خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين أسبوعيا وأحيانا مرتين أسبوعيا في كل المدن الإسرائيلية خاصة تل أبيب؛ للتعبير عن رفضهم تلك التشريعات القضائية.
وللمرة الأولى، سمع في إسرائيل تحذيرات من وقوع حرب أهلية، في حال مُضي الحكومة الإسرائيلية قدما في تمرير التشريعات القضائية، دون الالتفات لهذه الاحتجاجات.
وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن عشرات آلاف الجنود والضباط الإسرائيليين قرارهم عدم الاستجابة لدعوات التجنيد في حال أقرت الحكومة فعلا هذه التشريعات.
من الحرب الأهلية لحرب غزة
لكن في غمرة انشغال إسرائيل، حكومة وشعبا، في هذا الجدل، شنت حركة حماس هجومها المفاجئ على البلدات والقواعد العسكرية في غلاف قطاع غزة ما أدى إلى مقتل 1200 على الأقل وجرح أكثر من 5 آلاف، واختطاف أكثر من 240 إسرائيليا بينهم مدنيون وجنود.
الهجوم على إسرائيل كان على حين غرة؛ فتقديرات الجيش والمخابرات والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت تفيد بأن حركة حماس منشغلة في القضايا الاقتصادية في داخل قطاع غزة.
رؤية، أفضت إلى اعتبار ما جرى في غلاف قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنه إخفاق أمني وسياسي واستخباراتي إسرائيلي أسوأ وأشد خطوة من إخفاق أكتوبر/تشرين الأول 1973، حينما فاجأت مصر إسرائيل بهجوم مباغت.
وتسابق قادة الجيش والمخابرات والاستخبارات والشرطة الإسرائيلية إلى إعلان مسؤوليتهم عن الإخفاق الذي سمح بالهجوم المفاجئ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، مع وعد بعدم السماح بتكرار هذا الخطأ.
وللمرة الأولى منذ بداية العام، وجد الإسرائيليون أنفسهم موحدين في تأييد الحرب، وعلت كل شاشات محطات التلفزة الإسرائيلية عبارة «موحدين لننتصر»، بعد أن كانت استديوهاتها مسرحا لتقاذف اتهامات بين مؤيد للحكومة ومعارض لها.
5 عوامل قد تفتت الوحدة الإسرائيلية
و«رغم التأييد الشعبي الساحق للهجوم العسكري المضاد، بات الخلاف يطرق الساحة الإسرائيلية مجددًا وتحديدا في ظل تواصل الحرب»، بحسب دراسة أعدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
وتساءلت الدراسة: هل سيستمر هذا الدعم المتحمس للمجهود الحربي الذي يبذله الجيش الإسرائيلي في غزة طالما استمر القتال؟ وما هي العوامل التي قد تقوض أو تؤثر على هذا الدعم؟
وبحسب الدراسة التي أعدها الباحثان مئير الران وأرئيل هايمان وتلقت "العين الإخبارية" نسخة منها، فإن مصدر الخلاف هو شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياساته ورفاقه في الحكومة، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش ورفاقهما.
وتقول الدراسة، إنه لا يكاد يمر يوم دون أن تدعو وسيلة إعلام أو شخصية سياسية أو أمنية سابقة رئيس الوزراء نتنياهو إلى الاستقالة من منصبه مع انحدار غير مسبوق في شعبية حزبه «الليكود».
بالمقابل تتواصل الانتقادات أيضا إلى بن غفير وسموتريتش اللذين يوليان للاستيطان في الضفة الغربية أهمية أكثر من الحرب نفسها، بحسب الدراسة التي حذرت من أن ثمة عوامل قد تؤثر على استمرار وحدة الشعب الإسرائيلي.
«العامل الأول هو طبيعة الحرب ومدتها: قد تستمر الحرب ضد حماس لفترة طويلة، وربما لعدة أشهر، وبدرجات متفاوتة من الشدة، ففي الوضع العسكري الديناميكي، يمكن أن تكون هناك حوادث مؤسفة خطيرة، فضلاً عن الصعود والهبوط والمكاسب والخسائر»، بحسب الدراسة.
وأضاف الباحثان أن «كل هذا، إلى جانب أصداء الصدمة الجماعية التي حدثت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والعدد المتزايد من الضحايا بين الجنود، والذي من شأنه أن يؤثر على المزاج الوطني»، متابعين: «طالما كان التقدم العسكري واضحا وملموسا وكبيرا مقارنة بأهداف الحرب المعلنة، فإن الدعم الشعبي سيظل ثابتا، لكن إذا نظرنا إلى المجهود الحربي باعتباره عملاً جارياً، وخاصة إذا صاحبته خسائر فادحة، فقد يتراجع الدعم الشعبي».
العامل الثاني
وأشارا إلى أن العامل الثاني هو قضية الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، مضيفين: «هذه القضية المؤلمة والمعقدة، التي تحتجز فيها حماس الأطفال والنساء والشيوخ، تزيد من حدة المعضلات الصعبة التي تواجه المجتمع الإسرائيلي وقيادته السياسية، ومع مرور الوقت، إذا لم يتم حل هذه القضية المؤلمة بشكل كامل، فقد يؤدي ذلك إلى الإضرار بشدة بقدرة المجتمع على الصمود وربما الدعم الشعبي الواسع للحرب».
العامل الثالث
ولفتا إلى أن العامل الثالث هي العائلات التي تم إجلاؤهم من غلاف غزة والشمال، فيما بعضهم لا يمتلك أي منازل يعود إليها، في الوقت الذي لا يُسمح فيه لآخرين حاليًا بالعودة إلى منازلهم لأسباب أمنية.
وقالا: «مع مرور الوقت، قد ينفد صبر البعض، ويعبرون عن ضيقهم وإحباطهم علناً، ويوجهون الاتهامات بالتخلي عنهم، وبالتالي تثبيط المزاج الوطني».
العامل الرابع
وبحسب معدي الدراسة، فإن العامل الرابع يتمثل في «التحدي المدني على الجبهة الشمالية؛ حيث إن دروس 7 أكتوبر/تشرين الأول في غلاف غزة وإجلاء عشرات الآلاف من المواطنين من عشرات التجمعات في الشمال، تشكل تحدياً صعباً لأي جهود لإعادة الحياة الطبيعية دون تغيير جذري للوضع الأمني في جنوب لبنان».
وقالا: «إن حرباً طويلة ومعقدة في الشمال، وخاصة إذا تطورت جنباً إلى جنب مع القتال المستمر في غزة، من شأنها أن تضع عبئاً ثقيلاً على المركز المدني، وربما حتى تقويض الدعم الشعبي للمجهود الحربي».
وتابعا: "وفي بعض قطاعات الجمهور الإسرائيلي، قد يولد شعور تدريجي بالشك فيما يتعلق بفعاليته المستمرة، وقد يثير مثل هذا التطور الكئيب اعتراضات عامة على الحرب التي طال أمدها، ويلهم الدعوات لإنهاء القتال على الجبهتين».
العامل الخامس
أما العامل الخامس، فقد أشار الباحثان إلى أنه «قد يتبين أن الشعار السائد في كل مكان (معاً سوف ننتصر) هو شعار فارغ إذا عاد الاستقطاب العميق الذي كان سائداً قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول بين الجمهور الإسرائيلي إلى الظهور، وربما بقوة أكبر»، مضيفين أنه «هناك بالفعل علامات مثيرة للقلق تشير إلى أن الخلافات وسياسات الهوية لا تزال حية».
aXA6IDE4LjIxOC43NS41OCA=
جزيرة ام اند امز