بجرافات «التهجير» و«الاستيطان».. إسرائيل ترسم ملامح اليوم التالي لغزة

«غزو.. تهجير.. استيطان»، ركائز ثلاثة لخطة إسرائيلية بدأت تتبلور على الأرض وفي تصريحات مسؤوليها، بشأن مستقبل قطاع غزة.
تصريحات تزامنت مع أحداث على الأرض، شكلت «خريطةً واضحةً» لخطة إسرائيل في غزة، كان أحدثها، التقارير التي صدرت هذا الأسبوع، استنادًا إلى صور الأقمار الصناعية فضلا عن شهادات جنود من الجيش الإسرائيلي، والتي تشير جميعها، إلى أن تل أبيب أنشأت «منطقة عازلة» بعمق يقارب ميلاً واحدًا داخل غزة على طول الحدود مع إسرائيل، دمرت خلالها جميع البنى التحتية السكنية والاقتصادية تقريبًا في هذه المنطقة، وهجرت سكانها قسرًا.
خرائط إسرائيلية بالنار والدم
ويشكل الاحتلال المستمر لقطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين القاطنين فيه، وإعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية، المحاور الرئيسية للخريطة الجديدة التي تُرسم بالنار والدم في الحرب الفلسطينية الثانية.
وبحسب موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت»، فقد لاقت هذه السياسات المتعلقة بمستقبل غزة وسكانها البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، ترحيبًا واسعًا من اليمين الإسرائيلي الصاعد، كما تلقى صدى لدى الجمهور الإسرائيلي الذي بات يواجه الواقع غير المنتهي لهذا الصراع الممتد منذ قرن.
صراع أوسع
رغم اختلافاتهم، يدرك القادة الفلسطينيون والإسرائيليون أن مصير الأسرى والمحتجزين سيُحسم عاجلًا أم آجلًا. ورغم أهمية هذا الملف، إلا أن الصراع الأوسع بين إسرائيل وفلسطين أكبر بكثير من مجرد مصير أفراد، فهو يتعلق بمصير شعوب وأمم.
ويظهر التركيز المكثف على هذه المسألة أيضًا في الدعوات المتكررة لإسرائيل لتحديد خطتها لليوم التالي. إلا أن الحكومة الإسرائيلية، غير المعنية بالإجابة على هذه الأسئلة الجوهرية، تواصل السعي نحو "الانتصار". وقد وجدت صديقًا داعمًا لهذا النهج في الإدارة الأمريكية الجديدة.
وبينما تُثار الأسئلة، تستمر إسرائيل في سعيها لتدمير حركة حماس كقوة سياسية وعسكرية، وهو الهدف الذي حدّدته منذ بدء الحرب.
لكنّ خلف هذا الهدف الأمني والعسكري، تكمن دوافع أكبر، وجودية، إن لم تكن واضحة دومًا، تنبع من «صراع قرن» بين الفلسطينيين و«الحركة الصهيونية» على هوية فلسطين الوطنية.
الانتقام.. محرك أساسي
ويشكل الانتقام الهدف الاستراتيجي الأول والأهم، الذي يحدد طريقة تعامل إسرائيل مع الحرب. فبالنسبة لإسرائيل، يُعد الانتقام المحرك الأساسي والدافع الشعبي لدعم الحرب، خاصة بعد صدمة هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
هذا الهجوم أجبر الإسرائيليين على مواجهة حقيقة أن الفلسطينيين ما زالوا غير مستعدين للتسليم بنتائج «الحرب الفلسطينية الأولى»، وأن غزة، المليئة بعائلات عاشت أجيالًا من المعاناة الوطنية، لطالما كانت المركز النشط للحركة الوطنية الفلسطينية.
التهجير
وبحسب الموقع الأمريكي، فإنه إذا تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب من تنفيذ خططهما، فحتى هذا الحلم البائس لن يُترك للفلسطينيين.
ففي فبراير/شباط، صرح وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن إدخال عدد محدود جدًا من المنازل المتنقلة والمعدات الثقيلة إلى غزة «لن يؤثر على إمكانية تنفيذ خطة ترامب للتهجير الطوعي، أو على خلق واقع جديد في غزة، وهي الخطة التي يلتزم بها رئيس الوزراء نتنياهو بشكل كامل».
وأشار كاتس إلى أن الجيش الإسرائيلي سيعمل على «تطهير المناطق من الإرهابيين والبنية التحتية، والسيطرة على أراضٍ واسعة ستُضاف إلى المناطق الأمنية التابعة لدولة إسرائيل».
هذه «المناطق الأمنية» باتت الآن تشكل نحو ثلث أراضي غزة، وتشمل نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية ومصادر العمل الأساسية.
وقد أدى دعم إدارة ترامب لخطة تهجير الفلسطينيين على نطاق واسع، إلى إضفاء شرعية على خيار لطالما كان من المحرمات خارج أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف.
4 عناصر
وفي خطاب في 2 أبريل/نيسان، عكس نتنياهو هذا التحول في السياسة نتيجة لدعم البيت الأبيض، معلنًا أن السياسة الإسرائيلية ستعتمد على أربعة عناصر: نزع سلاح حماس بالكامل وطرد قيادتها، فرض سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على غزة، وتنفيذ خطة واشنطن لترحيل الفلسطينيين من القطاع.
أدت التطورات الدراماتيكية الناتجة عن الحرب إلى تمكين مؤيدي الاستيطان اليهودي في قطاع غزة، فقد أدى فرض الجيش الإسرائيلي سيطرته الأمنية على غزة، بما في ذلك مناطقها الزراعية الأخصب، إلى إنشاء بنية تحتية أمنية لتمهيد الطريق لـ«عودة» الاستيطان المدني الإسرائيلي.
ورغم أن هذا الخيار قد يبدو غريبًا، إلا أن الاستيطان اليهودي في غزة يتماشى تمامًا مع التجربة الوطنية الإسرائيلية؛ إذ لطالما كانت الهجمات الفلسطينية على إسرائيل تواجَه بمطالب بالرد «الصهيوني» — أي الاستيطان، سواء في الخليل أو مرتفعات السامرة، والآن في غزة.
وكان انسحاب رئيس الوزراء الأسبق أريئيل شارون من غزة عام 2005 قد بدا وكأنه نهاية مشروع الاستيطان هناك، لكن دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة قبل 18 شهرًا دمّر هذا النموذج، وأعاد الحيوية للحراك الذي يسعى إلى إعادة إنشاء مستوطنات مدنية هناك لأهداف قومية وأمنية.