من المستبعد إقدام إسرائيل على أية خطوة بشأن إمكانية تراجعها تجاه التعامل مع التهديدات الإيرانية الحالية،
تزامن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، مع قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارته الثامنة إلى روسيا، لبحث مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا، والتطورات الجارية حول الاتفاق النووي على الصعيدين الأوروبي والأمريكي، حيث وجه رسائل استباقية من موسكو في إطار التعامل مع الحالة الإيرانية، داعياً لاستخدام أفضل للقوة تجاه إيران على اعتبار أنها أولوية حقيقية في إطار كبح جماحها، ومواجهة تهديداتها الراهنة والمحتملة.
والمثير في دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي المطالبة المباشرة للتعامل مع إيران دون انتظار أية تطورات مستقبلية بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وما سيؤدي إليه من تداعيات خاصة مع رد الفعل الإيراني، والذي يبدو هادئاً ومنضبطاً بكثير من ضبط النفس والتوازن الشكلي حتى الآن، رغم الميل نحو الأساليب الدعائية التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون، إلا أنه يملك أوراقاً مؤثرة يصعب تجاهلها، ويمكن توظيفها وفقاً لتطورات الأحداث في المدى المنظور.
سيبقى الهدف الإسرائيلي المركزي في كيفية تحييد الموقف الروسي قدر الإمكان في التعامل مع المشهد الإيراني في سوريا وخارجها، خاصة أنه من المتوقع تكثيف التنسيق الأمريكي الإسرائيلي في المرحلة المقبلة بما يخدم المصالح العليا لإسرائيل ليس في سوريا فقط، بل في إعادة حساباتها الكاملة في الإقليم.
يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي في زيارته لموسكو لتحقيق عدة أهداف مباشرة من روسيا، ستكون مطروحة بقوة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، أولاً: إقناع الرئيس بوتين بأن إلغاء الاتفاق النووي المبرم بين الدول الكبرى وإيران في عام 2015 هو الخيار الأفضل على اعتبار أنه تجاوز توقيته ومهامه، وأن الانسحاب الأمريكي بداية جادة للتعامل مع إيران بصورة شاملة لن تتوقف عند تجديد منظومة العقوبات فقط.
ثانياً: إطلاع الرئيس بوتين وقيادات أجهزة الاستخبارات الروسية على مختلف تصنيفاتها على الوثائق الإيرانية الرسمية التي حصل عليها الموساد من جنوب طهران في عملية استخباراتية شاملة، تضمنت أسراراً وخفايا المشروع النووي العسكري الإيراني الراهن، والذي يمثل خطراً على أمن الإقليم بأكمله وليس إسرائيل فقط.
ثالثاً تفعيل آلية الدعم والإنذار المشترك بين الجانبين، والتي توقفت بعض الوقت، ويسعى الجانب الإسرائيلي لتفعيلها في الفترة المقبلة بهدف توظيفها جيداً في توجيه الضربات الدورية على مواقع إيرانية، وقوات حزب الله في سوريا، وهو ما تم أثناء زيارة نتنياهو بضرب منطقة الكسوة جنوب دمشق وما يجاورها.
خامساً: رغبة الجانب الإسرائيلي في تطوير الاتفاق الخاص مع روسيا بخصوص المهام المشتركة لهيئة أركان الجيشين الإسرائيلي والروسي، وهو أمر مرتبط بتحديث مجالات التعاون الاستراتيجي وبمقتضى ما تم طرحه في اللقاءات العسكرية المشتركة في الفترة الماضية.
سادساً: التوصل لاتفاق مبدئي مع الجانب الروسي بشأن التحركات الإيرانية الراهنة في منطقة جنوب سوريا، والتي تستهدف تواجداً مقيماً، وإعادة انتشار كامل في الجنوب، وهو ما ترفضه إسرائيل، وتعمل ضده مع تحييد أية مواجهات محتملة قد يقدم عليها الجانبان الإيراني والسوري.
إضافة لهذا، يظل الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي من زيارة نتنياهو لموسكو في هذا التوقيت الاحتفاظ بإمكانية التعامل مع أية مستجدات في الساحة السورية، قبل الشروع في أية تفاهمات جديدة تتعلق بوقف جزئي أو كلي للحرب في سوريا، وهو ما يتطلب إسرائيلياً التعامل مع الجانبين الروسي والأمريكي معاً ومن خلال إجراءات منفردة وبالتنسيق مع الجانبين، ومع تأكيد إسرائيلي رسمي بأن لديها خطة جاهزة للتعامل مع أية تهديدات محتملة، ومحاولة نقل رسالة للجانب الروسي بأن إسرائيل ستستمر في القيام بضربات نوعية في العمق السوري في حال استمرار التهديدات الإيرانية، وتنامي قدراتها على الأرض ومسعاها لتأكيد حضورها الاستباقي في المشهد السوري، ومحاولة تحجيم التهديدات الإيرانية الواردة على إسرائيل من الجبهة اللبنانية من خلال الضغط على الجانب الروسي لضمان التأثير على إيران، ومن ثم قوات حزب الله لعدم القيام بأية عمليات تجاه إسرائيل.
واللافت أن إسرائيل تبنت - أثناء وقبل- زيارة رئيس الوزراء نتنياهو لموسكو مساراً واضحاً للقيام بأكبر حملة علاقات عامة دولية لمواجهة الموقف الإيراني؛ حتى بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وإرسال عدد من المبعوثين الإسرائيليين لفرنسا وألمانيا لتأكيد موقفها مع استقبال عدد من الخبراء الدوليين في هذا الإطار، والتنسيق مع الإدارة الأمريكية من خلال التأكيد على أن الجانب الإسرائيلي استوفى كافة التحركات الدبلوماسية والسياسية والاستراتيجية قبل أن يقدم على أي عمل عسكري منفرد، أو بتوافق أمريكي مع إحاطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بكل الدلائل والشواهد الرسمية التي توفرت لأجهزة المعلومات الإسرائيلية للتعامل معها، وفي ظل اعتبار الوكالة الدولية الجهة المنوط بها مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية، مع تبني استراتيجية تصاعدية تستهدف تهميش الموقف الإيراني، وعدم إعطائه الفرصة للتحرك من جديد وفقاً للتطورات الاستراتيجية المتلاحقة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وذلك في إطار التباينات الراهنة لمجموعة الدول الكبرى الموقعة على الاتفاق.
وفي الإجمال، فإنه من المستبعد إقدام إسرائيل على أية خطوة بشأن إمكانية تراجعها تجاه التعامل مع التهديدات الإيرانية الحالية، خاصة أن الأمر لا يتعلق فقط بطبيعة الأولويات السياسية والاستراتيجية المطروحة فقط، وإنما بالخيارات الإسرائيلية في الفترة المقبلة، مع بناء مشهد تكاملي داخل إسرائيل يدفع بضرورة تحييد مواقف أي دولة رافضة للموقف الإسرائيلي.
كل هذا سيمضي جنباً إلى جنب مع الاستعداد الحقيقي لكل الخيارات المطروحة سواء سلماً أو حرباً، مع التوقع بكل الخيارات بما في ذلك احتمال دعم الإدارة الأمريكية علناً توجيه ضربات إسرائيلية جديدة لمواقع إيرانية في سوريا أو خارجها، قبل تبني أي موقف جديد للإدارة الأمريكية للتعامل مع تطورات الحالة الإيرانية رداً على موقف الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق، وذلك منعاً لإرباك المشهد الأمريكي الأوروبي تجاه الاتفاق، والتعامل مع بنوده في الفترة المقبلة.
والواقع أن الإدارة الأمريكية قد تقبل بتوجيه ضربات عسكرية إسرائيلية دورية في المرحلة الراهنة لتحقيق رسالة ردع مسبقاً لإيران على أن يلي ذلك إعادة ترتيب الحسابات السياسية والاستراتيجية بين واشنطن/ الاتحاد الأوروبي من جانب، وواشنطن/ إسرائيل من جانب آخر، وذلك قياساً على إجراءات إسرائيلية سابقة في سوريا في عدم تحفظ الإدارة الأمريكية على قيام القوات الإسرائيلية بتوجيه ضربات على مخازن السلاح لحزب الله، ومواقع إيرانية ثابتة أو متغيرة في سوريا، مع عدم إغفال قدرة إيران على اتباع نموذج الردع المقابل حال توجيه القوات الإسرائيلية لضربة خاطفة داخل إيران، وهو ما سيعد خروجاً على الخطوط المتعارف عليها بين تل أبيب وطهران، وسيرتب مشهداً استراتيجياً جديداً على اعتبار أن لإيران إمكانيات عسكرية متقدمة قادرة على الرد على أي توجه عسكري جديد لإسرائيل.
وفي حال تغيير قواعد الاشتباك بين الجانبين، واستمرار نقل الموقف مع إيران من خلاف ثنائي ممتد - سبق وأن حذرت إسرائيل من تبعاته- قبل إبرام الاتفاق النووي إلى خلاف جماعي، يشمل ويضم الدول الموقعة على الاتفاق لمراجعة مواقفها من الاتفاق في المرحلة المقبلة، مع التوقع بتركيز إيران على استخدام أوراقها المتاحة في كل من العراق وسوريا ولبنان دون الإقدام على ممارسة تحركات مباشرة إلا في حالة تعرض أراضيها لعدوان مباشر من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة.
في خضم ذلك، وفي إطار التطورات الجارية فمن الواضح أن الجانب الروسي قد تعامل مع الأهداف الإسرائيلية - توافقاً وتجاذباً - بعد زيارة نتنياهو من خلال التجاوب الحذر مع الأهداف الإسرائيلية للتعامل مع التهديدات الإيرانية في الجبهتين اللبنانية والسورية، خاصة أن إسرائيل تعمدت طرح خطاب إعلامي وسياسي في آن واحد، وإزاء الجانبين الأمريكي والروسي لمواجهة المحاولات الإيرانية لامتلاك الأسلحة النووية من خلال الاتفاق النووي، ومع الجانب الروسي من خلال إعادة بناء الشراكة الاستراتيجية وتطوير التنسيق المشترك في سوريا وخارجها؛ بناء على توصيات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (أمان) بضرورة العمل مع الجانب الروسي بالأساس في سوريا، والتفاعل الروسي المحسوب مع المتطلبات الأمنية الإسرائيلية، وفي ضوء التأكيد الإسرائيلي الرسمي على لسان سفير إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون من زيادة النفقات العسكرية الإيرانية إلى 22% عن العام الماضي، مما يؤكد على التوجهات العدائية الإيرانية، والتي توجه لإسرائيل بالأساس.
ومن الواضح أن روسيا قد تقبل ببعض الأفكار الإسرائيلية الراهنة، والخاصة بدعم التعاون العسكري المشترك، وإجراء تفاهمات جديدة تستند على أسس الشراكة في الجبهة السورية، وما يجاورها وهو ما سيتعزز في المدى المنظور.
وفي المقابل، فإن أهم مساحات الاختلاف بين الجانبين الروسي والإسرائيلي، وفي سياق ما جرى من مستجدات تتعلق بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق؛ فإنها تتلخص في عدم التسليم الروسي بالمخاوف الإسرائيلية الكاملة في ملف البرنامج النووي الإيراني في ظل الموقف الروسي من مجمل الاتفاق، حيث أكدت موسكو عدم الإقدام على أية خطوة غير محسوبة، يمكن أن تمس جوهر الاتفاق، وبنوده على الأقل في الوقت الراهن وهو ما سيتعارض مع الموقف الأمريكي بالكامل بالانسحاب من الاتفاق.
في كل الأحوال سيبقى الهدف الإسرائيلي المركزي في كيفية تحييد الموقف الروسي قدر الإمكان في التعامل مع المشهد الإيراني في سوريا وخارجها، خاصة أنه من المتوقع تكثيف التنسيق الأمريكي الإسرائيلي في المرحلة المقبلة بما يخدم المصالح العليا لإسرائيل ليس في سوريا فقط بل في إعادة حساباتها الكاملة في الإقليم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة