إسرائيل وقرار "الجنائية الدولية".. سيناريوهات على محك الزمن
سيناريوهات تستشرف التحرك الإسرائيلي عقب قرار المحكمة الجنائية الدولية إطلاق تحقيق رسمي بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
احتمالات ترسم آفاق فترة مقبلة مسقوفة بحد زمني بدأ عده التنازلي منذ تلقي الحكومة الإسرائيلية رسالة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا.
ومع أن الخطر القانوني على كبار المسؤولين الإسرائيليين لن يكون فوريًا، إلا أن عواقب القرار قد تكون خطيرة وبعيدة المدى، ما يفاقم احتمال تعقد الوضع بالنسبة لتل أبيب.
وبعد القرار، كثفت الحكومة الإسرائيلية من اتصالاتها مع حلفائها، فيما يرى مراقبون إسرائيليون أنه قد يتعين على تل أبيب الاستعداد فعليا لمرحلة ما بعد هذا القرار الذي سعت إسرائيل جاهدة على مدى سنوات لمنعه.
وتدرس دوائر سياسية وأمنية إسرائيلية سبل التعامل مع القرار الذي قد يتبع بإصدار المحكمة مذكرات اعتقال بحق مسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليين.
ماذا قالت بنسودا؟
في قرارها الصادر الأربعاء، قالت المدعية العامة لـ"الجنائية الدولية"، فاتوا بنسودا: "أؤكد أن مكتب المدعي العام بالمحكمة سيبدأ بمباشرة تحقيق بخصوص الحالة في فلسطين".
وأضافت في القرار الذي تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه: "سيغطي التحقيق الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والتي يُدَّعى ارتكابها في الحالة منذ 13 يونيو/حزيران 2014، وهو التاريخ المشار إليه في إحالة الحالة إلى مكتبي".
وتابعت: "ستتحدد الطريقة التي سيتبعها المكتب لوضع أولويات التحقيق في الوقت المناسب وفي ضوء التحديات العملية التي نواجهها بسبب الجائحة (كورونا)، والموارد المحدودة المتوافرة لنا، وحجم العمل الكبير الذي لدينا حالياً، ولكن هذه التحديات، مهما بلغت جسامتها وتعقيدها، لن تثنينا عن الاضطلاع بالمسؤوليات التي يفرضها النظام الأساسي على المكتب".
ولكن بنسودا استدركت بالقول إن "التحقيقات تستغرق وقتاً، ويجب أن تستند إلى الوقائع والقانون استناداً موضوعياً".
وتابعت: "نحث المجنيّ عليهم والمجتمعات المحلية المتضررة سواء من الفلسطينيين أو الإسرائيليين على التحلي بالصبر. فالمحكمة الجنائية الدولية ليست شفاءً لكل داء، وإنما هي تسعى للاضطلاع بمسؤوليتها التي خولها إياها المجتمع الدولي".
ورحب الفلسطينيون بهذا القرار الذي أدانته إسرائيل بشدة.
سيناريوهات
وفور صدور القرار، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إجراء اتصالات دولية للتحرك ضده، وكذلك فعل وزير الخارجية الإسرائيلي جابي أشكنازي.
وكان البارز من بين هذه الإتصالات، الحديث الهاتفي بين نتنياهو ونائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كامالا هاريس.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه: "أعربت نائبة الرئيس هاريس عن رفض الإدارة الأمريكية المطلق لقرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي" مقر المحكمة بهولندا.
وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة، غير أن ذلك لا يمنع الأخيرة من إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين لغرض التحقيق، وهو ما يقلق الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية.
ورأى ألون بينكاس، المحلل الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس"، أنه "يوجد لسياسة الدفاع الإسرائيلية ثلاثة جوانب: القضائي، والدبلوماسي الجماهيري، والجانب السياسي".
وقال: "قانونياً بعد سنوات على تجاهل التحقيق، ستضطر إسرائيل إلى فحص بلورة استراتيجية وخط دفاع كرد على صلاحية المحكمة وميثاق روما الذي تم التوقيع عليه في العام 1998".
وأضاف في تقرير ترجمته "العين الإخبارية": "الجانب الثاني هو الدبلوماسية الجماهيرية، فحتى الآن، اختارت إسرائيل طريق الهجوم ومحاولة الاحتجاج على صلاحية المحكمة، وهذه سياسة شرعية، لكن لا يوجد لها برنامج بديل إذا لم تنجح".
وتابع بينكاس: "بقي لإسرائيل المسار السياسي، إذ يوجد لإسرائيل حلفاء مهمون هم أعضاء في ميثاق روما ودول صديقة وتتعامل بود مع ادعاءاتها وانتقادها. ولكن في نهاية المطاف يوجد الأساس في الولايات المتحدة. فهي ليست عضواً في ميثاق روما، لكن تأثيرها في منتديات ومؤسسات دولية حاسم".
دائرة الخطر والاستيطان
صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية قالت، أمس الجمعة، إن ما بين 3-10 مسؤولين إسرائيليين معرضون لخطر الاعتقال أو الإدانة من قبل المحكمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن من بين هؤلاء المسؤولين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الحالي، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق بيني جانتس، ووزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون.
كما ذكرت أن من بين المسؤولين المتوقع استدعاؤهم للتحقيق وزراء البناء والإسكان منذ العام 2014، وهم اوري ارشيل، يفعات بيتون، يعقوب ليتسمان، يتسحاق كوهين ويؤاف غالانت.
في الأثناء، يجمع مراقبون إسرائيليون على أن ملف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية قد يكون الأصعب الذي ستركز عليه تحقيقات مكتب المدعي العام.
وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست": "ستحاول إسرائيل القول بأن بناء المستوطنات ليست جريمة حرب".
وأضافت، في توضيح لاستراتيجية التحرك الإسرائيلي: "إذا أصبح الوضع أكثر خطورة، فمن المرجح أن تقوم إسرائيل بإعادة تنشيط شبكتها العالمية من محامي الدفاع في غضون بضع سنوات أو حتى أشهر".
وأضافت، في التقرير الذي تابعته "العين الإخبارية": "ومن المرجح أيضًا أن تحافظ على حوار منتظم مع الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 123، لمعرفة ما إذا كانت ستتحرك في حال قدمت مع المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف".
ولفتت، في هذا الصدد، إلى أن "بعض الدول قد تتجاهل هذه الأوامر الصادرة بحق مسؤولين من دولة ديمقراطية حليفة مثل إسرائيل، تمامًا كما كانت هناك دول تجاهلت أوامر توقيف مجرمي الحرب مثل الرئيس السوداني السابق عمر البشير".
وتابعت: "قد يبرم كثيرون آخرون اتفاقًا ثنائيًا هادئًا مع إسرائيل لإبلاغها بأسماء المسؤولين الإسرائيليين الذين يجب عليهم تجنب السفر إلى بلدانهم لتجنب أي صراع أو إحراج".
الجيش ورهان الزمن
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، تعهد في رسالة وجهها إلى قادة وجنود الجيش، بالدفاع عنهم بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية.
وكتب كوخافي في الرسالة التي تم توزيعها على الإعلام وتلقت "العين الإخبارية" نسخة منها: "هذا القرار باطل من أساسه وتم اتخاذه بشكل غير مهني ودون أي صلاحية".
وأضاف كوخافي: "لن نسمح لأي مؤسسة أجنبية مجردة من كل صلاحية بالتدخل في نشاطاتنا للدفاع عن إسرائيل، لا سيما تعريض من يخدم في الجيش إلى خطر قضائي.. اذكروا أن الجيش الإسرائيلي يقف دائمًا خلفكم ويدعمكم".
إلا أن بينكاس كتب في "هآرتس": "مثلما لا يجب المبالغة بصورة هستيرية، فإنه من المحظور أيضا على إسرائيل التقليل والاستخفاف بالمحكمة الدولية".
وأردف: "من جهة سيستغرق التحقيق زمنا غير قصير، وفي حزيران سيحل مكان بنسودا مدع عام جديد، رجل القانون البريطاني كريم خان، وليس واضحا كم من الوقت والموارد سيخصصها خان لهذا التحقيق مقارنة مع تحقيقات أخرى، ربما تكون ضمن سلم أولويات أعلى في مكتبه".
ولفت بينكاس إلى أن "الصور البائسة للتحقيقات أو أوامر الاعتقال ضد رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع ورؤساء الأركان والجنرالات ورؤساء أقسام في جهاز الأمن وجنود خدموا في غزة - ما زالت بعيدة. ويوجد لإسرائيل حلفاء وادعاءات دفاع لا بأس بها".
أما أمنون لورد، المحلل في صحيفة "إسرائيل اليوم" فكتب يقول إن "الإجراء ليس عاماً ضد إسرائيل، بل من المفترض أن يكون شخصياً وضد أشخاص محددين. وستستغرق ترجمة المواد المقدمة إلى المحكمة إلى لوائح اتهام، وقتاً.".
وأضاف: "في نهاية الأمر، عندما تقدَّم لوائح اتهام فإنها ستكون عديمة التأثير كون المتهمين لن يظهروا أمام المحكمة، ولا يمكن محاكمتهم من دون حضورهم. ستصبح حركة بعض الشخصيات الإسرائيلية في دول معينة مصدر إزعاج دائم، لكن يمكن التعايش معه".