«الإبادة الجماعية».. مخاوف إسرائيلية جدية من حكم «العدل الدولية»
تخشى إسرائيل من أن تتهمها محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، حيث تشن حربا لا هوادة فيها منذ 87 يوما.
وقالت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، الإثنين: "تشعر المؤسسة الأمنية ومكتب المدعي العام بالقلق من أن محكمة العدل الدولية في لاهاي ستتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وذلك بناءً على طلب جنوب أفريقيا، التي قدمت التماساً إلى المحكمة في نهاية الأسبوع".
وأضافت أن "خبيرًا قانونيًا كبيرًا يتعامل مع الأمر حذر في الأيام الأخيرة ضباط الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك رئيس الأركان هرتزي هاليفي، من أن هناك خطرًا حقيقيًا من أن تصدر المحكمة أمرًا قضائيًا يدعو إسرائيل إلى وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن إسرائيل ملتزمة بأحكام المحكمة".
وتابعت: "قد بدأ الجيش ومكتب المدعي العام بالفعل الاستعداد للتعامل مع الشكوى، وسيتم عقد جلسة استماع حول هذا الأمر في وزارة الخارجية يوم الإثنين".
وأشارت إلى أنه "وفقا لخبراء القانون الدولي فإن هذا الإجراء قد يعزز مزاعم الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، وبالتالي يؤدي إلى عزلتها الدبلوماسية ومقاطعتها أو فرض عقوبات عليها أو ضد الشركات الإسرائيلية".
وقالت: "على النقيض من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي تجري إجراءات ضد الأفراد، فإن محكمة العدل الدولية تتعامل مع النزاعات القضائية بين الدول، ولا تعترف إسرائيل باختصاص المحكمة الجنائية، التي تجري تحقيقات في جرائم حرب مزعومة ارتكبها الإسرائيليون والفلسطينيون، بما في ذلك الحرب الحالية".
واستدركت: "بالمقابل، فهي (إسرائيل) من الدول الموقعة على معاهدة مناهضة الإبادة الجماعية، التي تستمد المحكمة بموجبها سلطتها للنظر في الشكوى المرفوعة ضد إسرائيل من جنوب أفريقيا. ووفقا لحكم المحكمة السابق يجوز لأي دولة موقعة تقديم شكوى ضد دولة أخرى، حتى لو لم تتضرر منها بشكل مباشر".
وكانت جنوب أفريقيا قالت في الاستئناف الذي قدمته إلى المحكمة إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، ولا تعمل على معاقبة أولئك الذين يحرضون على الإبادة الجماعية.
واتهمت إسرائيل "بالاستخدام العشوائي للقوة والإبعاد القسري للسكان"، مشيرة إلى أن من بين الأعمال الإسرائيلية المبلغ عنها "جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب"، كما أشارت إلى أن بعض هذه الأعمال تستوفي التعريف الأساسي للإبادة الجماعية.
وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة مناقشة الأمر في الأيام المقبلة، وإصدار أمر قضائي مؤقت ضد إسرائيل يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وبحسب الالتماس فإن هذه الخطوة ضرورية لحماية الفلسطينيين من "مزيد من الضرر الذي لا يمكن إصلاحه".
وطلبت جنوب أفريقيا أيضا أن تأمر المحكمة إسرائيل بالسماح للفلسطينيين الذين أُخرجوا من منازلهم في قطاع غزة بالعودة إليها، والتوقف عن حرمانهم من الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية، وضمان عدم قيام الإسرائيليين بالتحريض على الإبادة الجماعية ومعاقبة من يقومون بذلك، والسماح بإجراء تحقيق مستقل في تصرفاتها.
وفي ردها على الالتماس، اتهمت إسرائيل جنوب أفريقيا بارتكاب "التشهير بالدم"، وهو أمر "لا أساس له من الناحية القانونية ويشكل استغلالا وضيعا وازدراء للمحكمة".
وجاء في بيان وزارة الخارجية الإسرائيلية: "إن جنوب أفريقيا تتعاون مع جماعة إرهابية تدعو إلى تدمير إسرائيل. وحماس هي المسؤولة عن معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة عندما تستخدمهم كدروع بشرية وتسرق المساعدات الإنسانية منهم".
وأوضح البروفيسور إلياف ليبليتش، خبير القانون الدولي في جامعة تل أبيب، أن جنوب أفريقيا تقدم ادعاءين رئيسيين: أن إسرائيل لا تعمل على منع التصريحات التي تدعو إلى الإبادة الجماعية، وأنها ترتكب أعمالا تشكل إبادة جماعية. هذه أمور قاسية جداً جداً على آذان الإسرائيليين، ولكن لا يجب تجاهل تأثيرها، وبالتالي يجب الرد على هذه الادعاءات بشكل جدي".
كما ترى الدكتورة شيلي أفيف يني، خبيرة القانون الدولي في جامعة حيفا، أنه "لا ينبغي الاستخفاف بشكوى جنوب أفريقيا، حيث تتمتع محكمة العدل الدولية بتأثير كبير في تشكيل القانون الدولي، وأحكامها تؤثر على تصورات المجتمع الدولي. ولذلك فإن الاعتراف بمزاعم جنوب أفريقيا قد يعزز التصور بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة".
ويضيف ليبليتش: "أن الإبادة الجماعية هي انتهاك، وإثباته في المحكمة يتطلب عنصرين، أولا.. عليك إظهار نية الإبادة، وثانيا بعض الإجراءات الميدانية التي تعزز هذه النية. ووفقا لجنوب أفريقيا يتم إثبات النية من خلال تصريحات شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى والجو العام لمحو غزة أو تسويتها بالأرض، وإظهار الضرر الواسع النطاق الذي يلحق بالمدنيين والجوع في غزة".
وأشار ليبليتش إلى أن التصريحات المتطرفة الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين يمكن اعتبارها دليلاً على نية إيذاء السكان المدنيين في غزة.
وأوضح: "بشكل عام، من الصعب إثبات نية الإبادة الجماعية لأنه لم يتم الإدلاء بتصريحات علنية بهذا المعنى أثناء القتال، لكن هذه التصريحات غير المسؤولة حول محو غزة ستتطلب من إسرائيل أن تشرح لماذا لا تعكس مثل هذه النية".
ومع ذلك، أشار ليبليتش إلى أنه سيتعين على جنوب أفريقيا إثبات وجود علاقة سببية بين تصريحات السياسيين وتصرفات الجيش، ويعتقد أنه سيكون من الصعب القيام بذلك.
وأشار إلى أن "إسرائيل بشكل عام لا تشارك في مثل هذه الإجراءات، لكن هذه ليست لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي ترفض إسرائيل سلطتها. إنها محكمة العدل الدولية، التي تستمد صلاحياتها من معاهدة انضمت إليها إسرائيل، لذا لا يمكنها رفضها على أساس قانوني كما أنها هيئة تتمتع بمكانة دولية".
وتابع ليبليتش: "هذا لا يعني أنه إذا أصدرت حكمًا أو أمرًا قضائيًا فسيتم تنفيذه على الفور، ولكن إذا، لا سمح الله، تقرر في حكم أو حتى أمر قضائي مؤقت أن هناك اشتباهًا بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، عليك أن تفكر فيما سيقوله هذا للسرد التاريخي. ولهذا السبب أيضا يجب أن يؤخذ الأمر على محمل الجد".
وأشار ليبليتش إلى أنه حتى الآن استمعت المحكمة لعدد قليل جدًا من القضايا التي تنطوي على اتهامات بالإبادة الجماعية.
aXA6IDMuMTYuMjAzLjI3IA==
جزيرة ام اند امز