«أطلانتس الضائعة».. هكذا فشلت إسرائيل في إغراق أنفاق غزة
رافقتها ضجة كبيرة لدى الإعلان عنها، واعتقد البعض أنها ستكتب نهاية أنفاق غزة، لكنها ما لبثت أن توقفت على نحو مفاجئ دون نجاح يذكر.
تحقيق أجرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، كشف أن خطة إغراق الأنفاق في قطاع غزة بمياه البحر، والتي حملت اسم «أطلانتس» منيت بفشل ذريع لأن حركة حماس، استعدت لهذا الاحتمال وأنشأت مصارف لامتصاص المياه في الأنفاق.
وتوصل التحقيق إلى وقوع عدد كبير من الأخطاء في الطريقة التي تعامل بها الجيش الإسرائيلي مع الخطة ما أعطى مؤشرًا للفشل المتوقع.
واستندت الصحيفة في تحقيقها على مناقشات مع سلسلة من مصادر مختلفة شاركت عن كثب في وضع الخطة وتنفيذها، فضلاً عن وثائق ومحاضر من مناقشات مغلقة، شارك فيها كبار الضباط والمهنيون.
وعلى سبيل المثال، اتضح أن النظام بدأ في العمل حتى قبل تقديم الآراء اللازمة التي طلبها الجيش، وأن وراء النشاط المتسارع كان هناك قدر كبير من الضغط المفروض من الأعلى، أي من قبل رئيس القيادة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان.
كما تم تفعيل النظام في الوقت الذي كان يتوقع فيه أن يتعرض الرهائن الإسرائيليون للخطر والذين كانوا على قيد الحياة عندما اختطفوا إلى القطاع.
وقال مصدر بالجيش الإسرائيلي، من المشاركين بمشروع «أطلانتس» للصحيفة، إنه "تم تفعيل النظام في نفق مركزي واحد على الأقل لحماس كانت تستخدمه الحركة بوضوح خلال مراحل مختلفة من الحرب. ومن المرجح جدًا أن يكون هناك رهائن كانوا بمثابة درع بشري".
ضغط على القيادة
فشل المشروع رغم رهان الجيش الإسرائيلي عليه، بحسب ما قاله مصدر في الجيش لـ"هآرتس"، يعود إلى أن "معظم قوات حماس، خاصة الذراع العسكرية، دخلت الأنفاق في ذلك الوقت، وهذا خلق ضغطا على القيادة العليا للجيش الإسرائيلي".
ولهذا السبب، يقول مصدر آخر تحدث لـ"هآرتس"، إن "فينكلمان طالب بحلول وطرق لضرب نشطاء حماس في الأنفاق. وكان هناك إحباط لأنه خلال تلك المراحل لم تعتقد القوات حقًا أننا سنبدأ بدخول جميع الأنفاق. وبدأوا أيضًا في إدراك أبعاد الأنفاق التي لم تكن المخابرات العسكرية تعرف عنها شيئًا".
وفي ذلك الوقت، كان الجيش الإسرائيلي لا يزال يتعلم عن الأنفاق التي واجهها في القطاع ونطاقها الذي يصل إلى مئات الكيلومترات.
ويوضح المصدر للصحيفة أن "الجيش وجد نفسه على الأرض مدركاً أن حماس تحت الأرض وليس لديه حل لإخراجها من هناك".
لكن علاوة على ذلك، يقول بعض أعضاء القيادة الجنوبية للصحيفة إن القوات البرية لم يكن لديها في تلك الأيام حل في ترسانتها الحالية لمشكلة الأنفاق، وبالتالي كان الجيش حريصاً على التوصل لأي فكرة ممكنة.
تفاصيل
قدم مثل هذه الفكرة ضابط من القوات البرية والتي تتمثل في إغراق الأنفاق بمياه البحر، بواسطة مضخات وأنابيب ينشرها جيش الدفاع الإسرائيلي في القطاع.
ووفقا للصحيفة، كان الأمر في الواقع تجديداً لخطة طوارئ تم اقتراحها في القوات البرية قبل سنوات من تولي فينكلشتاين منصبه.
وفي ذلك الوقت، كان الهدف هو التعامل مع نوع مختلف من الأنفاق، وكانت فرص نجاحها في التعامل مع الأنفاق التي وجدها الجيش الإسرائيلي في القطاع اعتباراً من 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي محدودة.
لكن وفقاً لمصادر دفاعية تحدثت لـ"هآرتس"، أعطى فينكلمان الضوء الأخضر لتنفيذ الخطة القديمة وتكييفها مع الوضع الجديد.
وأوضحت الصحيفة أنه بعد حصول الخطة على التصاريح اللازمة، إذ يتطلب هذا النوع من النشاط موافقة رئيس الأركان والمدعي العام العسكري وغيرهما، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى سلطة المياه الإسرائيلية طلباً للمساعدة.
وسارعت السلطة إلى التعبئة للمهمة وشكلت مجموعتين من الخبراء المدنيين في عدة مجالات. وتم تكليف مجموعة بضخ المياه إلى الأنفاق، وطلب من المجموعة الثانية دراسة موضوع فقدان المياه عبر جدران النفق. وبدأت المجموعتان في العمل.
ولم ينتظر الجيش الإسرائيلي النتائج، وفي هذه المرحلة شرع في المرحلة التالية، ويقول أحد القادة الذين شاركوا في المشروع للصحيفة إنه "خلال شهر ونصف الشهر، قام الجيش الإسرائيلي بتحييد فرقة بأكملها".
و"كلف جنودًا مقاتلين بأعمال السباكة وحراسة الأنابيب، في جميع أنحاء القطاع، بينما لم يكن لديه أي فكرة عما إذا كان المشروع له أي جدوى تشغيلية".
ويضيف: "لم يكن لدى الجيش الإسرائيلي أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان النظام يعمل، وما حدث في الأنفاق، وما هو وضع المسلحين في الداخل وما إذا كان هناك رهائن أصيبوا بأذى نتيجة للمياه. وحتى هذه اللحظة ليس من الواضح ما هو الضرر الذي حدث في الأنفاق، إن وجد. وببساطة لا يعرفون شيئًا".
وفي الواقع، في ذلك الوقت، كما يقول الخبراء للصحيفة، إن الجيش الإسرائيلي يفتقر للمعلومات والبيانات اللازمة حول الأنفاق، ومن ثم كان من الطبيعي أن يفشل في إغراقها بطريقة من شأنها أن تلحق الضرر بالداخل أو تدفعهم إلى الفرار إلى السطح.
تغيير
أشارت الصحيفة إلى أن الجيش علم خلال استجواب أحد عناصر حركة حماس أن فتحات الأنفاق خضعت لتغيير، وإذا كانت في الماضي تُبنى إلى الأعلى، مع الدخول إليها بواسطة سلالم مرتجلة إلى حد ما، فقد تغير الهيكل بأكمله الآن.
و"يتم بناء الفتحات على شكل درجات أو سلم صغير يبلغ ارتفاعه متر أو مترين، ومن هناك توجد درجات أو منحدر يؤدي إلى النفق".
وتم تصميم ذلك لتسهيل الأمور على الحفارات وخلق فتحة ضيقة عند مدخل الأنفاق"، ولذلك، قال، "إذا دخل الجنود، فسيكون من الصعب عليهم المرور مع الكثير من المعدات عليهم".
كما كشفت عن تفاصيل أخرى لاحقا، منها على سبيل المثال، المسافة بين الأنفاق، والتي يمكن رؤيتها من الأعلى، يمكن أن تكون خادعة، وذلك لأن المدخل من الأنفاق منحدر، والذي يمكن أن يصل طوله إلى عشرات الأمتار.
وفي الواقع، يكون النفق نفسه أقصر بكثير، ولذلك فإن إلحاق الضرر بالأنفاق الضيقة لن يؤدي إلا إلى إنجازات محدودة. وظهر تفصيل آخر لا يمكن رؤيته من الأعلى هو الممرات بين الأنفاق، والتي ليس لها فتحات خروج.
وإضافة إلى ذلك تبين أنهم بنوا الأنفاق على مستويات، ومنحدرات، ومزودة بخزانات تجميع للأيام الممطرة وأبواب مقاومة للانفجارات. وأخبرونا أنهم لديهم طرق لتوجيه المياه إلى نقاط الامتصاص".
عدم تفعيل
ذكرت الصحيفة أنه بحسب وثيقة أصدرها الخبراء بعد نحو ثلاثة أسابيع من بدء تفعيل «أطلانتس»، فإنه لم يتم تفعيل الخطة وفقاً للتوصيات.
ولم يتم الضخ وفقاً للنظرية التي تم وضعها، ولم يتم جمع أي نتائج ولم يتخذوا القياسات التي تم وصفها"، وغضب الخبراء من الانقطاع بين المصادر في الميدان والوحدة المرافقة من جهة والخبراء الذين خططوا لطريقة التشغيل من جهة أخرى".
ولذلك توصل الخبراء إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ في إغراق الأنفاق دون أن يكون لديه آلية لتقييم الإنجاز العملياتي الناتج. ولخصوا الأمر بقولهم: "في الواقع، لا نعرف بأي درجة من النجاح تم تنفيذ العملية".
وربما يكون ما هو مكتوب في الوثيقة أقل ما يقال، إذ علمت "هآرتس" أنه منذ المحاولات الأولى لمعالجة المشكلة، شكك الخبراء في القدرة على إغراق الأنفاق بطريقة تجعل من الصعب على نشطاء حماس البقاء فيها، والتسبب في غرقهم.
ولذلك خلص الخبراء إلى أنه سيكون من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، إغراق الأنفاق أو جعل الأوضاع داخلها مستحيلة.