شبح الهجوم البري على غزة.. ماذا يعني وكيف سيبدو؟
في عام 2009، شنت إسرائيل عمليتها البرية الأعمق منذ انسحابها من قطاع غزة في 2005، لكنها تجنبت وقتها دخول الأحياء المزدحمة.
وقتها، كانت إسرائيل تدرك جيدا أن الدخول إلى الأزقة الضيقة للمخيمات مثل مخيم الشاطئ، وهو أحد أكثر المخيمات ازدحاما، سيكون محفوفا بالمخاطر، فأبقت تركيزها على السيطرة على محيط المناطق الحضرية.
كان ذلك ما أطلقت عليه إسرائيل اسم "عملية الرصاص المصبوب"، وهي الأولى في سلسلة من المواجهات لفترات مختلفة بين إسرائيل وغزة في الأعوام 2012 و2014 و2021 و2022.
وقد سبقت الحرب الجارية حاليا بين إسرائيل وغزة، عملية أخرى، في شهر مايو/أيار الماضي.
فكيف سيبدو اجتياحها البري لقطاع غزة في حال أقدمت عليه هذه المرة، في أعقاب هجوم شنته حماس السبت، على بلدات إسرائيلية، سرعان من تبدلت أحواله إلى حرب.
ولليوم الخامس على التوالي، تتواصل الحرب بين الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس، وإسرائيل، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها الحركة. السبت الماضي.
وسرعان ما أعلنت إسرائيل حالة الحرب، واتخذت إجراءات لمعاقبة حركة حماس، حيث أغلقت القطاع وقطعت الكهرباء والماء، وشنت عشرات الغارات الجوية على مناطق متفرقة في غزة أسفرت حتى اللحظة عن مقتل ألف شخص. ونزوح أكثر من 250 ألفا، فضلا عن تسوية أحياء بالكامل.
وقال الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم الأربعاء، إن عشرات المقاتلات هاجمت أكثر من 200 هدف في حي الفرقان شمالي قطاع غزة، ليرتفع عدد الغارات خلال 24 ساعة إلى نحو 450 هدفا.
وبرر الجيش الإسرائيلي استهدافه حي الفرقان، بأن حماس تستخدمه كمركز لعملياتها، مشيرا إلى أن المنطقة كانت قاعدة للعديد من الهجمات التي تم شنها ضد إسرائيل.
في هذه الأثناء، أعلن الجيش الإسرائيلي، مقتل ما لا يقل عن ألف مسلح فلسطيني تسللوا من غزة منذ مطلع الأسبوع.
كما جرى إرسال تعزيزات لكافة التجمعات السكانية في إسرائيل في ظل اتساع الأعمال القتالية لجبهات أخرى.
وفي تصريحات له، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن "الهجوم من الأرض سيأتي لاحقا".
من جهته، قال مصدر أمني إسرائيلي لـ"رويترز" إن الهجوم البري بات الآن "حتميا"، وذلك بعد الضربات الجوية.
ومع تزايد الحديث عن عملية إسرائيلية برية لقطاع غزة، تستعرض "العين الإخبارية" سيناريوهات قادمة ما لم تخلف الظنون.
ماذا عن الصراعات السابقة؟
يميل القتال بين الجيش الإسرائيلي وحماس إلى اتباع نمط مماثل، مع شن عمليات توغل برية على مر السنين على مستويات مختلفة يسبقها عادة وابل كثيف من الصواريخ يستهدف المناطق والمواقع التي يستخدمها الإسرائيليون للاقتراب.
كما استخدمت إسرائيل بشكل مكثف القوة الجوية والقصف من المدفعية البرية والزوارق الحربية البحرية في المرحلة الأولى من العمليات، لاستهداف ما تقول إنها البنية التحتية العسكرية لحماس، بما في ذلك المباني الحكومية ومراكز الشرطة والمنشآت الساحلية ومنشآت التدريب ومنازل كبار المسؤولين ومنازل أخرى للمدنيين.
ولكن في حين تتمتع إسرائيل بميزة كبيرة من حيث حجم قواتها العسكرية والتكنولوجيا وأنظمة الأسلحة والخدمات اللوجستية، فقد تكيفت حماس بشكل كبير على مر السنين للاستفادة من البيئة الحضرية الكثيفة في غزة.
كانت تكتيكات إسرائيل تتلخص دائما في التحرك بسرعة، والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي، مع تجنب القتال من شارع إلى شارع، ومن منزل إلى منزل، حيث يستطيع الخصم الأضعف الاستفادة الكاملة من التضاريس.
إلا أن دخول المناطق الحضرية في غزة من شأنه أن يضيف عنصرا جديدا تماما إلى القتال، بحسب ما "سي إن إن" الأمريكية.
كيف ستؤثر الجغرافيا على أي قتال؟
يقول خبراء إن جغرافية غزة تحد من العمليات الإسرائيلية، ولهذا السبب تميل قوات الدفاع الإسرائيلية إلى استخدام نفس طرق الاقتراب.
إذ توجد مناطق ريفية من الأراضي الزراعية بجوار معبر إيريز في أقصى شمال غزة، وشرق مخيم البريج وسط القطاع حيث يوجد خط من التلال يطل على المدنية.
وإلى الشرق من مدينة خانيونس في الجنوب حيث يمكن للدبابات والمدرعات الإسرائيلية التحرك بشكل أكبر، بسهولة واتخاذ مواقع إطلاق النار، حيث توجد نقطة وصول أخرى حول طريق فيلادلفي بالقرب من رفح في أقصى الجنوب.
وفي الماضي، استخدمت إسرائيل المواقع المطلة على وسط غزة لمحاولة قطع الاتصالات بين مدينة غزة والجنوب وأماكن أخرى لتقسيم المنطقة.
وتدرك حماس والفصائل الأخرى في غزة أن هذه الطرق يمكن للقوات الإسرائيلية استخدامها، وسيكون لها في كثير من الأحيان خطوط دفاعها الأولى في هذه المناطق، التي كانت مسرح لقتال عنيف في الماضي.
ومع تحول مناطق ريفية إلى حضرية ، أصبحت التضاريس أكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل، إذ تطل المباني السكنية الشاهقة في أماكن مثل جباليا وبيت لاهيا على المداخل الشمالية نحو مدينة غزة، بينما يحد الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب المناطق الصناعية التي استخدمتها حماس دفاعياً في الماضي.
أما التضاريس في وسط غزة وشرق خانيونس فهي أكثر انكشافا، لكن المباني الشاهقة على طول طرق الوصول وفرت غطاء لحماس.
هل سيدخل الإسرائيليون إلى المدن الرئيسية؟
خلال محاولاتها التقدم إلى المراكز الحضرية الكبرى، تعرضت القوات الإسرائيلية لهجمات عنيفة في الماضي.
وتمتلك حماس والفصائل الأخرى ألغاما مضادة للدبابات وصواريخ موجهة مضادة لهذه المدرعات، وقد استخدمتها في الماضي مع إطلاق قذائف الهاون.
وهو ما حصل خلال اجتياح القوات الإسرائيلية حي الشجاعية شرق مدينة غزة عام 2014، حيث فقدت 13 جنديا في كمين شمل لغما مضادا للدبابات ونيران مدافع رشاشة.
وفي حين يتمتع الجيش الإسرائيلي بخبرة القتال بالمدرعات في المدن الفلسطينية، وليس أقلها في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، يُعتقد أن حماس تمتلك الآن مخزونا كبيرا من صواريخ كورنيت المضادة للدبابات والتي تم استخدامها في حروب سابقة.
كما طورت حماس طائرات بدون طيار مجهزة بالذخيرة من النوع المستخدم على نطاق واسع في أوكرانيا والتي يمكنها إسقاط قنابل على المركبات والقوات، وهو تهديد جديد.
وفي الوقت الحالي، تخوض القوات الإسرائيلية قتالا مع حماس. لكن غزة هي موطن لعدد لا يحصى من الفصائل الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على سبيل المثال لا الحصر.
لكن هذه الفصائل لا تمتلك القوة البشرية أو الأسلحة التي تمتلكها حماس، لكنهم كثيرون بما يكفي لمقاومة جدية، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في سي إن إن.
كيف سيكون رد حماس؟
يقول مراقبون، إن الحروب السابقة، منحت حماس خبرة في مواجهة الجيش الإسرائيلي، فضلا عن أعداد مقاتليها المدربين على القتال. وبعضهم من الناطقين بالعبرية الذين درسوا الجيش الإسرائيلي بعمق.
وتعتقد صحيفة "الغارديان" البريطانية أن إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه إسرائيل في أية محاولة لشن هجوم بري هي أنها ستضطر إلى مواجهة مواقع حماس المجهزة، بما في ذلك الأنفاق القتالية التي تم تطويرها على نطاق واسع على مر السنين، وفي بعض الحالات مجهزة بأنظمة الاتصالات.
وفي حين كانت شبكات أنفاق حماس بدائية ذات يوم، أصبح مهندسوها الآن يتمتعون بخبرة كبيرة في بناء مواقع مخفية جيداً تحت الأرض لاستخدامها كمراكز قيادة ونشر المقاتلين منها.