ليلة في العراء.. مكالمة إسرائيلية تحول منزل عريس غزاوي لركام

"العين الإخبارية" وسط منزل مصطفى الأسطل في محافظة خان يونس حيث قضت أسرته ليلتها في العراء بعد تعرضه لقصف إسرائيلي في قطاع غزة.
لا نوم يغطي الجفون، ولا أسرة للأطفال ولا للشيوخ، أرض تفترشها النساء أمام الركام؛ فالذكريات دفنت والحرمان يوقظ القلوب المتعبة والعيون المنكسرة على دمعها تشخص كمرصد لكل كبيرة وصغيرة تحت الخرائب؛ فالبيت الذي تحول إلى أغبرة وحجارة متفرقة يقرأ المشهد الموجوع والمكرر في قطاع غزة بعد كل عدوان.
هنا "العين الإخبارية" وسط منزل مصطفى الأسطل في محافظة خان يونس مع الليلة الأولى للقصف الإسرائيلي الشديد الذي عاشه سكان قطاع غزة، وحوله الاستهداف إلى ركام.
اللحظة المؤلمة.. ولادة عسيرة
وعن لحظات القصف، تحدثت أم الأسير المحرر مصطفى الأسطل، الحاجة سونيا (أم العبد - 62 عاما) لـ"العين الإخبارية"، مؤكدة أنه عند الساعة الحادية عشرة والنصف تلقى جيران ابنها مصطفى مكالمة تلفونية تطالبهم بمغادرة منزلهم فوراً؛ تمهيدا لقصف منزل ابنها، وبعدها بدقائق أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخا تحذيريا على البيت.
وقالت "أم العبد" إن ابنها مصطفى سارع إلى الخروج من المنزل بعد أن تيقن أنه مستهدف من عملية القصف، مضيفة: "خرجنا جميعا بعده لنفترش الأرض، ونقضي ليلتنا في العراء، وما هي إلا دقائق بعد خروجنا حتى قصفت طائرة حربية المنزل ودمرته بشكل كامل".
الوقت كأنه سراب
لم تستوعب "أم العبد" أن المغادرة قد حانت بالفعل استعدادًا لقصف المنزل، لكنها استسلمت للأمر الواقع، وبدأت في إلقاء نظرة أخيرة على الأثاث، وفي لحظات انفجرت أسئلة في رأسها عن أهم المحتويات التي سيأخذونها، فما كان أمامها سوى جمع الأوراق المهمة، وبعض المقتنيات الخفيفة، وطلبت من الجميع أن يأخذ ما يستطيع حمله.
على مدار دقيقتين فقط كان الجميع قد خرج من المنزل، وابتعدوا عنه أمتاراً وانتظروا صاروخ الطائرة، الذي هز المنطقة المحيطة وأحدث دويًا مزلزلا، وهنا تقول أمير الأسير المحرر مصطفى الأسطل: "لم أفكر بأي شيء لحظتها غير دمعة تحجرت في عيني، وقلبي الذي اطمئن على ابني مصطفى، بكى على بيته الذي بناه قبل شهرين فقط لكي يتزوج فيه ويبني أسرة له".
الخراب له أنياب
وعن الأسباب التي أدت إلى تدمير منزل الأسير المحرر، تقول والدته: "مصطفى قضى 17 سنة في السجون الإسرائيلية، وقبل شهرين ونصف الشهر تم الإفراج عنه بعد أن أتم محكوميته، وبعد إطلاق سراحه بشهر تزوج وأسس منزله الذي قصف، ولا نعرف تماما لأي سبب تم تدمير بيته، رغم أنه منشغل بترتيب شؤونه الخاصة، ولا يزال عريسا، والناس تأتي لتهنئته".
رسالة والدة مصطفى لم تكن كبيرة للضمير الإنساني بل اختصرتها، بقولها: "نعيش هذا الألم في كل سنة، والعالم يعرف أن هذه الاعتداءات غير إنسانية، ولكننا نطالب أحرار العالم بألا ينسوا أن الظلم الذي تمارسه إسرائيل ضدنا لن يأتي باستقرار ولا أمن لها ولا للمنطقة، ويكفي أن ابني نجا من القصف وهو بخير، فالحجر الذي سقط سيقوم مرة ثانية وثالثة".
نجاة الروح فرح
عبدالرحمن الأسطل شقيق مصطفى، تحدث بدوره لـ"العين الإخبارية"، قائلا: "عند خروج أخي من السجن أعيدت لنا الحياة، وعشنا فرحناً كأننا لم نعشه من قبل، ولم نكن نعتقد للحظة أن الاحتلال أفرج عنه ليقوم بتصفيته خارج السجن، بتدمير منزله، هذه جريمة كبرى وعلى الدول الحرة أن تتدخل لكف يد إسرائيل عن الأبرياء والعزل والآمنين في قطاع غزة".
وشدد عبدالرحمن على أن الاحتلال الإسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمراء، وانتهك بشكل فاضح الأعراف الدولية، والأخلاقيات الإنسانية، ويجب ضبطه وعدم التعامل معها كدولة فوق القانون الدولي.
وبالعودة إلى "أم العبد"، فرفضت أن تدخل بيتاً آخر قبل سطوع الشمس لترى تعبها الذي صرفته لتفرح بابنها بعد عمر قضته في انتظاره، تجلس على كرسي أمام الدمار موشحة بالسواد وعيناها تكاد تخرجان من وجهها، ولكنها لم تدمع لتجعل من رباطة جأشها درساً للذين من حولها، وكل ما قالته: "لن تهزمنا الطائرات، وسنبني بيت مصطفى وسنربي أولاده فيه بإذن الله".
اللية التي تبلس سوادها الدامس في قطاع غزة، لا تطفئها حرائق الحرب فقط، بل تغسلها آهات مدفونة في النفوس ليوم تصبح فيه الأحداث حكايات للقادمين، ففي القطاع الحياة معلقة.
aXA6IDMuMTkuNzYuNCA= جزيرة ام اند امز