عربة الصحافة.. إيطالي يسوّق "الكلمات الكاسدة بكلمات طيبة"
من شارع إلى آخر يتنقل أندريا مقترحاً على الزبائن شراء الصحف، متسلحاً بالبسمة والكلمة الطيبة كالباعة المتجولين في الماضي
صباح كل يوم، يصل أندريا كاربيني مع عربته ذي الثلاث عجلات بهديرها المميز ليركنها في إحدى ساحات مدينة ميلانو الإيطالية فاتحا بابيها، إذ تسببت أزمة الصحافة في أن يصبح كشك بيع الصحف جوالاً.
من شارع إلى آخر يتنقل أندريا، مقترحاً على الزبائن شراء الصحف، متسلحاً بالبسمة والكلمة الطيبة كالباعة المتجولين في الماضي.
تقول ماريا ريتشياردي (77 عاماً): "آتي إلى هنا يومياً، الكشك أغلق في يوليو/تموز، لكن لحسن الحظ هذه العربة تأتينا منذ شهر، لا أحب الإنترنت، على الرغم من أنه قد يكون ضرورياً، لكن الثقافة الحقيقية تكمن في الكتب والصحف".
أما ماريا مالزاني البالغة 72 عاماً فتشير إلى أنها كانت مضطرة للمشي مسافة طويلة لابتياع الصحف منذ إغلاق الكشك في الصيف الماضي، وترى هذه المرأة المولعة مع زوجها الخطّاط بقراءة الصحف أن هذه العربة "مذهلة".
ويعد زوال أكشاك بيع الصحف هو ما قفز بهذه الفكرة إلى رأس أندريا كاربيني ابن الثانية والخمسين.
ويقول دييجو أفيرنا من اتحاد النقابات العمالية الإيطالية: "قبل 10 سنوات، كان هناك 650 كشكاً في ميلانو، أما اليوم فلم يعد عددها يتجاوز الـ450"، لافتاً إلى أن كثيراً من هذه الأكشاك "بالكاد تستطيع الصمود" بفضل بيع تذاكر النقل العام أو المأكولات الخفيفة.
وخسرت إيطاليا بين عامي 2009 و2019 نحو ربع متاجر بيع الصحف، التي تراجع عددها من 18 ألفاً إلى 14 ألف متجر، وفق اتحاد غرف التجارة الإيطالية.
ويصاحب هذه الخسارة، التراجع الكبير في مبيعات الصحف، إذ لم يعد يباع في إيطاليا سوى نحو 2.2 مليون صحيفة يومياً في مقابل 5.5 مليون سنة 2007، وفق هيئة متخصصة.
وحتى الساعة، لا يعمل أندريا كاربيني الوافد من عالم المكتبات سوى على "خط" واحد مع 4 محطات في أحياء مختلفة قرب نقاط كانت تضم أكشاكاً أغلقت أبوابها، إلا أنه يحلم بتوسيع نشاطه.
ويؤكد كاربيني: "ما أقوم به خطوة تحفيزية، وآمل أن يحذو شباب حذوي، رميت حجراً في نطاق لم يكن أحد يتحرك فيه".
ويوضح: "الناس يميلون للقول إن المعركة خاسرة، لكني أعتبر أن سوق الصحف الورقية لها مستقبل، على الرغم من أنها آخذة في الانحسار"، لافتا إلى أهمية "الحفاظ على حرية الصحافة والإنتاج الثقافي".
ويشير إلى أنه من خلال العمل اليومي واختيار الأحياء التي يسلكها بصورة جيدة، من الممكن كسب 1800 يورو إلى 2000 شهرياً، ونقطة القوة مقارنة مع الأكشاك العادية هي في تفادي دفع تكاليف ثابتة باهظة وتركيز العمل على ساعات محددة.
وتستقطب هذه العربة التي تتيح التنقل بسهولة أنظار المارة، ويقول أندريا كاربيني إن هذه المركبة "لها قيمة رمزية شديدة الأهمية في إيطاليا، إذ تمثل الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في خمسينيات وستينيات القرن العشرين".