شهدت خريطة التحضّر العالمية تحولاً لافتاً بعد صعود العاصمة الإندونيسية جاكرتا إلى صدارة المدن الأكثر اكتظاظاً في العالم، لتتجاوز المدينة الإندونيسية، العاصمة اليابانية طوكيو، التي احتفظت بهذا الموقع لعقود طويلة.
ويأتي هذا التغيّر في الترتيب العالمي نتيجة تزايد عدد سكان جاكرتا بسرعة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بالهجرة الداخلية والنشاط الاقتصادي الكثيف، إلى جانب التوسع العمراني الهائل الذي دمج مناطق واسعة في محيط العاصمة داخل نسيجها الحضري.
واقع جديد في آسيا
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، فإن هذا الصعود يعكس واقعاً جديداً في آسيا، حيث تتصدر مدن الجنوب والجنوب الشرقي القارة اتجاهات النمو السكاني، على حساب مدن شرق آسيا التي تشهد نمواً بطيئاً أو حتى انكماشاً في بعض الأحيان. فبينما تتوسع جاكرتا أفقياً، وتستقطب أعداداً متزايدة من الباحثين عن العمل، تتخذ طوكيو منحى مختلفاً، إذ تسجّل ضواحيها تباطؤاً في النمو رغم زيادة محدودة داخل المناطق المركزية.
ويشير خبراء في التخطيط الحضري إلى أن هذا التحوّل لا يرتبط فقط بزيادة عدد السكان، بل بتغيرات في تعريف المناطق الحضرية نفسها، إذ باتت بعض الدول تعتمد معايير أكثر دقة لقياس الكثافة العمرانية وتحديد حدود المدن. وقد ساهم هذا الأسلوب في إظهار الحجم الحقيقي لمدن كجاكرتا، التي تضم ضمن نطاقها الإداري والعملي عشرات المناطق المترابطة عمرانياً، ما يجعلها واحدة من أكبر الكتل السكانية المتجاورة في العالم.
ثمن الصدارة
لكن صدارة جاكرتا لا تأتي دون ثمن. فالمدينة تعاني بالفعل من تحديات تراكمت عبر سنوات: ازدحام مروري خانق، تلوث متزايد، ضغط شديد على البنية التحتية والخدمات العامة، إضافة إلى مشكلات بيئية حادة مرتبطة بارتفاع منسوب المياه وتراجع الأراضي الساحلية.
ويعبر سكان المدينة منذ سنوات عن قلق متزايد بشأن جودة الحياة ومستوى الخدمات، ما يدفع الحكومة الإندونيسية للبحث عن حلول طويلة المدى، من بينها مشروع نقل العاصمة إلى نوسانتارا في جزيرة بورنيو.
أما تراجع طوكيو إلى المرتبة الثانية أو الثالثة عالمياً، فيُنظر إليه بوصفه انعكاساً للتحولات الديموغرافية العميقة في اليابان، حيث الانخفاض المستمر في معدل المواليد وشيخوخة السكان، ما يجعل النمو السكاني في المدن الكبرى أكثر بطئاً مقارنة بجيرانها الآسيويين.
ويرى مراقبون أن صعود جاكرتا يمثّل بداية مرحلة جديدة في توزيع الثقل السكاني العالمي، وأن المدن الآسيوية الأسرع نمواً باتت مرشحة للعب دور أكثر تأثيراً في الاقتصاد والسياسة الإقليمية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNCA= جزيرة ام اند امز