ما يغيب عن المتآمرين وتحالف الشر الذي يتخفى وراء قضية خاشقجي أن العالم العربي ليس الرجل المريض
كما كان متوقعاً، لم يغير خطاب أردوغان الذي زعم فيه أنه سيكشف "حقائق" جديدة عن مقتل جمال خاشقجي من الأمر شيئاً، ولم يخرج علينا بغير لهجة الابتزاز التي يظن أن الظروف مواتية لها، وبدا أردوغان حريصاً على المواربة وترك الباب مفتوحاً لأي مساومة قادمة.
وعلى أي حال، فقد جاء إعلان المملكة العربية السعودية بشكل رسمي ملابسات الحادث المأساوي الذي جرى في مقر قنصليتها بتركيا، متسماً بالشجاعة والدقة والمسؤولية، بل إنه من المرات القليلة التي يحدث فيها مثل هذا الاعتراف بالخطأ، ولا شك في أنه يعكس رغبة المملكة في إيقاف ذلك الطوفان الهائل من القصص المُختلقة والروايات الوهمية وحرب الشائعات والتسريبات التي انطلقت لتغطي على كل ما عداها في العالم، فضلاً عن أن مجلس الوزراء السعودي أكد أن المملكة لن تقف عند محاسبة المسؤولين المباشرين عن القضية، بل سيعتمد إجراءات تصحيحية تحول دون تكرار مثل هذا الخطأ.
ما حملات التحريض على المملكة وعلى رموزها والاتهامات الخرافية ودعوة الغرب إلى التدخل إلا محاولات لإطلاق الرصاصة الأولى في الموجة الثانية من التخريب الشامل الذي تأمل الدوحة وأذنابها أنه سيكون أكبر من سابقه في عام 2011
فمنذ الجريمة المؤسفة لم يقتصر الأمر على السيرك البهلواني الذي نصبته قناة "الجزيرة" وشقيقاتها، وأطلقت فيه مهرجيها لاستغفال الجمهور، بل دخلت وسائل إعلام عالمية وحكومات ورؤساء دول على خط التضخيم والتهويل والنفخ في الحدث، حتى أصبح بالوناً ضخماً من الأكاذيب التي يجب أن ننتبه جيداً إلى ما وراءها، لأنه الأهم.
لقد أشهر المتآمرون في نظام الحمدين وفي تركيا، ومحترفو الاتجار بالإسلام السياسي وأذناب الإخوان المسلمين ومشغلوهم ومرتزقتهم حول العالم، قميص خاشقجي، لا دفاعاً عن خاشقجي، رغم أنه كان أحد الناطقين باسمهم، لكن تمهيداً للفتنة الكبرى التي قدحوا زنادها قبل ثمانية أعوام، حين أطلقوا شرارة الفوضى العربية ونفخوا في النيران التي اشتعلت في كل مكان من الوطن العربي، وأطلقوا إعلامهم المجرم بالتحريض، وبذلوا الأموال ونسجوا المؤامرات من أجل تقويض العالم العربي، وتحويل بلدانه ساحات صراع وحروب أهلية تأكل الأخضر واليابس.. وقد تصدت دول عربية مسؤولة لهذه الفتنة، على رأسها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية اللتان تعاونتا على وأد الفتنة، ونجحتا في إعادة الاستقرار إلى المنطقة، وألقمتا العصابة الإخوانية القطرية التركية الإيرانية حجراً بما اتخذتاه من إجراءات أحبطت التدابير الخبيثة.
واليوم يجد تحالف الشر ورموزه في الدوحة وإسطنبول وطهران، وفي جحور الإخوان المسلمين وسراديبهم المظلمة، الفرصة مواتية لإعادة إشعال فتيل الفوضى وجرّ المنطقة إلى مربع المواجهة والقتل والخراب، وتحويل الشعوب الآمنة والمستقرة طوائف وشيعاً يضرب بعضها رقاب بعض دون هوادة.
هذا هو المخطط الذي يجب أن نتنبه إليه، وإذا كانت موجة التخريب الأولى قد تسترت وراء اسم "الربيع العربي" وتذرعت بأخطاء ارتكبتها بعض أنظمة الحكم آنذاك، فإن الصورة سرعان ما اتضحت أمام العالم العربي، فقد وعت الشعوب العربية، إلا قلة منها، ما يُدبَّر لها، وشاركت في إنهاء المخطط الشيطاني، وأكدت أنها لن تسمح بعودة الفوضى من جديد.
زوبعة مقتل جمال خاشقجي ليست إلا قنبلة دخان تُخفي وراءها الرغبة في زعزعة الاستقرار في المملكة العربية السعودية ومن ورائها العالم العربي.. وما حملات التحريض على المملكة وعلى رموزها والاتهامات الخرافية ودعوة الغرب إلى التدخل إلا محاولات لإطلاق الرصاصة الأولى في الموجة الثانية من التخريب الشامل الذي تأمل الدوحة وأذنابها أنه سيكون أكبر من سابقه في عام 2011، بفعل انكفاء المملكة العربية السعودية وانشغالها بتداعيات الحادث المؤسف، حسبما تصوِّر لهم أمانيُّهم.
المؤامرة واضحة لمن يريد أن يرى، وكما وقفت الولايات المتحدة الأمريكية بالأمس القريب داعمة للفوضى وللإخوان المسلمين، وكما شاركت أوروبا في دعم التحركات التخريبية التي شملت العالم العربي عام 2011، فإن الطرفين يعودان اليوم إلى اللعبة ذاتها، في تماهٍ مع اللعبة القطرية الإخوانية التركية، وفي دعم للتحركات الإيرانية الخفية التي لم تتوقف يوماً.. ويبدو أن الجميع يعتبرون العالم العربي الرجل المريض الذي حان وقت تقطيع أوصاله وتمزيق شمله كما كان حال الدولة العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر.
ما يغيب عن المتآمرين وتحالف الشر الذي يتخفى وراء قضية خاشقجي أن العالم العربي ليس الرجل المريض، وأن أوراق القوة لدى الدول العربية المسؤولة، الحريصة على الاستقرار، هي أوراق كثيرة وفاعلة.. وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ليستا العالم كله، فهنالك القوى الصاعدة التي تحتل مكانها في معادلة القوة والتأثير السياسي والاقتصادي حول العالم، مثل روسيا والصين والهند، والابتزاز الذي تمارسه أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية سيرتد عليهما إذا مضتا في اللعبة الخاسرة.. ومثلما فشلت موجة الفوضى الأولى فسوف تلاقي الثانية المصير نفسه.
إن السجل الأمريكي والأوروبي في حقوق الإنسان وفي الدفاع عن الحريات لا يؤهلهما كثيراً لدور الواعظ الذي تلعبانه الآن، والغرب عموماً يتجه نحو عنصرية مقيتة وكراهية تعبِّر عن نفسها في كل مظاهر الحياة، والأزمة الأخلاقية التي يعانيها الغرب لا تحتاج إلى دليل.. والشعوب العربية تدرك الآن النفاق الغربي ومؤامرات تحالف الشر القطري-الإخواني التركي أكثر من أي وقت مضى، وهذه الشعوب الواعية المصطفة خلف قيادتها هي الحصن الذي سيحبط المؤامرة ويرد المتآمرين على أعقابهم.
ستواصل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ممارسة دورهما في حفظ الاستقرار والأمن في المنطقة، والدفاع عن العالم العربي جنباً إلى جنب مع الدول الشقيقة التي تدرك خطورة اللحظة الحالية والتبعات المترتبة على أي خطأ في التعامل معها.. ونُذكِّر هنا بأن قرارات مثل عاصفة الحزم والدفاع عن ثورة 30 يونيو في مصر وتدخل قوات درع الجزيرة من أجل حماية مملكة البحرين ومقاطعة عصابة الحمدين في قطر قد اتُّخذت على غير رغبة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأن الدول العربية المسؤولة قادرة على إنفاذ إرادتها حينما تقرر ذلك، اعتماداً على حسابات واقعية للقدرات والإمكانات، ولا تُرهبها المؤامرات، بل إنها تخرج منها أكثر قوة ومنعة.. والتاريخ خير شاهد على ذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة