قصة جيمس أندرسون.. حكيم "أدنبرة"وصائد الأسهم الرابحة
ساهم جيمس أندرسون في صناعة مجد شركة إدارة الأموال الاسكتلندية "بايلي جيفورد"، إلى الحد الذي جعل متابعوه يصفونه بالعبقري المجنون.
صائد الأسهم الرابحة
على مدى سنوات طويلة، نجح أندرسون في التحليق بعيدا بشركته، انطلاقا من الاستثمار في أسهم شركات من طراز "أمازون" و"تسلا" الأمريكتين، فبنى سمعته كحكيم "أدنبرة" صاحب الرؤية في مجال شركات التكنولوجيا.
لكن تقاعد أندرسون أثار استغراب الكثيرين، بسبب التوقيت الذي قرر فيه مغادرة الشركة، وبعد تعرضها لخسائر ضخمة في بداية العام الجاري تجاوزت 100 مليار دولار.
"بايلي جيفورد"
تقاعد "أندرسون" البالغ من العمر 63 عاماً من شركة إدارة الأموال الاسكتلندية "بايلي جيفورد" (Baillie Gifford) التي تنشط منذ قرن، بعد أن حوّلها إلى مستثمر قوي غير متوقع في مجال التقنية حول العالم.
قبل كاثي وود و"آرك إنفيست"، وقبل العملات المشفرة، كان "أندرسون" بدأ في تحويل "صندوق استثمار الرهن العقاري الأسكتلندي" - صاحب الاسم غير المبتكر، التابع لـ "بايلي جيفورد" والذي تأسس عام 1909 من أجل تمويل مزارع المطاط، ليصبح لاحقاً المُنتَج الرئيسي لـ"بايلي جيفورد" إلى أحد أفضل الصناديق أداء طوال عقد.
أسهم التكنولوجيا
إلا أن انهيار أسهم التكنولوجيا كبّد الشركة خسائر هائلة قُدّرت بمائة مليار جنيه إسترليني (122 مليار دولار) حتى نهاية يونيو.
وهكذا، بات الجيل الجديد من منتقي الأسهم في الشركة الذين يخوضون مهمة شاقة لإقناع المستثمرين بأنهم قادرون على السير على خطى "أندرسون" يواجهون عراقيل جديدة، فعليهم الآن إقناع المستثمرين بأنه عليهم أصلاً أن يسيروا على خطاه.
كان الارتفاع الذي شهدته الأسواق مؤخراً يمكن أن يساعدهم في هذه المهمة، ولكن لا يبدو أن الشركة تعتزم تغيير النهج الذي تتبعه.
سحر "أندرسون"
تخلّى "أندرسون" عن المعايير الاستثمارية التقليدية، ووجّه أموال عملائه نحو عدد صغير نسبياً من الأسهم المحفوفة بالمخاطر، لكنها في الوقت ذاته ذات نمو سريع.
واتخذ من المخاطرة في سبيل النجاح شعاراً له، وضغط على مديري المحافظ للتركيز على مواضيع عالمية شاملة، بدلاً من الاستثمار على أساس جغرافي.
هكذا، كما هو معروف، استثمرت "بايلي جيفورد" في "أمازون" و"تيسلا" وغيرهما من الشركات التي سرعان ما حلّقت في السوق الصاعدة.
ولسنوات طويلة، ظلّت الشركة هي المستثمر الوحيد الذي امتلك ثاني أكبر عدد من الأسهم في "تيسلا" بعد إيلون ماسك. (كان دوجلاس برودي، وهو شريك ومدير محفظة في فريق آخر تابع لـ"بايلي جيفورد" يقود الاستثمار في "تيسلا" في بداية العقد الثاني من الألفية، ولكن أندرسون حظي بمعظم التقدير على ذلك، وجذب معظم الاهتمام الإعلامي).
مكّن ذلك الشركة من حصد نتائج مذهلة. فمنذ عام 2005، وحتى الذروة في العام الماضي، بلغت عوائد "صندوق استثمار الرهن العقاري الأسكتلندي" 2240%.
انقلاب الأحوال
ولكن ما ارتفع شيء قط إلا سقط، وفي هذه الحالة كان السقوط عنيفاً. ففي ظلّ انهيار أسهم شركات التقنية، سجل "صندوق استثمار الرهن العقاري الأسكتلندي" انخفاضاً بنسبة 32% هذا العام حتى يوم 16 من أغسطس/آب، وانخفضت أصوله إلى 14 مليار جنيه إسترليني.
وقد تراجعت كافة صناديق "بايلي جيفورد" التي تتابعها "بلومبرج" بين 1 و40% هذا العام، فيما بلغت قيمة إجمالي الأصول تحت إدارة الشركة 231 مليار جنيه إسترليني بحلول نهاية يونيو/حزيران، مقابل 336 مليار جنيه في بداية العام.
وفي ظلّ انقلاب الأحوال، بات السؤال متى أو حتى ما إذا ستسترجع أصلاً "بايلي جيفورد" مكانتها، لتتمكن من دعم قطاع انتقاء الأسهم الذي تم تحجيمه في الأعوام الماضية في ظلّ ازدياد شعبية صناديق المؤشرات الأقل تكلفة.
قيادة أندرسون
وعلى امتداد العقود الأربعة التي عمل فيها "أندرسون" في الشركة، استطاع أن يغير سمعتها وطبيعتها الراسخة.
ففي وقت كانت صناديق المؤشرات زهيدة التكلفة تحدث تحولاً في عالم الاستثمار، وجّه الشركة نحو الاتجاه المعاكس، فقد تحدّى مديري المحفظات لوضع المؤشرات جانباً والبحث عن شركات ستتمكن من حلّ المشكلات الكبرى.
وإلى جانب "أمازون" و"تسلا"، تضمنت قائمة رهاناته أسماء ناجحة كبرى مثل شركة "موديرنا" صانعة أحد اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
في فترة انتعاش الأسواق، تمكّن "أندرسون" ومعاونوه من التصدّي لكلّ المشككين، وافتخر بالسير عكس التيار، وكان في بعض الأحيان سريع الغضب، يغتاظ ممّا يعتبره الانسياق الأعمى للمحللين الماليين الذين يحصرون تركيزهم في الشؤون الحسابية. ترك "أندرسون" القلق حيال مضاعف الربحية للآخرين، بينما راح يركز على اكتشاف التوجهات الكبرى التي ستطبع المستقبل.
كان "أندرسون" يظهر بشكل غير مرتب ورثّ أحياناً، ويعطي انطباعاً وكأنه أحد العلماء. يتذكر أحد زملائه السابقين أنه في أحد المرّات كان يرتدي قميصاً متسخاً ببقعة حبر، فيما يتذكر آخر ربطات عنقه غير المعقودة جيداً.
كان يُنظر إلى "أندرسون" على أنه عبقري "بايلي جيفورد" المجنون. (أقرّ أندرسون في مقابلة عبر الهاتف أنه ربما كان سريع الغضب بسبب ضغوط عمله). ومع صعود نجمه، أسر المستثمرين العاديين، فيما كان يمضي وقته مع أشخاص من وزن جيف بيزوس في صن فالي.
لحظة حرجة
حتى الأشخاص من داخل "بايلي جيفورد" يتفقون أن مغادرة "أندرسون" في أبريل التي كان قد بدأ التلميح لها قبل عام جاءت في لحظة حرجة، فالشركة بنت قصة نجاحها استناداً عليه وعلى فلسفته الاستثمارية، واستخدمت هذه السردية الوردية للتسويق لنفسها.
وأقرّ جيمس بودن، رئيس التسويق العالمي في الشركة بدور "أندرسون" المتواصل في بناء صورة "بايلي جيفورد" إلى حدّ ما.
وقال "بودن"، وهو الشخص الوحيد الذي أعطته "بايلي جيفورد" الإذن بالحديث رسمياً إن "أندرسون": "كان له تأثير كبير، ولكن هذا التأثير بُني على مدى عشرين عاماً".
وأضاف: "لم يصبح صندوق استثمار الرهن العقاري الإسكتلندي فوراً ما هو عليه اليوم. نعم صحيح أنه (أندرسون) حدد جانباً كبيراً من طريقة التفكير الاستثمارية".