الكثير من الملاحظين يقولون إن اليابان كانت الحاضر الغائب بإفريقيا.. حيث سجلت حضورها خلال 1993 ضمن إطار تأسيس منتدى التيكاد
لقد أحيت القمة الأخيرة للتيكاد في طبعتها السابعة الحديث عن رغبة يابانية قوية في استعادة حضورها داخل القارة الأفريقية، وعن مساعيها للتأسيس مساقات تنموية جديدة تفسرها اليابان على أنها قائمة على أساس الاستثمار، والتكنولوجيا والابتكار، كما أنها تقوم على الشكل الذي يخدم مصلحة الشعبين خاصة في القارة الإفريقية.
إن إخضاع العلاقات اليابانية الإفريقية للتقييم وجدوى الرهان القوي لضخ نفس جديد في نمط علاقات التبادل خاصة من منظور جيوبولتيك التنمية، يقودنا في اعتقادي إلى القول إن المرامي والأهداف استراتيجية وترتبط بأهمية وأبعاد الصعود أو على الأقل فرض التوازن في ميزان القوة الإقليمي
ورغم أن الكثير من الملاحظين يقولون إن اليابان كانت الحاضر الغائب في إفريقيا، وذلك استنادا لعدة مؤشرات، حيث سجلت حضورها في شكله أو طابعه الرسمي والمؤسساتي خلال سنة 1993 ضمن إطار تأسيس منتدى تنمية إفريقيا التيكاد، غير أن هذا الحضور أخذ نمطا محددا حافظت فيه اليابان على صفة دولة رئيسة مانحة للمساعدات لإفريقيا خصوصا خلال فترة التسعينيات، غير أنها سجلت بعض الغياب الجزئي وليس التام من خلال مؤشر الاستثمار المباشر في إفريقيا، حيث كانت تحافظ على وجودها وحضورها من خلال شراكاتها مع كل من فرنسا، الهند، وتركيا عبر مشاريع الاستثمار في إفريقيا.
وضمن هذا المسعى تبرز أهمية التساؤل حول معايير التوجه الياباني نحو إفريقيا، على الصعيد السياسي والدبلوماسي أو الاقتصادي، والتي تراه اليابان قائما على مبادئ المرونة في دعم متطلبات الحكومة، وأهمية المساهمة المباشرة في خلق واقع تنموي أفضل في أفريقيا بالتركيز على المورد البشري، وهو النموذج الذي تقدمه اليابان اليوم باعتباره قائما على مرتكزات تسعى إلى تجسيدها، لعل أهمها التحول من تقديم المساعدات المباشرة إلى نمط الاستثمار المباشر، حيث يندرج هذا الطرح ضمن السعي لإخضاع أهداف السياسة الخارجية لمتطلبات التنمية.
إن استراتيجية الاستثمار المباشر تعد إعلان العودة القوية لليابان نحو إفريقيا ونلمسها من خلال المبادئ التي اختيرت لتشكل إطارا لترقية الحضور الياباني في إفريقيا حسب ما جاء في كلمة الوزير الأول الياباني في القمة الأخيرة للتيكاد، والتي من خلالها يراهن الطرفان على تعزيز الاستثمارات اليابانية والتبادل وتنويع أشكال التعاون حسب التقارير، كما تم التأكيد على أنها ستتمحور حول ثلاثية: الانفتاح، النوعية، والمرافقة، خاصة لاستراتيجية الاتحاد الأفريقي للتنمية 2063، إضافة إلى دعم إفريقيا في تحقيق وخدمة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وهو المسعى الذي يمكن أن نحصره في بعدين أو توجهين أساسيين تستهدفهما خطة اليابان الجديدة ويتمثلان في: التنمية المستدامة، والأمن الإنساني، فهناك إذن ما يعكس رغبة يابانية في خلق علاقة نوعية تربطها بإفريقيا، حيث تراها مبنية على المنفعة المتبادلة التي يضاف إليها ما يمكن أن تقدمه الخبرة التنموية لليابان.
إن إخضاع العلاقات اليابانية الإفريقية للتقييم وجدوى الرهان القوي لضخ نفس جديد في نمط علاقات التبادل خاصة من منظور جيوبولتيك التنمية، يقودنا في اعتقادي إلى القول إن المرامي والأهداف استراتيجية وترتبط بأهمية وأبعاد الصعود أو على الأقل فرض التوازن في ميزان القوة الإقليمي، إذ إن استقراء ثنائية تأمين الملاحة البحرية، ودعم نموذج الشراكة عبر البحر الهادئ عناوين تمثل جزءا من مضامين معادلة خلق التوازن الذي يتطلبه التنسيق أو العلاقة بين النظام الأمني ونظام التجارة، وهو المشروع أو الطموح الياباني الجديد الذي تسعى من خلاله إلى إقامة ممر بحري آمن يربط المحيط الهادئ بالمحيط الهندي.
واستنادا لذلك تتأسس أهمية متغير شهرة اليابان بكونها صاحبة نظرة سلمية للنظام الدولي، فسيظل ذلك عاملا إيجابيا وحافزا للعلاقات الثنائية والجماعية، وهو ما نستشفه من هدوء مواقفها وسياستها الخارجية ذات الطابع الحيادي في كثير من الأحيان، ولعله نفس الأمر الذي يعطي اليوم انطباعا إيجابيا أصبح يتعزز أكثر من خلال مستوى القبول الإفريقي للشريك الياباني، مع تزايد احتمالية اعتبار اليابان بديلا مهما عن باقي الشركاء التقليديين لإفريقيا، فالهوية والاستراتيجية السلمية لليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تمثلان عنصر دعم كبير للعلاقات الاقتصادية القوية مع الدول الإفريقية، وجزءا من منطلق ياباني مفاده تحول القوة الاقتصادية لليابان إلى نفوذ استراتيجي، بالشكل الذي يدعم قوة اليابان في القضاء على مختلف أشكال التهديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة