علَم «يخنق» ووردة «لا تفك القيود».. القدس بين مسيرتين

في مثل هذا اليوم من كل عام، تمر بالقدس مسيرتان متضادتان في الاتجاه والهدف، واحدة تلوح بالهيمنة، وأخرى تهمس بالتعايش، لكن في مدينة تخنقها القيود وتُغلق محالها قسرا، يبقى للفلسطيني أن ينتظر نهاية "الاستفزاز".
فمن جهة، مسيرة "الأعلام" التي يقودها قوميون يهود متطرفون ويتحول فيها العَلَم الإسرائيلي إلى أداة استفزاز للفلسطينيين.
ومن جهة أخرى، مسيرة "الورود" التي ينظمها نشطاء يساريون إسرائيليون في محاولة لتقديم وجه آخر للمدينة، وجه يدعو للتعايش ويقاوم الكراهية بالزهور.
مسيرتان تتزامنان مع إحياء إسرائيل لـ"يوم القدس"، في مناسبة تأتي في توقيت مشحون، وعلى وقع الحرب المدمرة في قطاع غزة.
مسيرتان.. والوجع الفلسطيني واحد
واستعدادا لمسيرة الأعلام التي تمر عبر أزقة البلدة القديمة، وتثير سنويا موجات من التوتر والاحتكاك، شددت الشرطة الإسرائيلية قبضتها الأمنية ونشرت الآلاف من عناصرها في أنحاء القدس الشرقية المحتلة.
وأفاد مراسل "العين الإخبارية" في القدس، بأن البلدة القديمة بالمدينة المحتلة، شهدت منذ ساعات صباح اليوم، اعتداءات واسعة على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم.
وهاجم يمينيون إسرائيليون المحال التجارية في البلدة القديمة واعتدوا على المواطنين الفلسطينيين في الطرقات بمن فيهم كبار بالسن ونساء.
ورددوا هتافات مناهضة للمواطنين الفلسطينيين من قبيل "لتُحرق قريتكم".
وقاموا بالبصق على الصحفيين الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون توثيق الاعتداءات.
ما هي مسيرة "الأعلام"؟
ويشارك سنويا آلاف القوميين الإسرائيليين وعدد كبير منهم من اليهود المتدينين في المسيرة التي تبدأ من الشطر الغربي للمدينة وصولا إلى البلدة القديمة في القدس الشرقية مرورا بالحي الإسلامي وأغلب سكانه فلسطينيون.
وفي هذه المسيرة، يرفع المشاركون الأعلام الإسرائيلية، ويرددون شعارات عنصرية وتحريضية ضد العرب، وسط أجواء تتسم بالاستفزاز المتعمد، كما يصفها سكان المدينة.
وتنتهي المسيرة في المساء عند حائط البراق الذي يسميه اليهود "الحائط الغربي" ويقولون إنه آخر ما تبقى من الهيكل الثاني الذي دمره الرومان عام 70 ميلادية. ويُعد هذا الموقع الأقدس لدى اليهود الذين يُسمح لهم بالصلاة فيه.
بن غفير في مقدمة المشاركين
ومن بين المشاركين في المسيرة، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الذي اقتحم مع عدد من أعضاء حزبه (القوة اليهودية) باحات المسجد الأقصى، في وقت سابق اليوم، وهو تصرف أدانه الأردن، مؤكدا أن "لا سيادة لإسرائيل" على القدس الشرقية المحتلة والمسجد الأقصى الذي يعد ثالث الأماكن المقدسة لدى المسلمين ورمزا للهوية الوطنية الفلسطينية.
وقال بن غفير في مقطع فيديو على تليغرام وقد بدا خلفه مسجد قبة الصخرة "صعدت إلى جبل الهيكل بمناسبة يوم القدس، صليت من أجل النصر في الحرب، من أجل عودة جميع أسرانا، ومن أجل نجاح رئيس جهاز الشاباك الجديد ديفيد زيني. عيد قدس سعيد".
مسيرة "التوتر"
وبدأت فعاليات "يوم القدس" مساء الأحد، كما هي الحال في الأعياد اليهودية، برفع علم إسرائيلي ضخم في الباحة أمام الحائط.
وأفاد مراسل "العين الإخبارية" في القدس، بأن المحلات التجارية بدت مغلقة في البلدة القديمة.
ففي مثل هذا اليوم من كل عام، تفرض السلطات الإسرائيلية على التجار في البلدة القديمة إغلاق محالهم، وتمنع الفلسطينيين من الاقتراب من المسيرة التي يرون فيها استفزازا متعمدا لمشاعرهم.
وقال تجار لوكالة فرانس برس إنهم تلقوا تعليمات من الشرطة الإسرائيلية بعدم الحديث إلى الصحفيين أثناء مسيرة هذا العام.
وغالبا ما تشهد هذه المسيرة مواجهات، خاصة داخل أزقة البلدة القديمة.
ففي 2021، وفي اليوم المحدّد للمسيرة وبعد مواجهات بين فلسطينيين والشرطة في القدس الشرقية، أطلقت حماس وابلا من الصواريخ على إسرائيل واندلعت على الإثر حرب استمرت 11 يوما بين الجانبين.
وعام 2022، اندلعت اشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية خلال المسيرة أسفرت عن إصابة 79 شخصا على الأقل.
واليوم الإثنين، سجل الجيش الإسرائيلي إطلاق ثلاث قذائف من قطاع غزة الذي يعيش حربا مدمرة من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، سقطت اثنتان منها داخل القطاع، وتم اعتراض واحدة.
"ورود" في وجه الكراهية
في الجهة المقابلة، يحاول نشطاء يساريون إسرائيليون كسر هذا النمط من المواجهة بتنظيم "مسيرة الورود"، وهي فعالية سلمية تهدف إلى توزيع الزهور على سكان القدس، خصوصا من المسلمين والمسيحيين.
وقال غادي غفرياهو وهو منظم المسيرة وقائد حركة "تاغ مئير" (شارة النور) التي تروج للسلام والتعايش ردا على الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين، "سنوزع ورود السلام على سكان القدس وخاصة المسلمين والمسيحيين".
أما المديرة التنفيذية لمركز العمل الديني في إسرائيل أورلي ليخفسكي فأكدت "نحن غير مستعدين للقبول بأن يتم الاحتفال بهذا اليوم وسط العنف والعنصرية".
ورغم أن بعض الفلسطينيين في البلدة القديمة قَبِلوا الورود، فإن مشاعر الغضب والألم كانت طاغية. إذ قال أحد كبار السن الجالسين قرب باب العمود لمن حاول إعطاءه وردة: "هل ترى ما يحصل في غزة؟ أنا آسف، لا يمكنني قبولها".
الأمن يحكم المدينة.. والمستوطنات تتمدد
وتزامنا مع مسيرة الأعلام، أعلنت الشرطة الإسرائيلية الأحد نشر آلاف من عناصرها في أنحاء المدينة "لضمان أمن وسلامة الجمهور".
وفي خطوة مثيرة للجدل، من المقرر أن ينعقد مجلس الوزراء الإسرائيلي الإثنين في بلدة سلوان جنوب أسوار القدس، وفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وتضم سلوان موقعا أثريا يعرف باسم "مدينة داوود" ويعتقد أنه كان موقع القدس القديمة في عهد الملك داوود الذي تحمل اسمه.
ومنذ احتلال القدس، توسعت المستوطنات الإسرائيلية في الشطر الشرقي من المدينة وازداد عددها رغم انها تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي الذي يدينها.
وتعتبر إسرائيل القدس عاصمتها "الموحدة وغير قابلة للتقسيم" رغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بذلك، عدا عن الولايات المتحدة التي اعترف رئيسها دونالد ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
ومساء الأحد، حضر السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي ووزيرة الأمن الداخلي الأمريكي كريستي نوم جزءا من فعاليات إحياء "يوم القدس" عند الحائط الغربي أو حائط البراق عند المسلمين.
متطوعون لصد اعتداءات المتطرفين
وانتشر في البلدة القديمة متطوعون من جمعية "نقف معا"، وهي جمعية عربية ويهودية ترفض العنف وتدعو للسلام.
وحاول المتطوعون من "نقف معا" وقف اعتداءات المتطرفين ضد الفلسطينيين بعد أن امتنعت الشرطة الإسرائيلية عن وقفها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY1IA==
جزيرة ام اند امز