الأردن.. معالم أثرية تروي قصة المئوية
تنتشر في الأردن معالم أثرية وتراثية تروي تاريخ تأسيس المملكة قبل 100 عام، ومحطات مهمة في مسيرة تأسيسها.
وتحتفل المملكة الأردنية، الأحد، بمئويتها الأولى، في وقت تقف فيه العديد من المتاحف والقصور والمعالم التاريخية، شاهدة على إنجازات الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين (الأمير آنذاك)، منذ وصوله إلى مدينة معان في نوفمبر/ تشرين الثاني 1920، وانتقاله إلى عمان لتأسيس الدولة الأردنية في 11 إبريل/ نيسان 1921، تحت اسم "إمارة شرق الأردن".
في التقرير التالي تستعرض "العين الإخبارية" أبرز تلك المعالم الأثرية التي تروي قصة المئوية..
قصر الملك المؤسس في معان
يعد قصر الملك المؤسس بمعان جنوب الأردن شاهدا حيا على ميلاد الدولة الأردنية.
وكان هذا القصر أحد أبنية محطة السكة الحديدية الحجازية في معان وبُني سنة 1322هـ/1904م، وعندما وصل الأمير عبدالله بن الحسين (المؤسس) إلى معان في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1920، قادما من الحجاز، اتخذه مقرا له، وأُطلق على هذا المبنى اسم "مقر الدفاع الوطني".
ومن هذا المبنى بدأ الأمير عبدالله ممارسة نشاطاته واتخاذ قراراته السياسية، ومنه أعلن نفسه نائباً عن أخيه الملك فيصل (ملك سوريا) للعمل على تحرير الأراضي السورية من الوجود الفرنسي، وأصبح هذا البناءُ مركزَ قيادة وإدارة، ومنه انطلقت رحلة التأسيس للدولة الأردنية.
وفي هذا المبنى صدرت أول جريدة في شرق الأردن حملت اسم "الحق يعلو"، وهي جريدة أسبوعية، صدر منها خمسة أعداد؛ أربعة في معان وعدد واحد في عمّان.
وتجري حالياً عملية إعادة تأهيل وترميم المبنى، بهدف تطوير القصر إلى متحف وطني يحاكي تاريخ الدولة الأردنية ونشأتها وتأسيسها.
قصر رغدان
بعد ما توجه الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين من معان إلى عمان في 2 مارس/ آذار 1921، كان يسكن في دار متواضعة من البناء العثماني مقابل المدرج الروماني، وبعد أن نجح الملك عبدالله الأول في مفاوضاته مع الإنجليز، والحصول على اعتراف بريطاني بحكومة مستقلة في شرق الأردن، عمد الملك عبد الله الأول عام 1924 إلى اختيار مكان مرتفع يطلّ على وسط مدينة عمان ليبني فيه مقرّاً لقصر الحاكم.
اختار الأمير عبدالله بن الحسين اسم "رغدان" لأول قصرٍ يبنيه، تيمُّناً بالرغد والهناء، ومبعثاً للأمل والتفاؤل.
ويعد قصر رغدان هو البيتُ الهاشميُّ الأوّل فوق ذرى عمّان، ويعبر عن العِمارةُ الهاشميةُ التي ارتفعت شامخةً تجسّد قصةَ عمّان بتاريخها وحضارتها وتُنبئ عن عهد جديدٍ من الازدهار والتطوير والعمل من أجل المستقبل. هذا البناءُ الذي اجتمعت في أركانه السياسةُ والاقتصاد والأدب، هو مركزُ القيادة، وعنوانُ الحكم، ودارُ الشعب، وبيتُ الأمة.
استغرق بناءُ قصر رغدان 3 سنوات (1924-1927).
ويعد قصر رغدان هو البداية لمجمّع العمارة الهاشمية التي تقف بزهوٍ كامتدادٍ للتاريخ العريق، حيث اشتُهر القصر بمجالس الأدب والشعر، فالتقى فيه كثيرٌ من الشعراء العرب.
يُطلّ قصر رغدان على عمّان، وقد اختير موقعه بحيث يكون قلبَها النابض، وجاءت حجارته من أرض معان، وأبدع النقّاشون في تشكيل حجارته، واعتمد البناءُ على أسلوب السقوف المرتفعة والأبواب الواسعة والعالية.
ينسجم تصميم القصر مع عظمة عمّان وتاريخها، ورغم بديع عمارته إلّا أنه يتسم بالبساطة، وينطوي على مسحة من الجمال المستوحى من فنون العمارة الإسلامية في الزخرفة والتشكيل والنقش، إذ أبدع المعماريون في بنائه، ووضعوا فيه خلاصة خبراتهم وفنونهم في إخراج البناء الذي عكست واجهتُه الأمامية طرازَ البناء الشرقي المزيَّن بالزنابق ورؤوس الرماح والشبابيك المقوَّسة والأعمدة المنحوتة.
وتجتمع في رغدان فنونُ العمارة الإسلامية الأموية والمملوكية والعثمانية، ويمكن أيضاً ملاحظة الطراز الأندلسي من خلال المقرنصات وفنون زخرفة السقوف وتصميم النوافذ والمداخل.
ومن أبرز مكونات القصر، قاعة العرش التي تمتاز بكونها فسيحة، ذات رونق وبهاء، وقد زُيّن مدخلها الخشبي والزجاجي بإطارٍ من الرخام المصقول والمرمر الأبيض، ومنها يمكن الدخول إلى ساحة واسعة مرتفعة يتصدّرها إيوان بيضاويّ خلفيتُه من الشبابيك الزجاجية، ومصطبة ترتفع قليلاً، يستقر فوقها كرسيّ العرش الهاشمي، وبجانبه منضدة عليها زاوية خشبية من فنون الأرابيسك، وعلى اليمين علَم الدولة الأردنية، وإلى اليسار علَم الملك.
ومن المراسيم التي تشهدها قاعة العرش خلال الفترة الحالية استماع الملك عبدالله الثاني بن الحسين للردّ على خطاب العرش من مجلسَي الأعيان والنواب، وتقبّل أوراق السفراء المعتمدين لدى البلاط الملكي الهاشمي، وأداء اليمين الدستورية للحكومات.
وفُتحت أبواب قصر رغدان لزيارات الوفود وطلبة المدارس بتوجيهات ملَكية، عام 2002، حيث استقبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مجموعة من الطلبة في القصر.
وفي يونيو/ حزيران 2019، التقى العاهل الأردني الأطفال أنفسهم، بعد أن أصبحوا شبابا، ليكون القصر نفسه شاهدا أيضا على الإنجازات التي حققوها في مسيرة حياتهم.
واستمرت الزيارات للقصر منذ عام 2002 حتى الآن، حيث تم استقبال عشرات الآلاف من الطلاب من مختلف أنحاء المملكة بالإضافة إلى طلبة الجامعات والمراكز والوفود والمؤسسات المدنية والعسكرية من داخل الأردن وخارجه.
المسجد الحسيني
بعد تأسيس الأمير عبدالله بن الحسين إمارة شرق الأردن في عام 1921، أمر ببناء "المسجد الحسيني" نسبةً إلى والده الشريف الحسين بن علي، وقد قام بوضع حجر الأساس لهذا المسجد عام 1341هـ/ 1923.
وفي الأربعينيات من القرن العشرين، أجريت للمسجد عملية ترميم، حيث تمت توسعة صحن المسجد وأقيمت في وسطه مِيضأة، كما أضيفت المئذنة الغربية بارتفاع طابقين، وهي مشابهة للمئذنة الشرقية، وفي عامَي 1986 و1987 خضع المسجد لأعمال ترميم وتجديد كبرى ليستقر على هيئته التي يبدو عليها الآن.
ويبلغ طول المسجد نحو 58.5 متراً، وعرضه نحو 12.5 متراً، وله رواق أمامي ورواقان جانبيان، وفي الوسط صحن المسجد، وعلى طرفَي الواجهة الكبيرة للمسجد ترتفع مئذنتان، إحداهما أطول من الأخرى، حيث ترتفع اليمنى 70 متراً، واليسرى 35 متراً، وهما تمنحان المسجد هيبةً وعراقة بينما تعانقان فضاء المدينة.
وتتميز جدران المسجد بنقوش مزركشة ومختلفة الأشكال، إذ إن الواجهة الرئيسية للمبنى مبنيّة من الرخام الوردي، ويتجاوز ارتفاعها 20 متراً ويبلغ سُمكها متراً ونصفَ المتر، وهناك 4 نوافذ واسعة على كلٍّ من جانبَي البوابة الرئيسة التي تزيّنها مع البوابات الأخرى أقواس نصف دائرية تضفي عليها جمالية شرقية.
وبُنيت داخل المسجد مقصورة، كان الملك المؤسس عبدالله بن الحسين يصلّي فيها. وفي أيام شهر رمضان الفضيل، كان يأتي إلى المسجد قبل موعد الإفطار، ويجلس مع أهل العلم، يتحدثون في الفقه وأحكام الصوم، ويتدارسون اللغة العربية، وكانت المجالس التي يجتمع فيها الملك بكبار العلماء تستمر خلال أيام الشهر الفضيل.
وقد ألحق بالمسجد دارٌ لتعليم القرآن الكريم، ومكتبة تضم كتباً ومجلدات قديمة، دينية وتاريخية وفنية، ومجلات، وتسجيلات صوتية، بالإضافة إلى مرافق خاصة بصلاة النساء ووضوئهن.
والمسجد الحسيني ليس مجرد مسجد وحسب، بل هو تحفة معمارية محاطة بـ4 شوارع رئيسية تربط ضواحي عمّان القديمة بعضها ببعض، وتنتشر حولها الأسواق القديمة التي لا تزال تحمل ذاكرة المدينة وتحكي تاريخها.
وفي 17 يوليو/ تموز 2019 شب حريق في المسجد الحسيني، حيث قام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في 22 يوليو/ تموز 2019 بزيارة المسجد، ووجه بإعادة تأهيل المسجد بما يليق بالمكانة الإسلامية والتاريخية له والحفاظ على طرازه المعماري، باعتباره معلما حضاريا بارزا من معالم العاصمة عمان. وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2021 اطلع الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد خلال زيارته إلى المسجد على مشروع إعادة تأهيل المسجد، الذي تم إنجازه تنفيذاً لتوجيهات الملك عبدالله الثاني، عقب الحريق الذي تعرض له.
وشملت أعمال المشروع في المسجد، تجهيز منبر ومحراب جديدين، وواجهات خشبية مزخرفة، وتغطية أعمدة المسجد بالفسيفساء المقطعة يدوياً.
متحف السلط التاريخي
اختير بيت أبو جابر أكبر بيوت مدينة السلط القديمة ليكون مقرا للمتحف، نظرا لأهميته وقيمته التاريخية والمعمارية.
وتعكس جدران المبنى التراثي أبجديات نهضة المدينة وتطورها، وتبرز الجماليات المعمارية والفنية في بيت أبوجابر (اسم أول عائلة كانت تقطن بالمبنى) من خلال تميز كل طابق من طوابقه الثلاثة بألوان وأنواع مختلفة من الحجارة.
والواجهة الأمامية للمبنى غنية بالتفاصيل الحجرية المتقنة والتفاصيل المعمارية المهمة، وتزين الزخارف مدخل بيت الدرج، وما يميزها كذلك الأعمدة الملتصقة بالحائط ذات الزخارف الأخاذة المقتبسة من ورق الشجر في الطابق الأول ومن العمود الأيوني في الطابق الثاني.
وتحمل الواجهة الخلفية لبيت أبو جابر، في جنباتها البساطة، إذ تحتضن في جدرانها فتحات مستطيلة عشوائية الترتيب وجميعها مغطاة بشبك.
ويتكون التصميم الداخلي من فضاءات استخدم بتسقيفها الأفية البرميلية والأقبية المتقاطعة المتناغمة مع البناء، بالإضافة إلى أعمال الجبس ورسومات الجريسكو التي تغطي أسقف الطابق الثاني.
ويعد المتحف تحفة من التحف المعمارية المميزة في المدينة، إذ لم تقتصر العناصر المعمارية الجميلة على المبنى والواجهة الأمامية فقط، بل هناك عناصر معمارية متميزة من الداخل، ومن هذه العناصر البلاط.
وتم اختيار بيت أبو جابر لتحويله إلى متحف تاريخي لأهميته المعمارية والتاريخية ومكانه المتميز، حيث سبق أن أقام في هذا المبنى الأمير عبد الله الأول بن الحسين عام 1922 بعد انتقال المقر الأميري إلى السلط.
ويعرض المتحف تاريخ وثقافة وفلكلور السلط في فترة أوج ازدهارها منذ القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين.
متحف الحياة البرلمانية
يقع متحف الحياة البرلمانية (مبنى البرلمان القديم) في منطقة جبل عمّان، ويوثق للحياة السياسية والبرلمانية عبر مراحل مفصلية في تاريخ المملكة.
ويتكون من 3 أجزاء: الوسط ويضم قاعة البرلمان، والجناح الأيمن الذي يتكون من قاعات العرض التي تروي قصة الحياة البرلمانية، والجناح الأيسر ويضم مكتبي رئيسي مجلسي الأعيان والنواب وقاعة التشريفات.
استُخدم مبنى متحف الحياة البرلمانية لاجتماعات المجلس التشريعي في مطلع الأربعينيات، ثمّ مجلسًا للأمة بين عامي (1942-1978)، وشهد المكان إعلان الملك عبد الله الأول ابن الحسين استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 25 مايو/ أيار عام 1946، كما شهد أداء اليمين الدستورية للملك طلال بن عبدالله والملك الحسين بن طلال.
ونظرًا لما يتميز به هذا المَعلم بوصفه جزءًا من تاريخ الأردن السياسي والاجتماعي؛ تبنّت وزارة الثقافة مشروع إعادة إحياء مبنى البرلمان القديم وترميمه وصيانته وفق معايير العمل المتحفي؛ ليصبح متحفًا للحياة البرلمانية.
تم افتتاح المتحف في إبريل/ نيسان 2016 ضمن احتفالات المملكة بمئوية الثورة العربية الكبرى وتزامنًا مع ذكرى افتتاح أول مجلس تشريعي في عام 1929.