البتراء "مهجورة".. صوت العصافير يعلو في "مدينة الأشباح"
البتراء المشهورة بعمارتها المنحوتة بالصخور والتي تقع على بعد 225 كيلومتراً جنوب عمان، تعد الوجهة المفضلة للسياح الأجانب في الأردن
عند باب "الخزنة" أشهر معالم مدينة البتراء الأثرية في جنوب الأردن، يقف نايف هلالات، حارس الموقع وحيداً وحزيناً، ويقول "للمرة الأولى في حياتي، أرى المكان خالياً هكذا.. عادة هناك آلاف السياح".
تعد البتراء المشهورة بعمارتها المنحوتة بالصخور والتي تقع على بعد 225 كيلومتراً جنوب عمان، الوجهة المفضلة للسياح الأجانب في الأردن.
واختيرت المدينة عام 2007 كواحدة من عجائب الدنيا الجديدة، لكنها اليوم أشبه بمدينة أشباح.
وشيدت المدينة الوردية، نسبة لألوان صخورها، في العام 312 قبل الميلاد كعاصمة لمملكة الأنباط العربية القديمة التي سقطت بيد الرومان في عام 106 قبل الميلاد.
ويقول هلالات البالغ 42 عاماً، وهو أب لخمسة أطفال ويعمل في الموقع منذ عشرة أعوام: "في مثل هذا الوقت من كل عام، يعجّ المكان بآلاف السياح. كنا نضطر أحياناً لتنظيم صفوفهم وعملية إدخالهم كي لا يحصل تدافع.. أما الآن فليس هناك غير أصوات العصافير".
في آخر ممر "السيق"، وهو طريق ضيق تتسلل أشعة الشمس بين حافتيه الشاهقتين وكان يسلكه السياح المتوجهون إلى البتراء سيراً على الأقدام أو على ظهور الدواب أو العربات المجرورة بواسطة الدواب، يسير هلالات الذي اعتمر قبعة كاكية اللون يتوسطها علم الأردن، وحيداً ببطء جيئة وذهاباً أمام "الخزنة".
في أماكن الاستراحة المغلقة والخالية، يعلو الغبار الطاولات الخشبية، فيما تسمع من بعيد أصوات عمال يقومون بتعقيم الموقع.
خارج محال بيع الهدايا التذكارية المغلقة، لا تزال القمصان القطنية التي تحمل صور الموقع معلّقة وقد بهتت ألوانها بسبب أشعة الشمس اللاهبة.
وغادر آخر السياح المملكة في 16 مارس/آذار قبل يوم من إقدام السلطات الأردنية على تعليق الرحلات الدولية وغلق المطارات حتى إشعار آخر.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت البتراء مهجورة، وأصبح نحو 200 دليل سياحي و1500 من أصحاب الرواحل من خيل وحمير وجمال من سكان وادي موسى عاطلين عن العمل.
ويقول الدليل السياحي نعيم النوافلة (55 عاماً)، وهو أب لستة أطفال: "ما حصل بالنسبة لنا ولسكان هذه المنطقة أشبه بالكارثة. في السابق، كانت أعداد السياح ترتفع وتنخفض بحسب ظروف المنطقة. أما الآن، فلا يوجد سياح نهائياً. هذا أمر لم يحصل من قبل".
ويضيف النوافلة الذي يعمل في الموقع منذ نحو 30 عاماً وكان يتقاضى نحو 50 ديناراً يومياً (حوالي 70 دولاراً) لقاء عمله: "سئمنا الجلوس في المنزل، وإذا استمر الوضع هكذا، هي مشكلة كبيرة. نحن الآن نصرف مدخراتنا".
ويخشى أن تتأخر عودة السياح عاماً أو عامين وأن "تكون إجراءات السفر المستقبلية منفرة" للسياح خصوصا "أن أغلبهم من كبار السن والمتقاعدين".
ويقول مفوض سلطة البتراء التنموي والسياحي سليمان الفراجات إن "نحو 80% من سكان إقليم البتراء البالغ عددهم نحو 38 ألفاً يعتمدون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على السياحة كمصدر دخل لهم".
وأحد هؤلاء نائل نواس (41 عاماً)، وهو أب لثمانية أطفال ويملك حماراً كان يستخدمه في نقل السياح وخصوصاً كبار السن ويكسب ما بين 30 إلى 40 ديناراً (40 إلى 55 دولاراً) يومياً، وتوقف عمله منذ منتصف مارس/آذار، وهو يعمل مؤقتاً في بيع الماشية.
وتساهم السياحة بحوالي 12 إلى 14% من الناتج المحلي الأردني، ويقدّر عدد العاملين في القطاع بنحو 100 ألف شخص، في بلد وصل معدل البطالة فيه إلى نحو 19.3% في الربع الأول من العام الحالي.
ويؤكد الفراجات أنه حزين لأن هذا الوباء جاء بعد أن "سجلت البتراء رقماً قياسياً بعدد السياح العام الماضي بلغ حوالي مليون و135 ألف سائح منهم مليون سائح أجنبي".
ويبدو أن فنادق البتراء الـ45 وغرفها الثلاثة آلاف ستواجه أياماً صعبة مع بدء الموسم السياحي.
في بهو فندق "لا ميزون" ذي الثلاثة نجوم والمبني من الحجر الأبيض والمحاط بأشجار صغيرة، جلس عامل الاستقبال وحيداً وقد وضع يداً على خده وعينه على المدخل.
ويقول مالك الفندق طارق الطويسي: "المصيبة أن هذا الوباء جاء مع ذروة موسمنا السياحي الذي يبدأ في فبراير/شباط".
ويضيف: "الحجوزات كانت تفوق 90%، وخلال أقل من اسبوع ألغيت كلها. نسبة إشغال الغرف في فندقي هي صفر الآن".
ويأمل الطويسي الذي يشغل أيضاً منصب رئيس جمعية فنادق البتراء أن "يعود السياح إلى البلدان التي لم تتأثر بالوباء كالأردن".
وبحسب مدير هيئة تنشيط السياحة عبد الرزاق عربيات، "بعد أن بلغ دخل قطاع السياحة في الأردن 5.3 مليار دولار العام الماضي، تراجع إلى حوالي صفر بعد الإغلاقات".
وأوضح عريبات في بيان الشهر الماضي أن لدى الهيئة خططاً لإنقاذ الموسم السياحي منها "تنشيط السياحة الداخلية"، معتبرا أن "النجاح الأردني في احتواء الأزمة يقدم فرصة للترويج للأردن بشكل أفضل في الأشهر المقبلة".