أندرسون و"الفهود السوداء".. حين فك قلم لغز عالم غامض
تتحول الصحافة إلى مهنة محفوفة بالمخاطر على جبهات القتال، لكن شغف السير خلف "النقاط العمياء" يشتعل في نفوس المغامرين ويصنع قصصا خيالية.
الصحفي تريزفات أندرسون كان بطلا لإحدى القصص الخيالية والمغامرات المستحيلة في محاولته سد فراغ المعلومة، ومنح كتيبة عسكرية استثنائية بعض التقدير الذي كانت تستحقه.
وخلال الحرب العالمية الثانية حشد الجيش الأمريكي حملة علاقات عامة ضخمة لتمجيد جنوده وتعزيز الدعم الشعبي للحرب. لكن تلك الجهود تجاهلت إلى حد كبير القوات السوداء في أمريكا، والتي كانت تُعامل معاملة من الدرجة الثانية وغالباً ما يتم إحالة أدوارها إلى أدوار دعم سهلة.
لكن أندرسون ناضل لسد هذه الفجوة، ومنح القوات السوداء الاعتراف الذي تستحقه، جزئيًا من خلال الاندماج مع كتيبة الدبابات 761 وتوثيق دورها في الفوز بالحرب.
والفرقة 761، أول فرقة دبابات سوداء تشارك في القتال، وحصلت فيما بعد على ما يقرب من 400 وسام للبطولة عن دورها في سبعة أشهر فقط من القتال خلال الحرب العالمية الثانية.
دور بارز
وكان أندرسون واحدا من عدد قليل من مراسلي الجيش الأمريكي ذوي الأصول الأفريقية الذين يكتبون من المسرح الأوروبي للحرب، وراسل صحف السود المؤثرة مثل بالتيمور أفرو أمريكان، وشيكاغو ديفندر، وبيتسبرغ كوريير.
كما كان ناشطاً شجاعاً في مجال الحقوق المدنية، استخدم منصاته الصحفية ليس فقط لإبراز دور القوات الأمريكية السوداء، بل للدعوة إلى أدوار قتالية أكثر نشاطاً ودمج القوات المسلحة الأمريكية.
ومن خلال تغطية كتيبة 761، الملقبة بـ"الفهود السود"، كان لديه هدف أوسع: أن يُظهر للأمريكيين أن وطنية الجنود السود وشجاعتهم وتضحياتهم تضمن حقوقهم الكاملة في الوطن.
وفي تقاريره، أبلغ أندرسون القراء عن اللحظات الرئيسية للكتيبة، منذ صدها لهجوم ألماني مضاد في معركة قلبت المد النازي عندما اخترقوا "خط سيغفريد" الأسطوري، أول خط دفاع عن الأراضي الألمانية، مما سمح لقوات الجنرال جورج باتون بغزو ألمانيا.
وعكست كتاباته بوضوح تجربة القتال من بطن مركبة مدرعة، ونشر كتابا في عام 1945، ليشيد على نطاق واسع بإنجازات الجنود السود، ما أبرز دور "الصحافة كأداة للنشاط السياسي".
وساهمت فترة شباب إندرسون قبل الحرب، ونشاطه المدني والسياسي وحتى استغلاله وظيفته كموظف في السكك الحديدية لفضح العنصرية في التعيينات الحكومية، إلى تحوله في الحرب لصحفي بدرجة ناشط.
وفي فترة ما قبل الحرب كان توثيق العنصرية عملاً خطيراً في الجنوب الأمريكي، لذلك كان أندرسون يكتب أحياناً تحت اسم مستعار خوفاً من التعرض للإعدام دون محاكمة.
محنة الجنود
أما عن فترة عمله كمراسل وناقل أخبار كتيبة الفهود، كان أندرسون مصمماً على مواصلة إغراق الصحف السوداء بالقصص التي شعر أن كل أمريكا السوداء في حاجة إلى سماعها وقراءتها.
وكتب مخاطباً القراء في كثير من الأحيان باسم "مراسلك"، وأعطى السود "إحساسًا حقيقيًا بالارتباط بمحنة الجنود الذين يخدمون في أوروبا"، وفق موقع "History".
ليس هذا فحسب، بل إنه حرص على تسمية الجنود وإدراج مسقط رأسهم -خاصة في الجنوب- حتى يتمكن القراء في الولايات المتحدة من الاحتفال بإنجازات أحبائهم ومعرفة أنهم على قيد الحياة.
أندرسون كان مؤيداً لدمج وحدات الجيش وجعله متعدد الأعراق على قدم المساواة، وكتب في عام 1944 "إن الخط الأمامي للنار هو معلم عظيم وبانٍ للعلاقات العرقية الجيدة".
ونشرت الكتيبة 761 في أوروبا في الأشهر السبعة الأخيرة من الحرب بعد عامين من التدريب المكثف، وكانت وظيفتها الأساسية هي تأمين المدن ذات الوجود العسكري الألماني القوي.
الكتيبة التي قاتلت على الجبهات الرئيسية ولعبت دورا كبيرا في اختراق الحدود الألمانية، قاتلت فقط في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 1944 إلى مايو/أيار ١٩٤٥، موعد نهاية الحرب، لكن أفرادها حصلوا على تكريمات استثنائية بسبب دور الكتيبة الكبير.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjkwIA== جزيرة ام اند امز