كازاخستان.. جوهرة تحت جمر الأطماع
نادرا ما تتصدر كازاخستان عناوين الأخبار الدولية، لكن احتجاجات البركان الخامد خطفت الأنظار للكنز الرابض بآسيا الوسطى.
تطورات دراماتيكية مفاجئة تتسارع ككرة ثلج في بلد لطالما تميز باستقراره السياسي منذ نحو 30 عاما، خلافا للجمهوريات السوفيتية السابقة.
قتلى وإصابات وآلاف الموقوفين في أعمال شغب تهز كازاخستان منذ أيام، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في وكالات الأنباء الروسية، ووسائل الإعلام الكازاخية، حيث عمّت المظاهرات أنحاء البلاد التي يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة، هذا الأسبوع.
ويحتج المتظاهرون على ارتفاع أسعار الغاز النفطي المسال الذي يستخدم على نطاق واسع لتزويد السيارات بالوقود، في موجة غضب عارمة تنصب بالأساس على الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف (81 عاما) الذي حكم البلاد من 1989 إلى 2019 وما زال يحتفظ بنفوذ كبير، ويُنظر له على أنه راعي الرئيس الحالي قاسم جومارت توكاييف.
وعلاوة على القتلى والجرحى، أدت الاحتجاجات العنيفة في كازاخستان إلى شلل النقل الجوي، فيما أعلن الرئيس حالة الطوارئ على كامل الأراضي، قبل أن تستعيد البلاد "نظامها الدستوري في معظمه".
تطورات متسارعة لا تسلط الضوء فحسب على القلق الذي تشكله بالنسبة للعالم ولروسيا التي تعيش ذروة توترها مع الغرب على خلفية الأزمة مع أوكرانيا ونوايا حلف شمال الأطلسي (الناتو) التوسع شرقا، بل تدخل البلد إلى دائرة الضوء من خلال أهميته الاستراتيجية.
"النووي السوفيتي"
على مدى نصف قرن، كانت كازاخستان تشكل الأرض التي يجري عليها الاتحاد السوفيتي تجاربه النووية، وأقام لذلك الغرض موقعا في مقاطعة سيميبالاتينسك.
واللافت أن ذلك الموقع كان يعد الثاني في العالم من حيث الحجم. وقد اختير ليكون قريبا من متحف الروائي الروسي العالمي فيودور دوستويفسكي.
وفي ذلك الموقع، أجريت 450 تجربة نووية في إطار ترسانة نووية أقامها الاتحاد السوفيتي، وكانت تضم صناعات اليورانيوم والوقود النووي ومفاعلات نووية صناعية وبحثية، إضافة إلى قاعدة علمية وتقنية ضخمة.
أما مخازن الأسلحة النووية، فكانت تضم 104 صواريخ من طراز "إس.إس-18" ذاتية الإطلاق، تحمل ألفا و216 رأسا نوويا، إلى جانب قاعدة ضخمة لإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
تركة نووية ورثتها كازاخستان عن الاتحاد السوفيتي جعلت منها رابع أضخم ترسانة نووية في العالم، ولذلك كان قرار التخلي عنها من بين الأمور التي تنازع عليها تياران في كازاخستان، الأول برر الاحتفاظ بالسلاح النووي لأنه يضع البلاد في صف الدول العظمى، ويشكل ضمانا للأمن، ورادعا لمطامع الخصوم في ظل الثغرات المسجلة بالأسلحة التقليدية.
أما التيار الثاني فدعا إلى التخلي عن النووي لعدة أسباب، وفق محللين، في مقدمتها النفقات المادية الضخمة التي كانت ستتحملها كازاخستان، إضافة إلى التبعات الجيوسياسية المعقدة في محيط آسيا المركزية ومنظومة الأمن الشامل.
وفي النهاية، حسم نزارباييف الأمر مقررا التخلي عن الترسانة النووية ووقف التجارب، معتبرا أنها ستضر بالدولة المستقلة حديثا أكثر مما ستنفعها.
بنك الوقود النووي
تعتبر كازاخستان أحد أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، ولذلك أبدت استعدادها للمساهمة في تطوير صناعة الطاقة النووية السلمية، باحتضان مقر البنك الدولي للوقود النووي على أراضيها.
بنك يستهدف بشكل رئيسي إتاحة إمكانية الحصول على المواد النووية للبلدان التي ترغب في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية ولكنها تفتقر إلى الموارد المحلية الكافية، ما ينفي أية تهديدات بيئية لأي بلد.
وبحسب خبراء دوليين، تمتلك كازاخستان تكنولوجيا آمنة لاستخراج ومعالجة وتخزين المواد المشعة، وهو ما أكده الرئيس السابق بقوله إن بلاده مستعدة "ليس فقط لاحتضان البنك على أراضيها، وإنما أيضا لضمان التخزين السليم للوقود النووي، ويمكنني أن أؤكد لكم أن كازاخستان لن تتجاوز الخط الفاصل بين البرامج النووية السلمية والحربية".
ممر لطريق الحرير
طريق الحرير هو عبارة عن شبكة من الطرق التي سلكتها القوافل والسفن سابقا على طول جنوب آسيا، ولم يستخدم الطريق للتجارة فقط، بل اعتبر همزة وصل بين الحضارات المختلفة.
كان هذا الطريق يمر بالقسم الجنوبي من كازاخستان، فكانت القوافل الصينية تمر من سايرام وتركستان وطراز، وهو الطريق الذي أدى إلى نشأة وازدهار المدن الكازاخية، حيث كان التجار يرتحلون على طول السهوب ويتوقفون في استراحات تطورت لاحقا لتصبح مدنا كبيرة، ما يمنح كازاخستان أهمية جغرافية.
ورقة روسية
الاضطرابات المستمرة في كازاخستان شهدت تدخلا روسيا سريعا لحماية النظام الحليف، في خطوة يرى فيها خبراء رسالة إلى الغرب مفادها بأن موسكو قادرة على إدارة المعركة على أكثر من جبهة، وأن تركيزها الشديد على أوكرانيا لن يسمح بأيّ مساع لتخريب استقرار الجمهوريات الحليفة الأخرى، والدفاع عمّا تسميه موسكو بـ"العالم الروسي".
والأربعاء، دعت موسكو إلى حل الأزمة من خلال الحوار “وليس من خلال أعمال الشغب في الشوارع وانتهاك القوانين”، في وقت يعتبر فيه مراقبون أن التدخل المباشر يعكس الأهمية التي توليها روسيا لكازاخستان.
أهمية محورية بالنسبة لبلدين يتشاركان حدودا بطول 6 آلاف و846 كيلومترا، وتعتبر ثاني أطول حدود في العالم.
وقبل سنوات، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأهمية الاستراتيجية لكازاخستان بالنسبة لبلاده، وذلك بعد أشهر من ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، في رد عن سؤال صحفي عما إذا كانت كازاخستان تواجه مصيرا مماثلا.
وحينها، قال بوتين إن روسيا جهزت السهول البدوية في آسيا الوسطى، إلى أن جاء نزارباييف و”فعل شيئا فريدا من نوعه، لقد أنشأ دولة على أرض حيث لم تكن هناك دولة على الإطلاق. ولم يكن للكازاخ دولة، وقد أنشأها هو”.
وأضاف بوتين أن عضوية كازاخستان في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي المكون من خمس دول كانت في الاتحاد السوفيتي “تساعدها على البقاء ضمن ما يسمى (العالم الروسي الأكبر)، وهو جزء من الحضارة العالمية”.
خصائص
تبلغ مساحة كازاخستان 2724900 كلم مربع، وهي أكبر من كامل أوروبا الغربية، ورغم أنها لا تملك إطلالة على البحار والمحيطات، لكنها تملك أسطولا بحريا صغيرا.
تحدها 5 دول هي روسيا والصين وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان.
تحد روسيا من الشمال والصين من الشرق، وتقع على رأس احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي والمعادن النفيسة، ما يجعلها ذات أهمية استراتيجية واقتصادية لكليهما، وفقًا لجيمس نيكسي، مدير برنامج روسيا - أوراسيا في Chatham House، وهي مؤسسة فكرية مقرها لندن.
وقال: "نحن ننظر إلى واحدة من أكبر الدول في العالم"، مضيفًا أن لديها "ثروة هيدروكربونية لا تصدق".
مركبات فضائية
لدى كازاخستان أولى منشآت إطلاق المركبات الفضائية، وهي ليست كأي منشأة أخرى في باقي أنحاء العالم، بل هي في الواقع أول وأضخم منشأة في العالم، حتى إن بعض رواد الفضاء الأجانب ينطلقون منها في مركباتهم.
تُعرف هذه المنشأة باسم ميناء بيكاونور الفضائي، وتقع في صحراء كازاخستان، وقد بُني هذا الميناء في خمسينيات القرن الماضي عندما كانت كازاخستان جزءا من الاتحاد السوفيتي، وهو المكان الذي انطلق منه أول قمر صناعي من الأرض إلى الفضاء، وهو قمر (سبوتنيك 1) في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1957، ليشعل شرارة السباق الفضائي بين الاتحاد والولايات المتحدة الأمريكية.
ولا تزال المنشأة اليوم خاضعة للروس بعد استئجارها، كما لا تزال مركزاً لإطلاق برامجهم الفضائية.
aXA6IDMuMTUuMjM5LjE0NSA= جزيرة ام اند امز