المستوى الداخلي: تسلّم "الكاظمي" رئاسة الحكومة العراقية في ظروف صعبة من خلال تفاهم عراقي لرأب الصدع السياسي
ما من حكومة تعتلي سدة الإدارة في الدولة إلا وتنتظرها ملفات معقدة حصيلة الإرث الذي تركه السابق للاحق، ولعل التركة التي أمام حكومة "مصطفى الكاظمي" في واقع كالواقع العراقي يجعل الناظر أو من يقف موقف الحكومة متسمراً أمام كل تلك الملفات، وهي الحقيقة التي يعيها الرجل – الكاظمي – الذي لم يكن غائباً عن الإدارة العراقية بحكم عمله كقيادي بارز في جهاز الاستخبارات العراقي؛ الأمر الذي يعطيه ميزة المتبصر العارف بكل ما يدور في أروقة الإدارات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، لذلك نجد أن الكاظمي قد فصل في المؤتمر الصحفي الذي عقده منذ أيام بما ينتظره وحكومته من صعوبات ومشقات، ومن خلال قراءة هذا المؤتمر وما أدلى به "الكاظمي" من تصريحات وإجابات على تساؤلات الصحفيين، يمكننا قراءة الواقع العراقي وما يطمح إليه الرجل وحكومته على المستويات الآتية:
المستوى الداخلي: تسلّم "الكاظمي" رئاسة الحكومة العراقية في ظروف صعبة من خلال تفاهم عراقي لرأب الصدع السياسي باستقالة حكومة "عبد المهدي" الأمر الذي يجعل هذه الحكومة فاقدة للورقة التشريعية التي يمنحها التكتل البرلماني لحكومة تولد ولادة طبيعية جراء تحقيقها النصاب القانوني المتمثل بكتلتها النيابية، مما يجعل الصعوبات مضاعفة في وجه الحكومة العراقية الجديدة، وقد بدأت منذ اليوم الأول وهذا ما أشار إليه "الكاظمي" والذي أطلق عليه مسمى "المزايدات" فهو يرفع شعار الإصلاح، الشعار الذي يحرج الكثير من السياسيين العراقيين المرتبطين بمصالح وأجندات خارجية عدا عن كون عمر حكومته لن يكون طويلاً بما يكفي لرؤية هذه الطموحات على أرض الواقع.
يعيش العراق واقعاً إقليمياً مضطرباً تبعاً لاضطراب الداخل العراقي، وذلك لعمق الدور الإيراني المتفاقم على الساحة العراقية، وهو الأمر الذي يدركه "الكاظمي" إدراكاً تاماً.
ولكن على الرغم من كل ذلك إلا أن حكومة الكاظمي يمكنها أن تؤسس لبرنامج إصلاحي مستندة إلى الزخم الشعبي الثوري الذي يرابط عليه الشعب العراقي مترقباً، لا سيما وأن الحكومة بدأت بفتح الملفات المزعجة للإدارات السابقة والسياسيين الذين أداروا دفة العراق بإهمال متعمد كما لمح "الكاظمي" وبخاصة في ملف ظهور تنظيم "داعش" وسيطرته على الموصل عام 2016 الذي وصفه بأنه نتيجة إهمال وسوء إدارة لا مؤامرة كونية ولا محض مصادفة، بالإضافة إلى تسلق السياسيين المقاعد البرلمانية بالوعود بالتوظيف والعمل على الإيفاء بها بغية الظفر بالصوت الانتخابي الأمر الذي أدى إلى الترهل الوظيفي حد عجز الدولة عن إدارة الأعداد الكبيرة من الموظفين كما تحولوا إلى عالة على العمل والميزانية علاوة على انتفاء تكافؤ الفرص أو استغلال الكفاءات.
أما على الجانب الاقتصادي فإن المشروع المطروح للحكومة هو إيجاد واستغلال الموارد العراقية بأقصى طاقاتها لنشل الاقتصاد العراقي من خانة الاقتصاد النفطي الذي حول العراق إلى سياسة التمويل فحسب بدون برنامج أو سياسة اقتصادية مستقرة .
المستوى الإقليمي: يعيش العراق واقعاً إقليمياً مضطرباً تبعاً لاضطراب الداخل العراقي، وذلك لعمق الدور الإيراني المتفاقم على الساحة العراقية، وهو الأمر الذي يدركه "الكاظمي" إدراكاً تاماً من خلال إشارته إلى أن "العراق لن يكون ساحة للصراع، وبأن الشعب العراقي سئم الدم والحرب منذ عهد صدام حسين إلى اليوم، فآن له أن يستريح وينعم بالسلام ملتفتاً إلى بناء العراق والعمل على تقدم البلاد"، وهذا لن يتم دون موازنة إقليمية جادة تعيد العراق إلى محيطه العربي ليتكامل إقليمياً حتى تكتمل المنظومة السياسية والاقتصادية التي يطمح لها كل عراقي شريف وليس الكاظمي وحده، كما أنها حقيقة لا بد بأن الرجل يعلمها جيداً كما يعلم ما ينتظره من معركة سياسية وإدارية شرسة حتى يصل أو على الأقل يضع أسس نظريته على طريق التنفيذ، ومن أهم ملامح إدراك "الكاظمي" لهذه المعركة امتعاضه ممن كان يهمس له – على حد وصفه – عندما أراد زيارة الموصل بأن هناك مساع لاغتياله فرفض الانصياع لهذا الهمس.
كما شدد على أنه مستعد للموت في سبيل النهوض بالعراق وبأنه سيكون شهيداً حياً كما أنه يتحلى بالشجاعة الكافية، كل تلك الإشارات والتصريحات والتلميحات يُفهم منها إدراكه لخطورة مسعاه على الفاسدين ومن يربط العراق بالخارج وما يكتنف مشروعه من عثرات ستزرع في وطريقه .
المستوى الدولي: لا يقل المشهد الدولي الذي يعيشه العراق تعقيداً عن المشهدين الداخلي والإقليمي، وبخاصة فيما يتعلق بالجانب الأمريكي وتصويت البرلمان العراقي في وقت سابق على انسحاب القوات الأمريكية من العراق في وقت عصيب وظرف حساس فيما يتعلق بالملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية بل وحتى الميدانية على الساحة العراقية، ولعل الملف الأبرز الذي يواجه حكومة "الكاظمي" هو ملف الحوار والتفاوض "العراقي الأمريكي"، والذي يتطلب حكمة ومرونة وإن توفرت في الرجل ومشروعه السياسي إلا أنها ستواجه تكتلاً سياسياً داخلياً تهيمن عليه الأجندات الخارجية مما يزيد الأمر تعقيداً.
إلا أنه وعلى الرغم من ضبابية المشهد بإمكانه أن يحقق إنجازاً يُحسب له؛ ألا وهو تمسكه بسيادة العراق، الوعد الذي قطعه على نفسه وبأنه مبدأ لا مساومة عليه، وفي حقيقة الأمر وبعيداً عن المصالح السياسية الحزبية أو الفردية للنسيج السياسي الفاعل على المشهد العراقي فإن هذا هو المبدأ الذي يتمسك به الشعب العراقي بكل أطيافه مما يعطي مشروع "الكاظمي" تأييداً شعبياً ذا زخم ثوري، وهذه ورقة رابحة لا بد له من استثمارها وإيلائها أهمية استثنائية لتنفيذ مشروعه الوطني من جهة ولتلبية طموح الشعب العراقي من جهة أخرى .
في ضوء هذه القراءة نجد أن طموحات حكومة "الكاظمي" الوطنية التي تعمل على النهوض بالعراق وإيفاء الشعب العراقي جزءاً مما يستحقه من اعتزاز وانتماء وعيش كريم إنها طموحات سامية في ظل واقع صعب وظرف معقد سياسياً واقتصادياً داخلياً وخارجياً، ولكن هذه المصاعب على شدتها لا تجعل من تلك الطموحات مستحيلة إذا ما اجتهد الرجل موظفاً طاقات حكومته القصوى باستنادها على الورقة الشعبية والزخم الوطني الذي يتميز به الشارع العراقي المستاء من فساد الإدارات السابقة والتيارات السياسية التي زادت بؤسه وشقاءه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة