من العزلة للامتيازات.. كوريا الشمالية تكسب دورا استثنائيا في محور بكين-موسكو

من بين أكثر من عشرين زعيمًا أجنبيًا شاركوا في العرض العسكري الضخم الذي أقامته الصين الأسبوع الماضي، كان كيم جونغ أون الفائز الأكبر.
خطف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الأنظار الأسبوع الماضي خلال ظهوره في العرض العسكري الصيني جنبا إلى جنب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤكدا أنه يحظى بنظام القوتين العظميين وأنه يلعب دورا محوريا في النظام العالمي البديل الذي تسعى بكين وموسكو لتشكيله.
وعلى هامش العرض، أكد كيم على علاقته الوثيقة ببوتين، الذي تعهد في المقابل بألا "ينسى أبدًا" تضحيات القوات الكورية الشمالية التي قاتلت من أجل روسيا ضد أوكرانيا.
كما عقد كيم أول قمة له مع الرئيس الصيني منذ 6 سنوات ليعيد إحياء العلاقات التي توترت بسبب التعاون مع موسكو وفي الوقت نفسه منحه الرئيس الصيني امتيازا لم يحصل عليه إلا بوتين إذ استضافه على مأدبة عشاء في مقر إقامته في تشونغنانهاي.
وبالنسبة لزعيم شاب دائما ما اعتبرته بكين وموسكو كشريك أصغر فإن هذه المعاملة المميزة كانت بمثابة انتصار دبلوماسي مدوٍ وذلك وفقا لما ذكرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية التي اعتبرت أن الانتصار الأهم هو المسكوت عنه في لقاء كيم وشي.
في تغيير واضح عن لغة القمم الخمس التي جمعت الزعيمين عامي 2018 و2019، لم تتضمن البيانات الرسمية لقمة شي وكيم وللمرة الأولى أي إشارة إلى نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية وهو ما اعتبره محللون دليلا على حصول بيونغ يانغ على قبول الصين الضمني لها كقوة نووية وهو الأمر الذي كانت قد سعت إليه طويلا دون جدوى.
وقال تونغ تشاو، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إن حذف هدف نزع السلاح النووي رسميًا من البيان الرسمي لاجتماع شي وكيم، يؤكد التحول الكبير في سياسة الصين".
وبعد الجرأة التي اكتسبها من زيارته لبكين، تابع كيم الإثنين الماضي اختبارًا لمحرك صاروخي جديد عالي الدفع قالت وسائل الإعلام الرسمية إنه سيُستخدم لتشغيل أحدث صاروخ باليستي عابر للقارات "هواسونغ-20."
وقال ليم إيول تشول، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأقصى بجامعة كيونغنام في سول "لقد حصلت كوريا الشمالية على مبرر لمواصلة التمسك بقوتها النووية"، مشيرًا إلى تعهد الزعيمين بتعزيز العلاقات "مهما تغير الوضع الدولي".
واعتبر يانغ مو جين، الأستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سول، أن كيم كان الرابح الأكبر من استعراض يوم النصر في بكين.
وقال "لقد ارتفعت مكانة كيم الدولية بشكل ملحوظ"، مضيفًا أن "استعادة العلاقات مع الصين من خلال التعاون الاقتصادي يمكنه الاستفادة منها في المفاوضات المحتملة مع الولايات المتحدة".
وبصفتها الحليف الرئيسي لكوريا الشمالية وشريان الحياة الاقتصادي لها، لعبت الصين دورًا محوريًا في الجهود العالمية لكبح طموحات بيونغ يانغ النووية وفي جلب كيم إلى طاولة المفاوضات، حتى أنها صوتت أحيانا لصالح فرض عقوبات أممية.
ولكن مع تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وتصاعد التنافس الاستراتيجي بينهما، قلّصت بكين تعاونها في كبح طموحات كوريا الشمالية النووية وهو ما فعلته روسيا أيضا منذ حرب أوكرانيا.
ورغم أنها كانت من أشد المدافعين عن حظر الانتشار النووي، استخدمت روسيا وكذلك الصين حق النقض (الفيتو) ضد فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية.
وكانت آخر مرة أكدت فيها الصين التزامها بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية في قمة ثلاثية مع اليابان وكوريا الجنوبية عام 2024 وهو ما أدانته بيونغ يانغ ووصفته بأنه "استفزاز سياسي خطير".
في الوقت نفسه، أثارت العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية مخاوف من أن بوتين قد يساعد بيونغ يانغ في تعزيز تكنولوجيا الصواريخ وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية.
كما اقترب المسؤولون الروس من تأييد البرنامج النووي لكوريا الشمالية علنًا، ففي سبتمبر/أيلول 2024 أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو تعتبر نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية "قضية منتهية" معربا عن تفهم بلاده لاعتماد بيونغ يانغ على الأسلحة النووية كأساس لدفاعها.
وفي يوليو/تموز الماضي، ذهب لافروف إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن روسيا "تحترم" طموحات كوريا الشمالية النووية.
ربما لم تصل بكين إلى حد موسكو، إلا أن تخليها الهادئ عن هدف نزع السلاح النووي يمثل تحولًا دقيقًا وبالغ الأهمية قد يفتح الباب أمام توثيق العلاقات بين البلدين أو يعزز زخم التعاون الثلاثي مع روسيا وفقا لتشاو.
وأشار تشاو إلى أن موقف الصين ربما تأثر بإشارات من مسؤولين كبار في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعربوا فيها عن تسامحهم مع الانتشار النووي للحلفاء، بالإضافة إلى مخاوف بكين بشأن برنامج "أوكوس" الذي ستدعم من خلاله الولايات المتحدة والمملكة المتحدة جهود أستراليا في بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية.
وقال وو تشيانغ، المحلل المستقل في بكين، إن قبول الوضع النووي لكوريا الشمالية قد يُشكل جزءًا من رؤية شي وبوتين لنظام عالمي لم يعد خاضعًا لهيمنة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، اعتبر بعض الخبراء أن إغفال شي لمسألة نزع السلاح النووي قد لا يُمثّل تحوّلًا في الموقف الرسمي للصين.
ووفق شوشيان لوه، الأستاذة المساعدة للدراسات الآسيوية بجامعة هاواي فإنه من غير المرجح أن تكون بكين قد تخلت موقفها خلال المحادثات مع المسؤولين الكوريين الشماليين، نظرًا لقلقها الدائم من "تأثير الدومينو النووي" في شرق آسيا.