ملك البحرين.. مسيرة حافلة بالإنجازات التنموية والمبادرات التاريخية
البحرين استطاعت أن تؤسس بنية اقتصادية حديثة ومتنوعة عززت مكانتها مركزا تجاريا وماليا وسياحيا رئيسيا في المنطقة
تحتفل البحرين يوم 16 ديسمبر/كانون الأول بيومها الوطني الـ48 والذكرى الـ20، لتسلم عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم، في وقت تشهد فيه البلاد إنجازات تنموية ونجاحات دولية ووطنية حققتها على مدار عقدين.
ومنذ توليه الحكم شهدت البحرين في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة نقلة نوعية ومنعطفا تاريخيا مهما، بإعلانه الإصلاحات الدستورية والميثاق الوطني عام 2001، الذي عادت من خلاله الحياة البرلمانية والديمقراطية إلى المملكة.
كما استطاعت البلاد أن تؤسس بنية اقتصادية حديثة ومتنوعة عززت مكانتها مركزا تجاريا وماليا وسياحيا رئيسيا في المنطقة.
وبعد وضع القواعد الثابتة لبناء دولة قادرة على مواكبة معطيات العصر الحديث بما يفرضه من تحديات وما يوفره من فرص، أطلق الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أكتوبر/تشرين الأول 2008، الرؤية الاقتصادية 2030، لتكون خارطة طريق مستقبلية لتطوير اقتصاد المملكة، مع التركيز على هدف أساسي يتجلى في تحسين المستوى المعيشي لجميع مواطنيها.
وفاء وولاء
وعلى الرغم من أن عاهل البحرين قد تولى مقاليد الحكم يوم السبت 6 مارس/آذار 1999، في نفس يوم وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، فإنه آثر استمرار احتفال البلاد بعيدها الوطني يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الذي يوافق يوم تولي والده مقاليد الحكم عام 1961، ليؤرخ بالتاريخ نفسه لذكرى عيد الجلوس (توليه الحكم).
وكانت البحرين شهدت في عهد حاكمها السابق الاستقلال عن بريطانيا في 14 أغسطس/آب عام 1971، وعقب الاستقلال تم تأخير الاحتفال بالعيد الوطني ودمجه مع ذكرى تولي الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة مقاليد الحكم، وهو ما حافظت عليه البحرين حتى اليوم.
وتعد ذكرى عيد الجلوس والعيد الوطني إلى جانب كونها مناسبة وطنية مهمة فرصة يعبر فيها أهل البحرين عن مشاعر الفخر والامتنان والتقدير لقائد نهضة بلادهم على مدار عقدين.
مولده ونشأته
والملك حمد بن عيسى آل خليفة هو الابن الأكبر للأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.
وُلد في مدينة الرفاع في 28 يناير/كانون الثاني 1950، والتحق بالمدرسة الابتدائية في السادسة من عمره، وحرص أبوه على تعليمه اللغة العربية.
كما اقتنع بأن أفضل طريقة لتقويم لسان الطفل هي تعليمه تلاوة القرآن الكريم ومبادئ الدين، فاستعان في ذلك بكبار المحفظين وشب يعشق الشعر العربي والنبطي، ما كان له عظيم الأثر في تقدم لغته وأسلوبه وشخصيته.
ومنذ صغره، كان الملك حمد حريصاً على حضور مجالس والده ليستمع إلى تاريخ الأمم والوقائع بشكل عمق من خبرته وحنكته السياسية.
واهتم أيضا في فترة صباه بتعلم السباحة والرماية والفروسية على أيدي مدربين ماهرين، ما كان له كبير الأثر في الاهتداء بآراء الرجال الأكفاء، كلٌ حسب اختصاصه، ولذلك فقد كانت هذه البذور الأولى لاهتمامه بالرياضة ورعايته للرياضيين بعد توليه الحكم.
وبعد أن أنهى دراسته المتوسطة سنة 1964 بتفوق، أعلن رسميا توليه ولاية العهد، وذلك في 27 يونيو/حزيران من العام نفسه، وهو في الرابعة عشر من عمره، وذلك بعد 3 سنوات من تولي والده مقاليد الحكم في 16 ديسمبر/كانون الأول عام 1961.
ثم التحق بالدراسة الثانوية في مدرسة ليز بمدينة كمبردج بإنجلترا، وبعد إكماله الدراسة الثانوية التحق في 14 سبتمبر/أيلول 1967 بدورة في كلية مونز الحربية للضباط في مدينة درشوت همبشارير وتخرج فيها يوم 14 فبراير/ شباط 1968.
وبعد عودته إلى البحرين، قام بوضع خطة لإنشاء قوة دفاع البحرين التي تم تعزيزها ببراءة أميرية في مستهل شهر أغسطس/آب سنة 1968، وظل الملك متبوئا منصب القائد العام لقوة دفاع البحرين منذ بداية تأسيسها وحتى تولية مقاليد الحكم عام 1999.
كما تم تعيينه رئيسا لمديرية الدفاع وأصبح عضوا في مجلس الدولة الذي تم تأسيسه في 19 يناير/كانون الثاني 1970، وعقب استقلال البحرين في 14 أغسطس/آب 1971، وتشكيل مجلس الوزراء أصبح وزيراً للدفاع.
في 21 يونيو/حزيران 1972، التحق الملك حمد بمقره العسكري التدريبي بكلية القيادة ورئاسة الأركان في فورت ليفنويرث (كنساس) بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنح وسام الحرية لمدينة كنساس من قبل عمدة وشعب مدينة كنساس، وكان أثناء أوقات فراغه في ليفنويرث يتلقى مقرراً في المراسلات الخارجية للكلية الصناعية للقوات المسلحة في واشنطن، حيث نال شهادة الدبلوم الوطنية في الإدارة العسكرية، وذلك في 31 مايو/أيار 1972.
وفي 26 يونيو/حزيران 1972 حصل على شهادة الشرف العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك تقديراً لما أنجزه في الشؤون العسكرية منذ عام 1968، ونتيجة ذلك تم وضع اسمه من ضمن الأسماء المدرجة في لوحة الشرف للضباط في الجامعة.
في 9 يونيو/حزيران من العام التالي تخرج بدرجة شرف في القيادة ورئاسة الأركان.
بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية انهمك بشكل جاد في العمل على دفع عجلة التطور والتوسع في بلاده بصورة عامة وفي قوة دفاع البحرين بصورة خاصة.
وفي 26 يونيو/حزيران 1974، عين نائبا لرئيس مجلس العائلة آل خليفة بعد مرسوم أميري صدر في هذا السياق.
كما تم تعيينه رئيسا للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في عام 1975.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1977، بدأ تدريبه على طائرات الهليكوبتر، وقد تخرج طيارا يتمتع بكفاءة تامة في قيادة طائرة الهليكوبتر وذلك في 14 يناير/كانون الثاني 1978.
ومنذ ذلك الحين، سار قدماً في إنشاء جناح الدفاع الجوي لقوة دفاع البحرين، وصار مسؤولاً بصورة كبيرة للتعرف بإجراءات السلامة المتقدمة للطيران في مضمار عمليات الدفاع التكتيكية.
تولي مقاليد الحكم
وبعد أن قضى 35 عاما وليا لعهد البلاد تقلد فيها كثيرا من المناصب واكتسب كثيرا من الخبرات، تولى الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة الحكم أميراً للبحرين (حيث كانت البلاد ما زالت إمارة) يوم السبت 6 مارس/آذار 1999م، في نفس يوم وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.
وفي يوم الثلاثاء الموافق 9 مارس/آذار 1999م، أصدر مرسوماً أميرياً يقضي بتعيين ابنه الأكبر الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ولياً للعهد.
وبعد نحو عام من توليه الحكم، أصدر الملك حمد قرارا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2000 بتشكيل لجنة وطنية لإعداد ميثاق العمل الوطني، وقد تسلم مشروع الميثاق في ديسمبر/كانون الأول 2000، وتم طرحه على الاستفتاء في 14 و15 فبراير/شباط 2001، وقد وافق عليه 98.4% من المواطنين.
ومشروع ميثاق العمل الوطني في البحرين يعد وثيقة تاريخية، احتوت على مبادئ عامة وأفكار رئيسية، الهدف منها إحداث تغييرات جذرية في منهج العمل والأداء.
المشروع الإصلاحي
ومثل هذا الميثاق قاعدة انطلق منها المشروع الإصلاحي الذي أطلقه ملك البحرين، وشمل إحداث تغييرات جذرية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تم بموجبه إعادة إحياء الحياة السياسية والديمقراطية في البحرين بعد أن توقفت عام 1975.
وقد غدا الميثاق الوطني القاعدة الأساسية لجميع التغييرات السياسية التي شهدتها المملكة في عصرها الإصلاحي الشامل.
ففي الذكرى الأولى لتدشين ميثاق العمل الوطني، عُدل دستور البلاد في 14 فبراير/شباط 2002م، وأعلن ملك البحرين في خطاب له تحول البحرين من إمارة إلى مملكة دستورية.
وبهذا الإعلان، تصبح البحرين المملكة العربية الرابعة بعد السعودية والأردن والمغرب، وأصبح الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة ملكاً عليها، ليصبح آخر أمراء البلاد وأول ملوكها.
كما مهد الميثاق إلى إجراء انتخابات المجالس البلدية في أبريل/نيسان من العام نفسه، ثم انتخاب أعضاء مجلس النواب في شهر أكتوبر/تشرين الأول وانعقاد أولى جلساته خلال 14 ديسمبر/كانون الأول 2002 لتبدأ المسيرة الديمقراطية في مملكة البحرين عهدا جديدا.
ولقد كرس الدستور المعدل لعام 2002 الذي صدر في العام التالي لإصدار الميثاق الوطني 2001، كل هذه المكتسبات الوطنية التي جاءت بالميثاق الوطني ليدشن عصر التحول الديمقراطي والتحديث الشامل في البحرين استنادا إلى دستورٍ عصري شامل يكرس الحقوق والمكتسبات ويواكب تطورات الحضارة العالمية المعاصرة.
كما دخلت مملكة البحرين في دائرة القضاء الدستوري أول مرة بإنشاء المحكمة الدستورية عام 2002، كأول جهة قضاء دستوري متخصص عرفته البلاد تختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح.
ولم تقتصر التغيرات الإيجابية التي شهدتها البحرين على تلك النواحي، بل إنها اشتملت على تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية، فتمكنت المرأة البحرينية انطلاقا من الميثاق الوطني واستنادا إلى دستور عام 2002 المعدل من المشاركة الكاملة في الحياة السياسية والديمقراطية تصويتا وترشيحا، الأمر الذي أهَّلها إلى دخول البرلمان لتصبح نائبة عن الشعب وتعبر عن قضايا المرأة البحرينية، بالإضافة إلى قضايا الشعب عموما.
وتتويجا لتلك المسيرة الديمقراطية، شهدت البحرين خلال الفترة من 24 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 1 ديسمبر/كانون الأول 2018 انتخابات برلمانية وبلدية شهدت أعلى نسبة مشاركة في تاريخ المملكة، حيث بلغت ما يقارب 67% بالنسبة للانتخابات النيابية وما يقارب 70% للانتخابات البلدية، وتوجت بانتخاب برلمان ومجلس بلدي جديدين.
وقد توجت المرأة البحرينية نضالها الوطني في الممارسة الديمقراطية والسياسية بانتخابات 2018، إذ حصدت فيها المرأة 10 مقاعد "6 بالمجلس النيابي و4 بالمجلس البلدي"، ونالت المرأة البحرينية شرف ترؤس المجلس النيابي المنتخب «مجلس النواب» ممثلة في فوزية زينل، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
رؤية 2030
على الصعيد الاقتصادي، تمتاز البحرين ببيئة اتصالات حديثة وبنية تحتية للنقل والمواصلات، كما أن البحرين لديها تشريعات عديدة محفزة للاستثمار، منها قوانين الشفافية ومكافحة الفساد وتسهيل منح التراخيص وغيرها.
كما قامت المملكة بتعزيز البنية التحتية؛ لكي يتاح للمستثمر من داخل وخارج البحرين البيئة اللازمة للاستثمار، وتوفير عمالة ماهرة ومدربة، وعقد اتفاقيات جديدة مع كثير من دول العالم تتيح فرصا استثمارية أكبر.
كما أضحت مركزا تجاريا وماليا متخصصا للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لتنجح إلى حد كبير في جذب مئات من البنوك والشركات الاستثمارية في مختلف القطاعات.
وتركز الرؤية الاقتصادية 2030، التي أطلقها الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أكتوبر/تشرين الأول 2008، على بلورة رؤية حكومية متكاملة للمجتمع والاقتصاد، والتي تتمحور حول 3 مبادئ أساسية؛ هي التنافسية، والعدالة، والاستدامة.
ومنذ إطلاق الرؤية الاقتصادية 2030 والاستراتيجية الاقتصادية الوطنية، تمكنت المملكة من إحراز تقدم ملحوظ في عملية الإصلاح الاقتصادي وزيادة كفاءة أداء الجهات الحكومية.
نقلة نوعية
وعلى صعيد السياسة الخارجية، واصلت مملكة البحرين في عهد الملك حمد جهودها ومساعيها من أجل تعزيز علاقاتها بدول العالم كافة والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في كل المحافل والمنابر الدولية.
كما التزمت المملكة بسياسة واضحة المبادئ والثوابت في علاقتها مع دول الجوار الخليجي ودول مجلس التعاون الشقيقة، وهي سياسة حفظت للمملكة دورها في احتضان وتأييد كل تطلع خليجي يهدف الى التكامل والتنسيق وتطوير القدرات الإيجابية.
كما شارك الملك حمد بصورة شخصية ناشطة في معظم المؤتمرات والمحافل الدولية المعنية بإنشاء السلام العالمي والتخفيف من معاناة الشعوب، وكان دائما على الخط الخليجي مبادرا لتعزيز الصف الخليجي وتوكيد أواصر علاقات التعاون والتنسيق بين الأشقاء الخليجيين.
وحضر ملك مملكة البحرين معظم القمم الخليجية شخصيا، وكان آخرها القمة الخليجية الـ40 في الرياض التي عقدت في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
إحباط مؤامرات إيران
ورغم التحديات العديدة التي تشهدها البحرين، ومحاولة عرقلة مسيرتها وافتعال الأزمات، التي يقوم بها النظام الإيراني، نجحت البحرين في إحباط جميع تلك المؤامرات، لا سيما الأحداث التي شهدتها البلاد في 2011.
وأجهضت البحرين أكثر من مرة مؤامرات طهران لإفشال تجربتها الديمقراطية، كان آخرها محاولاتها للتأثير في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد عام 2018.
كما أحبطت كثيرا من العمليات الإرهابية، وأعلنت اعتقال ومحاكمة العشرات من عملاء إيران.
إنجازات مستمرة
وتحتفل مملكة البحرين بأعيادها الوطنية وهي تتطلع للغد بمزيد من التفاؤل والأمل، في ظل ما تشهده البلاد من إنجازات كبيرة في مختلف المجالات، كان أحدثها تتويج منتخب البحرين قبل أيام بكأس الخليج للمرة الأولى في تاريخه.
كما واصلت مملكة البحرين الحفاظ على مكانتها المتقدمة بين دول النخبة في تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2019.
واحتلت المركز الأول عربيا والثالث على مستوى دول الشرق الأوسط فيما يخص المؤشرات المتعلقة بالتعليم، وفقا للتقرير السنوي لمجموعة بوسطن الاستشارية بشأن تقويم التنمية الاقتصادية المستدامة.
وفي المجال الاقتصادي، توقع البنك الدولي نمو اقتصاد البحرين بمعدل 2% في عام 2019، في حين رفعت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "ستاندرد آند بورز" نظرتها للاقتصاد البحريني إلى "إيجابي" في خطوة مهمة تمهّد لرفع التصنيف الائتماني للمملكة.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMTIg جزيرة ام اند امز