عيد العرش بالمغرب.. 9 عقود من الاحتفالات وتجديد البيعة
كثيرة هي المحطات التي تؤكد للعالم الارتباط الوثيق بين الشعب المغربي والعرش الملكي، فيما يعد عيد الجلوس، واحدا من أبهى هذه التجليات.
في الثلاثين من يوليو/تموز من كُل عام، يُحيي المغاربة باحتفالات شتى ذكرى جلوس العاهل المغربي الملك محمد السادس على عرش أسلافه، كما أنه هو عطلة رسمية، وموعد احتفال وتجديد للبيعة.
هذا العام تحل الذكرى الثالثة والعشرون لاعتلاء العاهل المغربي، عرش البلاد. فرضت كورونا للعالم الثالث على التوالي، تخليدها بدون احتفالات أو مراسيم كبيرة، لكن روح الذكرى حاضرة بقوة، وروابط الشعب بالقيادة، في توطد وتجدد مستمرين.
تسعة عقود
لم يكن الاحتفال بعيد العرش وليد اليوم أو الأمس، بل هو تقليد وطقوس شعبية تلقائية عمرها يناهز التسعين عاماً، منذ أن كان المغرب تحت الاستعمار الفرنسي.
كانت البداية عام 1933، حين نشرت مجلة المغرب، مقالاً موقعاً باسم مستعار، اختار صاحبه أن يكون "المغربي". وطالب فيه علانية سلطات الاستعمار السماح للمغاربة بالاحتفال بذكرى جلوس السلطان محمد الخامس آنذاك على العرش.
في كتابه "حياة وجهاد"، تحدث السياسي والصحفي المغربي الراحل، محمد حسن الوزاني، باستفاضة عن هذه المرحلة التاريخية، مؤكداً أن "فكرة الاحتفال بذكرى تولية السلطان محمد بن يوسف خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة”.
وكان لأول احتفال بعيد العرش 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1933 طعم خاص لدى المغاربة، اختلطت فيه مرارة الخوف من بطش الاستعمار بطعم الانتصار عليه بإقامة عيد وطني بعدة مدن، أغلقت فيه المدارس والكتاتيب وأغلق العديد من التجار محلاتهم واجتمع الناس في الساحات، فيما تلقى الملك الراحل محمد الخامس برقيات التهاني.
ووصف المستشار الملكي الراحل، عبدالهادي بوطالب، هذا اليوم في مذكراته قائلا: “كان اليوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1933، وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيل، على مقربة من باب أبي الجنود بفاس، لم يقِنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال برشاش المطر المتهاطل”.
وأضاف: “لم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع أنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة، للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش”.
وفي العام التالي 1934، أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية، إذ اعترفت به سلطات الاستعمار على مضض، وذلك عبر قرار وزاري أصدره الصدر الأعظم (أعلى منصب تحت السلطان) محمد المقري في أكتوبر من السنة ذاتها، بعد أن أشر عليه المقيم العام الفرنسي هنري بونسوت.
القرار الذي صدر بالجريدة الرسمية، ضم عدة بنود أبرزها أن يقوم باشا كل مدينة بتنظيم الأفراح والحفلات وتزيين المدن، وأن يوزع اللباس والطعام على نزلاء الجمعيات الخيرية، وجاء في القرار أيضا أن يكون عيد العرش يوم عطلة.
بيعة وتجديد الولاء
هو أكبر عيد وطني في البلاد، يتخلل مجموعة احتفالات وطقوس تختلف من مدينة لأخرى، لكن الثابت فيها منذ أول احتفال قبل 89 عاما، هو حفل البيعة، أو ما يسمى في المغرب بحفل الولاء.
عُقد هذا الحفل التقليدي في 3 مارس / آذار في عهد الحسن الثاني، وافتتح أول مرة في عام 1934 من قبل القوميين المغاربة الذين كانوا راغبين في تحدي السلطات الفرنسية التي كانت تستعمر المغرب آنذاك، وكان بمثابة إعلان من الشعب المغربي، برفضهم الوصاية الفرنسية على البلاد.
عادة ما يُقام الحفل بالرباط، إلا أن سنوات عديدة أقيم بمدن أخرى، كمراكش، فاس، طنجة، تطوان، الدار البيضاء، وغيرها من المدن المغربية الكبرى، إذ يحضر ممثلون عن جميع المدن المغربية، يُمثلون المغاربة بشتى درجاتهم ومشاربهم الاجتماعية والسياسية.
يقف الجميع في باحة القصر الملكي، من أجل تقديم فروض الطاعة والولاء وتجديد العهد للعرش المغربي، والتأكيد على التمسك بـ "أهداب العرش العلوي".
وتعتبر البيعة وطقوسها "تجديد من لدى المغاربة للبيعة التي في عنقهم إزاء الملك باعتبارها عقدا سياسيا ودينيا شاملا" و"عقد سياسي واجتماعي وروحي وديني ورباني وسماوي متكامل".
عفو وخطاب
وتسبق احتفالات المغاربة بذكرى عيد العرش المجيد، مبادرة ملكية تتمثل في العفو عن عدد من المعتقلين والمحكومين، ممن ظهر في سلوكم تحسن وتوبة، أو أولئك الذين يعيشون ظروفاً إنسانية معينة.
هذا العام، أصدر العاهل المغربي، الملك محمد السادس عفوه السامي على مجموعة من الأشخاص، منهم المعتقلين ومنهم الموجودين في حالة سراح، المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة.
بلغ مجموعهم 1796 شخصا من بينهم عدد من الحالات الإنسانية والمتمثلة في المصابين بأمراض مستعصية والمسنين والحوامل والمرفقات وكذا الأحداث.
وعشية كُل عيد عرش، يتوجه العاهل المغربي بخطاب إلى الشعب المغربي، يُقدم فيه حصيلة الإنجازات خلال الفترة الماضية، ويستشرف فيه آفاق المرحلة المقبلة.
خطاب له من الأهمية التاريخية والبروتوكولية وحتى السياسية، إذ ينهل أهميته من عظمة الذكرى والاحتفال.
وفي العام الماضي، وجه العاهل المغربي دعوة تاريخية إلى الجارة الشرقية الجزائر، للعمل سويا، دون شروط ، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
وقال الملك في خطابه:"الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، و غير مقبول من طرف العديد من الدول"، مضيفاً :"فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين".
aXA6IDE4LjE4OS4xNzAuMjI3IA==
جزيرة ام اند امز