حياة أصحاب الرسوم المسيئة.. اختباء لم يمنع النهاية المأساوية
لارس فيلكس وكورت فيسترجارد، رسامان أشعلا نيران الغضب طوال مشوارهما الفني المسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، حتى التهمتهما النيران في نهاية مأساوية.
عرف عن الرسامين السويدي والدنماركي، بالترتيب، عدم احترامهما لمشاعر ملايين المسلمين وإهانة رمزهم الديني، النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومثلما اجتمعا على هدف كانتا نهاية الصديقين في العام نفسه.
ووفقا للمواقع الشهيرة، بينها صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن لارس فيلكس وكورت فيسترجارد جمعتهما صداقة "طويلة الأمد" بعدما عملا في المهنة نفسها وسار في الدرب ذاته.
لكن يبدو أن ما جمعهما أبعد من ذلك، فنهاية الرسامين جاءت في عام واحد بفرق أشهر قليلة وبطريقة شبيهة ومأساوية، ليخطفهما الموت بمرض شديد ونيران حارقة.
الطريف في الأمر أن فيلكس عاش أكثر من 10 سنوات في حماية الشرطة، التي رافقته في كل طريق خطى فيه خوفا من انتقام المسلمين، ومع ذلك جاءت نهايته مأساوية وتحت حماية الشرطة أيضا.
"العين الإخبارية" تلقي الضوء على قصة حياة الرسامين الشهيرين وكيف كتب القدر نهايتهما بطريقة مأساوية بعيدة عن انتقام البشر.
قصة حياة الرسام السويدي لارس فيلكس
لارس إندل روجر فيلكس، فنان ورسام تشكيلي سويدي ولد في 20 يونيو/حزيران 1946 بمدينة هلسنجبورج.
في عام 1987 حصل فيلكس على درجة الدكتوراه في العلوم الفنية من جامعة لوند، ومن 1988 حتى 1997 عمل في الأكاديميه القومية للفن في أوسلو، وانتقل بعدها للعمل استاذًا لنظريه الفن حتى عام 2003.
فيلكس من الفنانين المثيرين للمشاكل منذ بداية مشوارهم المهني، إذ خاض معركة قانونية طويلة بسبب تمثال خشبي صنعه ووضعه في محمية طبيعية، وما أن انتهت الأزمة حتى أثار غيرها، لكن هذه المرة خارج حدود السويد، وطالت ملايين من أتباع الدين الإسلامي.
بدأ الفنان التشكيلي الرسم في السبعينيات وانتقل إلى النحت عام 1984، وحول نفسه وسيارته إلى قطع فنية.
ثم تسببت المنحوتات الأخرى التي صنعها في جدل، إذ اشتهر ببناء تمثال من الخشب الطافي يدعى Nimis، وهو عبارة عن هيكل وزنه 75 طنا من الأخشاب، وآخر يدعى Arx من الحجر، ووضعهما في محمية طبيعية في جنوبي السويد دون إذن، ما أثار معركة قانونية طويلة.
بعد ذلك أثار أزمة بنشره رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد، بالتحديد عام 2007 عندما نشرت الصحيفة السويدية "نيريكس اليهاندا" رسما مسيئا للرسول من توقيعه، ما أثار غضبا عربيا ودوليا واسعا.
وبرر السويدي موقفه بأن أعماله "لم تكن تهدف إلى استفزاز المسلمين، بل لتحدي الصواب السياسي في عالم الفن"، وفقا لتصريحاته الإعلامية.
وأصر فيلكس أنه لم يكن عنصريًا، ولم يكن لديه موقف سياسي، وقال: "أعتقد أنه من المهم إذا كنت تريد التحدث عن حرية التعبير والإسلام والمسلمين أن يكون لديك موقف حقيقي، وأن يكون لديك شيء استفزازي ومتجاوزا بما يكفي لبدء النقاش".
نجح الرسام السويدي في تفجير أزمة ظلت سنوات مشتعلة بفضل رسوماته المسيئة التي أعادت صحف مختلفة نشرها مع رسومات آخرين صبت في الاتجاه ذاته، ليعقب هذه الاستفزازت احتجاجات واسعة واقتحام مقار سفارات أجنبية في دول عربية ومقاطعات ضخمة.
أيضا الرسوم المسيئة خلفت محاولات عديدة للهجوم على أصحاب هذه الأعمال والصحف التي نشرتها، وأشهر الوقائع كانت الهجوم على مجلة "شارلي إبدو" الفرنسية.
وعلق لارس فيلكس على الواقعة في حديث لصحيفة Helsingborgs Dagblad الإقليمية، معربا عن حزنه للواقعة.
وقال: "لا يمكننا التخلي عن حرية التعبير. الهجوم في باريس للأسف مهم في الأوقات التي نعيش فيها".
نجا فيلكس من العديد من محاولات الاغتيال والقتل، آخرها في 14 فبراير/شباط 2015 على يد شاب دنماركي من أصل فلسطيني في العاصمة كوبنهاجن خلال حضوره نقاشًا حول حرية التعبير.
قبلها عرض تنظيم القاعدة الإرهابي في عام 2007 مكافأة قدرها 100 ألف دولار لمن يتمكن من قتله، ومنذ ذلك الحين يرافق الرسام حراسة ويعيش في حماية الشرطة.
قصة حياة الرسام الدنماركي كورت فيسترجارد
الرسام الدنماركي كورت وستيرجارد ولد في 13 يوليو/تموز 1935 في منطقة جوتلاند، ونشأ في بيئة مسيحية محافظة حيث ذهب إلى مدرسة الأحد.
التحق كورت بجامعة كوبنهاجن لدراسة علم النفس، ثم عمل بعد ذلك مدرسا للأطفال المعاقين ثم مدير مدرسة في منطقة دجورسلاند للمعاقين.
منذ أوائل الثمانينيات، أصبح رساما للكاريكاتير في صحيفة "جيلاندس بوستن" Jyllands-Posten ، أكبر صحيفة يومية في الدنمارك.
وفي عام 2005، رسم صورة لسيدنا محمد يرتدي قنبلة في عمامة كجزء من الرسوم الكاريكاتورية للنبي؛ لتبدأ حرب الرسوم المسيئة والصراعات الدبلوماسية وأعمال الشغب، وأيضا محاولات اغتياله.
في 2008، ألقى جهاز الأمن والمخابرات الدنماركي القبض على 3 مسلمين متهمين بالتخطيط لقتل ويسترجارد.
وبعد إحباط المؤامرة، أصبحت المخابرات الدنماركية مسؤولة عن حماية الرسام، وتم وضعه تحت مراقبة الشرطة وتجهيز منزله بأبواب حديدية وغرفة للذعر وزجاج مقوى في النوافذ وكاميرات مراقبة.
رغم كل هذه التجهيزات، نجح شاب صومالي في التسلل إلى منزل ويسترجارد حاملا فأسا وسكين عام 2010، لكنه لم يصب بأذى بسبب الاحتياطات الأمنية في منزله، إذ هرب إلى غرفة الذعر عندما رأى الدخيل يقف في الردهة ويمسك بفأس، وانتهى أمر الأخير في قيضة الشرطة.
في عام 2010 أيضا، وضع تنظيم "القاعدة" كورت ويستيرجارد ضمن قائمة اغتيالات أعلن عنها في مجلته الإلكترونية "إنسباير".
خلال السنوات الأخيرة من حياته، كان على Westergaard مثل عدد من الأشخاص الآخرين المرتبطين بالرسوم المتحركة، أن يعيش تحت حماية الشرطة في عنوان سري، وفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
ويسترجارد برر نشره الرسوم المسيئة للرسول بأن "الرسوم الكاريكاتورية أثارت نقاشا مهما حول مكانة الإسلام في الدول الغربية ذات القيم العلمانية".
وقال في تصريحات صحفية: "سأفعل ذلك بالطريقة نفسها مرة أخرى لأنني أعتقد أن أزمة الرسوم الكاريكاتورية هذه بطريقة ما هي حافز يكثف التكيف مع الإسلام. نحن نناقش الثقافتين والديانتين بشكل لم يسبق له مثيل وهذا أمر مهم".
نهاية فيلكس وفيسترجارد
توفي رسام الكاريكاتير السويدي لارس فيلكس، الأحد، إثر حادث سير مأساوي انتهي بتفحم جثته، وفق وسائل إعلام محلية.
وقال موقع "Aftenposten" إن فيلكس وشرطيين اثنين كانا يحرسانه لقوا مصرعهم حين اصطدمت سيارتهم بشاحنة على طريق E4 بمدينة ماركارد السويدية.
وذكرت الشرطة السويدية، في بيان الإثنين، أن النيران اشتعلت في السيارتين عند الاصطدام، كما أصيب سائق الشاحنة بجروح خطيرة ونقل إلى المستشفى.
وقالت: "هذا حادث مأساوي للغاية ونبذل قصارى جهدنا للتحقيق فيما حدث وما سبب الاصطدام، لكن في البداية لا يوجد شيء يشير إلى تورط أي شخص".
أما رسام الكاريكاتير الدنماركي كورت فيسترجارد فسبقه بـ3 أشهر، عندما توفي في يوليو بعد صراع طويل مع المرض.
ونقلت صحيفة "بيرلينجسكي" Berlingske الدنماركية عن أسرته: "رحل فيسترجارد عن 86 عاما، وتوفي أثناء نومه بعد فترة طويلة من اعتلال صحته".
كورت فيسترجارد توفي 14 يوليو بعد يوم من الاحتفال بعيد ميلاده، تاركا خلفه إرثا فنيا مسيئا ومجددا لنار الخلاف بين المدافعين عن حرية الرأي والتعبير وملايين المسلمين المعترضين على إهانة رمزهم الديني.