بين الظلام «والضباب».. أوكرانيا بمفترق طرق
ليس الظلام وحده ما يقلق الأوكرانيين، بل تنضم خطة لإنهاء الحرب إلى لائحة طويلة من عوامل باتت تقلق بلدا يشهد أسوأ نزاع شرقي أوروبا.
فمع طرح خطة أمريكية لوقف الحرب مع روسيا، تتزايد الشكوك حيال بنود يعتقد مراقبون أنها تمضي لصالح موسكو، لتراكم «الضباب» في مدينة يغرق أهلها في الظلام.
ظلام و«ضباب»
مع حلول الليل، تغرق شوارع كييف في ظلام شبه تام، فلا ينيرها سوى أطواق مضيئة مربوطة بأعناق كلاب يخرج بها السكان في المدينة التي يقطنها ثلاثة ملايين نسمة يتهيأون لشتاء يُخشى أن يكون الأقسى منذ بداية الحرب.
ومنذ بدء الحرب في فبراير/ شباط 2022، تستهدف موسكو منظومة الطاقة الأوكرانية بشكل ممنهج.
لكن وتيرة الهجمات هذا العام ارتفعت بشكل ملحوظ، وامتدّت لتشمل منشآت الغاز أيضا، في وقت يتردد في كييف مصطلح "الاستسلام" عقب طرح خطة سلام أمريكية يُنظر إليها على أنها تصب في مصلحة الكرملين.
وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تعرض قطاع الطاقة لأكبر هجوم منذ بدء الحرب، وتخشى السلطات أن يكون الشتاء الحالي الأسوأ، في ظل اعتماد غالبية المباني على شبكة تدفئة مركزية تعمل بالغاز.
ورغم ذلك، تمكّن دميترو كوستوف من إبقاء استوديو الرقص الذي يديره دافئا ومنيرا بفضل بطارية كبيرة اشتراها بعد أشهر من الانقطاعات المتكررة.
ويقول الشاب البالغ 29 عاما "لم أعد أتحمّل، فقمت بتركيب البطارية. أحتاج للضوء كي يأتي الناس إلى الدروس، وكي يتمكّنوا، مع كل هذا الإرهاق النفسي، من التنفيس عما يحتبس في دواخلهم".
وبحسب وسائل إعلام أوكرانية، فقدت البلاد نحو 60% من قدرة إنتاج الغاز بسبب الضربات الروسية، وتؤكّد كييف امتلاكها مخزونات كافية للشتاء، لكن البعض يخشى أن تؤدي ضربات جديدة إلى توقف التدفئة بالكامل وسط درجات حرارة تحت الصفر.
ويرى كوستوف أن الوضع "مرهق قليلا"، لكنه يضيف أن "الانقطاعات باتت جزءا من حياتنا اليومية منذ بدء الحرب"، ولم يجد بعد حلا في حال توقفت التدفئة، مكتفياً بالقول "سنتحمّل"، قبل أن يهمس "أريد الذهاب إلى بالي" في أندونيسيا.
البحث عن حلول
يتلقى الأوكرانيون يوميا الرسالة ذاتها على منصة تليغرام من شركة الطاقة "أوكرينيرغو" والتي تقول إنه "بسبب الهجمات الروسية، سيتم تقنين الكهرباء في مناطق عدة"، وتنشر الشركة جدولا يوميا يراجعه السكان لتنظيم يومهم.
وأصبح فولوديمير (66 عاما) وتاتيانا (64 عاما) اللذان يعيشان في منزل صغير غرب كييف، يستيقظان ليلا للاستحمام، أو تشغيل الغسالة، أو شحن البطاريات الاحتياطية حين تعود الكهرباء.
وعند الساعة الثامنة مساء يوميا، يغرق حيّهما في الظلام، مع هدير المولدات ورائحة عوادمها.
ويؤكد فولوديمير بثقة، وربما بفخر، أنه مستعد للشتاء، قائلا إن لديه بطاريات ومولّدا حراريا، وقوارير غاز للطبخ، ومصابيح قابلة للشحن.
وإذا لم يكفِ ذلك، سيعتمد فولوديمير على مصابيح الكاز القديمة المعلّقة على الجدار وموقد الغاز المغطى بالغبار الموضوع على الشرفة.
ويضيف متحديا "إذا لم يعد هناك غاز، لديّ الحطب. علينا إيجاد حلول، لا انتظار من يفعل ذلك عنا".
لكن تاتيانا تعترف أنها قلقة، خصوصا على الأشخاص المسنين مثل عمتها البالغة من العمر 85 عاما وتقطن في شقة قد تُقطع عنها التدفئة.
الرقص طلبا للدفء
كان شتاء 2022 صعبا جدا على الأوكرانيين الذين لم يكونوا مستعدين للهجمات الروسية على شبكة الطاقة.
وتقول تاتيانا "اعتقد الناس لوقت طويل أن الأمر سيمرّ... كما كنا نعتقد أن الحرب لن تبدأ".
ومع تجدد الانقطاعات الواسعة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ارتفعت مبيعات المولدات ثلاث مرات، وارتفعت مبيعات البطاريات وموقد التخييم ثماني مرات، وفق ما نقلت وسائل إعلام عن سلسلة متاجر "إبيسنتر".
وأنفق كوستوف نحو ألف يورو على تجهيزاته، وهو مبلغ كبير في بلد يبلغ فيه متوسط الدخل حوالي 480 يورو شهريا.
وفي الاستوديو، يخرج الراقصون للاستراحة، وتدور الأحاديث حول انقطاع المياه، وصعود 20 طابقا بلا مصعد، والشعور المقلق بأن الوضع يشبه عام 2022.
لكن ما يخيف سكان كييف أكثر من الشتاء هو الضربات الروسية القاتلة "التي تتفاقم"، أما البرد، فيقول كوستوف "أظن أننا سنرتدي المزيد من الملابس... أو نرقص".
معايير المستقبل
والسبت، أعلن رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني رستم عمروف أن كييف ستجري قريبا محادثات في سويسرا مع الولايات المتحدة لبحث خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب مع روسيا.
وقال عمروف في منشور على فيسبوك "في الأيام المقبلة، سنُطلق في سويسرا مشاورات بين كبار المسؤولين الأوكرانيين والأمريكيين حيال المعايير المحتملة لاتفاق سلام مستقبلي".
وبالتوازي، وقّع الرئيس فولوديمير زيلينسكي السبت مرسوما يُشكّل الوفد الأوكراني المكلّف بالمحادثات مع واشنطن وموسكو.