الرضيعة ليلى الغندور.. الاحتلال يسكت صرخات الحياة في غزة
لم تصور الكاميرات الشهيدة الرضيعة قبل أيام وهي تضحك بين يدي والديها ولكنها اليوم أشبعت صوراً وهي جثة خفيفة مرفوعة لعين الشمس.
على كف واحدة وبكفن أصغر من قميص دمية، شٌيعت الشهيدة الرضيعة ليلى الغندور، أصغر شهداء مسيرة العودة، التي سارت بها الجماهير الغاضبة في شوارع المخيم المكتظ على حدود غزة مع الأراضي المحتلة، والشاهد على أن الاحتلال أكبر لعنة تحل على شعب يبحث في أكوام الكون الهشة عن إبرة خلاصه وحريته.
الوداع الصعب
تحتضنها والدتها بحسرة، تتمسك بجسدها الغض, لا تود أن تتركها ، ولسان حالها يقول: "أريد أن أخبئك في أحشائي، أعيدك إلى بطني لأحميك من غدر المحتل، لا أتخيل أيامي دونك، فأنت أجمل ما فيها، فستانك الذي اشتريته لتلبسيه في العيد، ألن يكون لك فيه نصيب".
تناديها بصوت يخنقه البكاء: "اصحي يما، اصحي بدنا نروح عالدار، ما شبعت منك يما، ولا حسيت فيكي، لساتني بتعرف ع تفاصيلك، ليش أخدوكي مني وحرموني منك".
والأب أنور الغندور الذي تاهت كلماته من صدمة الحدث، وانطفأت في قلبه مدن الفرح، لتنبت الخرائب، فيمشي حاملاً ليلى دون وعد أن تكون يوماً عروساً بفستان فرح.
ما خفي أشد وجعاً
لم تصور الكاميرات، الشهيدة الرضيعة قبل أيام وهي تضحك بين يدي والديها، ولكنها اليوم أشبعت صوراً وهي جثة خفيفة مرفوعة لعين الشمس، تضحك ببراءة، ووداعة منقطعة النظير، إلا أن المصور الصحفي مجدي فتحي يقول لـ"العين الإخبارية": "نسيت مهنتي كمصور، وانغلقت عيناي من الدمع على الطفلة المحمولة، ولأول مرة أشعر بعجز كبير يجتاحني، وأنا أحاول التقاط صور الجنازة، فالمشهد لم يكن عادياً، لأن ليلى ليست مجرد رضيعة تموت، ولكنها شاهد كبير على ما نعيشه من أزمة حياة في قطاع غزة، فلماذا تٌقتل طفلة بغاز سام، ولسان حالها يصرخ في جنازتها قائلاً: "بأي ذنب أقتل".
الشهيدة النائمة
نامت داخل خيمة قرب الخط الشرقي لقطاع غزة، لكن سرعان ما أتت الفاجعة على الصغيرة ووالدتها، فالغاز السام الذي أطلقه جنود الاحتلال على الخيمة، أشبع الرضيعة، لتفيض رئتها الصغيرة، موتاً مذاباً دون أن يعلم من حملها للمسيرة، أو أخذها بحسن نية، أن هذا الاحتلال لا يفرق بين رضيع وراكع.
ويصف المسعف نبيل محمود المشهد لـ"العين الإخبارية"، قائلاً: "سمعنا أصوات ضجيج قرب الخيمة الطبية، وامرأة شابة تحمل طفلة صغيرة جداً بين يديها، وتطلب النجدة، أخذت الرضيعة ووضعتها على الأرض لإسعافها، فالكمامة أكبر من وجهها، والحقنة غير مناسبة لجسمها، كل ما استطعت فعله مسحت وجهها بمعطر خفيف، وحاولت قدر الإمكان مع الزملاء أن ننقلها إلى أقرب مستشفى تخصصي في المنطقة، ولكنها لم تحتمل كمية الغاز السام الذي استنشقته، فكان استشهادها أسرع مما تخيل الجميع، في دليل على أن الغاز السام الذي تطلقه قوات الاحتلال، ليس مسيلاً للدموع ولكنه مسيل للأرواح البريئة".
وحشية الاحتلال
واستخدم الجيش الإسرائيلي في استهدافه للمتظاهرين السلميين على الحدود الشرقية كل الأسلحة المحرمة في مواجهة مواطنين عزل إلا من حجر أو مقلاع لا يشكل أي خطر على أمن اسرائيل ، فاستهدفوا المٌقعدين والأطفال والأشبال والنساء والرجال والشجر والحجر، ليرتقي 62شهيداً وما يزيد عن 2000 جريح في يوم واحد، لم تفلح كاميرات المحتل في التقاط ولو صورة واحدة لمسلح يحمل ولو مسدساً قديما.
وفي الوقت الذي كانت فيه الطفلة ليلى تصارع بقلبها الغض الموت كانت إيفانكا ابنة الرئيس الأمريكي ترامب ومستشارته الأولى، ترفع الستار عن سفارة بلادها بعد نقلها من تل أبيب إلى القدس، في تحدٍ صارخ وانتهاك واضح لكل القرارات الدولية، ولكن كانت عيون الكاميرات في أكثر محطات العالم شهرة ترصد اللحظة، بينما كاميرات متواضعة وخجولة تأخذ صوراً لليلى الرضيعة والضحية، فأين عدالة الإنسانية، وأخلاقيات الإنسان، هذا ما قاله لـ"العين الإخبارية" المحلل السياسي فهمي شراب: "الإنسان اليوم في أزمة كبيرة".
وتعمدت إسرائيل استهداف الأطفال الفلسطينيين على مدار سنوات الاحتلال الـ70، وليس ببعيد عن الذاكرة مشهد استشهاد الطفلة إيمان حجو التي اٌستهدفت في منزلها بحي الأمل بخانيونس عام 2001 إبان انتفاضة الأقصى، كما لا يمكن أن ينسى العقل الإنساني مشاهد إعدام الطفل محمد الدرة حينما كان يحتمي بحضن والده، لتصله رصاصات الـمحتل ويرتقي شهيدا.
فيما أفادت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، اليوم الثلاثاء، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 18 طفلا منذ بداية العام الجاري في الضفة الغربية وقطاع غزة، 12 منهم استشهدوا منذ 30 مارس/آذار الماضي، من ضمنهم ستة استشهدوا أمس الإثنين في قطاع غزة خلال مشاركتهم في مسيرة العودة.