من أمريكا اللاتينية.. هل يقود «الليثيوم» مسار السعودية الأخضر؟
قالت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، الأحد، إن الوزير بندر بن إبراهيم الخريف سيزور البرازيل وتشيلي خلال الفترة من 22 إلى 30 يوليو/تموز 2024.
وذلك لتعزيز الروابط الثنائية وجذب الاستثمارات إلى المملكة، والبحث عن فرص استثمارية متبادلة في قطاعي الصناعة والتعدين.
وسيزور الوفد خلال جولته المدن الرئيسية في البرازيل، بما في ذلك ساوبولو، وبرازيليا، وريو دي جانيرو، وكذلك مدينة سانتياغو في تشيلي، وتتماشى هذه الزيارة مع أهداف رؤية المملكة 2030 لتنويع الاقتصاد وتحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة، ومركز عالمي للتعدين والمعادن.
وسيشارك الوفد في اجتماعات استراتيجية رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين الحكوميين من مختلف الوزارات في البرازيل وتشيلي، كما سيلتقي الشركات العالمية الرائدة في مجالات التعدين، والأغذية، والطيران، والقطاعات الصناعية الاستراتيجية الأخرى، وستشمل الاجتماعات الرئيسية في البرازيل الجمعية البرازيلية للتعدين (IBRAM)، وشركة (Vale)، وMinerva Foods وJBS، وشركة BRF SA (المنتج الرئيسي العالمي للأطعمة البروتينية الطازجة والمجمدة)، وغيرها من الشركات التجارية والصناعية المهمة، فيما سيشمل جدول الزيارة إلى تشيلي عدة اجتماعات مع وزير التعدين، ومع قادة الاتحاد الصناعي التشيلي (SOFOFA)، وشركات رائدة في مجال التعدين مثل (Codelco) وAntofagasta) ، وغيرها من الوزارات والشركات.
البرازيل وتشيلي.. قوة تعدينية تنافسية
وستغطي محادثات الخريف في البرازيل مجالات التعدين ومعالجة الأغذية والطيران، بينما سينصب التركيز في تشيلي على الليثيوم اللازم لبطاريات السيارات الكهربائية.
وتتمتع البرازيل وتشيلي بثروة معدنية هائلة، وتربط البرازيل علاقات ثنائية راسخة مع المملكة تمتد لأكثر من 50 عاما، حيث ترتكز روابطهما بشكل كبير على منتجات الطاقة، والمعادن، والمنتجات الزراعية، والأسمدة.
فيما يتمتع الاقتصاد المتنوع للبرازيل، في قطاعات قوية خاصة في التعدين والزراعة والتصنيع والخدمات، والعديد من الفرص لتعزيز الروابط التجارية، حيث تمتلك المملكة استثمارات أجنبية مباشرة في البرازيل، بما في ذلك حصة حديثة بنسبة 10% في شركة Vale للمعادن الأساسية، من خلال شركة منارة للمعادن، وهي مشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة (PIF) وشركة معادن.
إضافة إلى ذلك استحوذت الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني "سالك" على 180 مليون سهم في شركة BRF، البرازيلية الرائدة عالميًا في قطاع الدواجن، بحصة بلغت 10.7% وباستثمار إجمالي قيمته 1.27 مليار ريال سعودي.
من ناحية أخرى، تعد تشيلي ثاني أكبر منتج لليثيوم في العالم، وهو معدن رئيسي يستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، الذي يأتي بالتزامن مع التوسع الكبير الذي تشهده المملكة في تصنيع المركبات الكهربائية، حيث تشكل هذه الزيارة فرصة للبلدين لتبادل المعرفة والخبرات التقنية في هذا المجال، إضافة إلى مجال الطاقة الشمسية والرياح.
وفي يونيو/حزيران 2024، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «ألمار» لحلول المياه كارلوس كوزين، وهي جزء من «مجموعة عبداللطيف جميل» السعودية، أن الشركة تتطلع إلى إبرام شراكة مع عملاق التعدين «كوديلكو» التشيلية المملوكة للدولة في مشروعها «ماريكونجا» لإنتاج الليثيوم.
وأضاف كوزين وفقا لوكالة "رويترز" أن الشركة التي يقع مقرها في إسبانيا تركز على حلول معالجة المياه لإنتاج الطاقة المتجددة، وترغب في الاستفادة من تقنياتها في استخلاص الليثيوم المستخدم في تصنيع البطاريات، وهي عملية تتطلب كميات ضخمة من المياه.
- «السيادي السعودي» يعزز جاذبية أسهم المملكة.. إدراج صندوقين في بورصتين صينيتين
- أرامكو السعودية تكمل إصدار سندات بقيمة 6 مليارات دولار
الليثيوم.. ركيزة نحو سوق استراتيجي للسيارات الكهربائية في المملكة
ويعتمد الاقتصاد السعودي منذ عقود على النفط، وتأمل الحكومة في أن يساعدها الليثيوم في تنويع الاقتصاد وتحول المملكة إلى مركز لتصنيع السيارات الكهربائية.
وتشكل الثروة الجيولوجية للمملكة العربية السعودية عاملا جاذبا للمستثمرين، خاصة في قطاع المعادن، حيث تتيح المملكة البيانات الجيولوجية التي يمتد عمرها إلى 80 عاماً، والقابلة للوصول لمساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات مستنيرة، حيث أدى التحديث الجديد للدرع العربي إلى زيادة القيمة التقديرية للاحتياطيات المعدنية للمملكة من 1.3 تريليون دولار إلى 2.5 تريليون دولار.
وقد توسعت شركة معادن التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، في اكتشاف الذهب والمعادن الأخرى مثل الزنك والليثيوم، وسط توقعات بنمو الطلب العالمي على المعادن 6 مرات بحلول عام 2040. كما تمتلك المملكة مكامن وموارد إضافية من هذه المعادن ويمكن الاستفادة منها.
وخلال يوليو/تموز الجاري، طالب مجلس الشورى السعودي وزارة الصناعة والثروة المعدنية بدراسة جدوى استكشاف خام الليثيوم واستخراجه في المملكة، من أجل مواكبة الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية.
واكتسبت سوق الليثيوم العالمية زخما كبيرا خلال العقود القليلة الماضية، لأهمية هذا المعدن القصوى في العديد من الصناعات الاسترتيجية، ما يجعل توفير إمدادات موثوقة منه من بين أبرز التحديات التي تواجه الشركات، لا سيما المتخصصة في إنتاج السيارات الكهربائية.
ومن المرجح زيادة الطلب على الليثيوم بواقع 5 أضعاف بحلول عام 2030، مع ارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة، ولكونه المعدن الأخف وزناً في العالم يُعد الليثيوم مثاليا في بطاريات الهواتف المحمولة والسيارات متعددة البطاريات.
وتوقع تقرير صدر عن شركة بيزنس ريسرش (Business Research) العالمية المتخصصة في أبحاث السوق في يناير/كانون الثاني 2024، أن تسجل سوق الليثيوم العالمية نمواً قوياً خلال السنوات المقبلة، بقيمة إجمالية تبلغ 10.44 مليار دولار بحلول عام 2028.
ويعكس هذا الرقم الضخم نمواً عالمياً مُركباً نسبته 10.8% في تلك السوق الاستراتيجية.
ومن المتوقع أيضاً أن تشهد سوق الليثيوم العالمية نمواً من 6.29 مليار دولار خلال العام الماضي (2023) إلى ما إجمالي قيمته 6.92 مليار دولار خلال عام 2024، بنمو سنوي مركب نسبته 9.9%.
وهيمنت أمريكا الجنوبية على سوق الليثيوم العالمية في عام 2023، في حين تبرز مناطق آسيا المحيط الهادئ، وغرب وشرق أوروبا وأمريكا الشمالية، والشرق الأوسط وأفريقيا، لاعبين رئيسين كذلك في هذا القطاع الحيوي.
وفي عام 2023 كانت أستراليا الرائدة عالمياً من حيث حجم الإنتاج في تعدين الليثيوم بنحو 86 ألف طن متري، وجاءت تشيلي والصين في المركزين الثاني والثالث، حيث بلغ إنتاج الليثيوم 44 ألفا و33 ألف طن متري على الترتيب.
وفي الوقت الراهن تعمل المملكة العربية السعودية على استشراف الريادة في تعدين الليثيوم بمنطقة الشرق الأوسط، وقد مهدت لذلك المسار التنافسي منذ 2019 مع إعادة تنظيم نظام الاستثمار التعديني في عام 2019، الذي تم تطويره من خلال المقارنة العالمية على نطاق واسع، حيث أدى هذا التحول إلى وضع المملكة على الخريطة العالمية، متماشياً مع قادة العالم في مجال التعدين، كما أكد تقرير مجلة التعدين العالمي 2023 حول مخاطر الاستثمار، حيث سلط التقرير الضوء على الأداء المتميز للمملكة، إقليميًا وعالميًا، وارتفع مستوى المملكة بشكل كبير فيما يتعلق بتخفيف مخاطر الاستثمارات التعدينية من عام 2018 إلى عام 2023 (خمس سنوات) لتصبح إحدى أفضل 10 دول بأقل مخاطر قانونية ومالية، تقيس خطر خسارة المستثمر للفوائد الاقتصادية من اكتشاف معدني، وضريبة الشركات، والنمو الاقتصادي، كما صنّف التقرير المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية عالميا في مؤشر الترخيص، مما يشير إلى كفاءة عملية الترخيص.
ووفر نظام الاستثمار التعديني الجديد في المملكة حوافز تنافسية عديدة في قطاع التعدين والمعادن، بما في ذلك التمويل المشترك بنسبة 75% للنفقات الرأسمالية، وإعفاء من رسوم الضريبية لمدة خمس سنوات، وملكية أجنبية مباشرة بنسبة 100%، وفي أبريل/نيسان 2024 أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية عن برنامج تمكين الاستكشاف (EEP) بتخصيص 182 مليون دولار لتقليل مخاطر الاستثمارات في الاستكشاف، وتسريع الاستكشاف الابتكاري، وتحديد إمكانات معدنية جديدة، وتوسيع المواهب المحلية، وتحقيق الأهداف الرئيسية في قطاع التعدين والصناعات المعدنية بالمملكة.
إضافة إلى ذلك تتمتع المملكة بنسبة كبيرة من الشباب، حيث يشكل ثلثا السكان من الشباب تحت سن 30 عاماً، كما تتمتع المملكة بقوى عاملة نشطة مدعومة باستثمارات حكومية كبيرة في التعليم، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي والبنية التحتية القوية والموارد المعدنية الغنية والحوافز الاستثمارية الجذابة، مما يجعلها وجهة استثمارية رائدة للبرازيل وتشيلي.
ومن المتوقع أن تؤدي زيارة البرازيل وتشيلي إلى توقيع اتفاقيات رئيسية تعزز العلاقات الثنائية، ومن المتوقع أن تركز هذه الاتفاقيات على تعزيز النمو المتبادل من خلال الاستثمارات المشتركة والتنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي، خاصة في قطاعي الصناعة والتعدين.
aXA6IDE4LjExOS4xMjcuMTMg جزيرة ام اند امز