لوران فريكسه.. من قمة «نستله» إلى إقالة صادمة بسبب علاقة محرّمة إداريا

في خطوة مفاجئة هزت واحدة من كبرى شركات الصناعات الغذائية في العالم، أعلنت مجموعة نستله، مساء الإثنين، عن إقالة المدير التنفيذي الإقليمي لوران فريكسه بأثر فوري.. ما السبب؟
ووفق بيان الشركة، فقد تم إقالة لوران فريكسه بعد أن أثبت تحقيق داخلي أنه انتهك مدونة قواعد السلوك في الشركة من خلال الدخول في "علاقة عاطفية غير معلنة مع موظفة خاضعة لإدارته المباشرة"، في خرق واضح لقواعد تضارب المصالح وأخلاقيات العمل المعمول بها في الشركة.
وتأتي هذه الخطوة بعد عام واحد بالضبط من توليه منصبه. وعينت الشركة الرئيس التنفيذي لشركة نسبريسو فيليب نافراتيل خلفا لفريكسه.
تفاصيل التحقيق الداخلي
وأوضحت المتحدثة باسم نستله أن القضية بدأت عندما وصل بلاغ سري عبر آلية داخلية مخصّصة للمبلّغين عن المخالفات، يفيد بوجود علاقة غير مهنية تربط فريكسه بإحدى القيادات النسائية داخل فريقه المباشر.
في البداية، أنكر فريكسه هذه الاتهامات، ولم تُسفر عمليات التحقق الأولية عن أدلة كافية. لكن لاحقًا، ومع تعميق التحقيق، تبيّن أن العلاقة قائمة فعلًا، الأمر الذي دفع مجلس الإدارة لاتخاذ قرار حاسم بإنهاء مهامه على الفور.
من هو لوران فريكسه؟
وولد لوران فريكسه في فرنسا عام 1962، وتخرج في مدرسة الدراسات العليا التجارية، إحدى أرقى كليات إدارة الأعمال في أوروبا. انضم إلى شركة نستله في أواخر الثمانينيات، ليبدأ مسيرة طويلة امتدت لأكثر من 35 عامًا داخل المجموعة السويسرية العملاقة.
محطات بارزة في مسيرته
البدايات في أوروبا (1990 – 2000)، إذ عمل فريكسه في عدة أسواق أوروبية حيث صقل خبراته في التسويق والإدارة، قبل أن يُكلّف بمهام قيادية في وحدات الأعمال الاستراتيجية.
الانطلاقة العالمية (2000 – 2010) وتولى إدارة العمليات في أمريكا اللاتينية، حيث أشرف على أسواق ضخمة ومعقدة مثل المكسيك والبرازيل، ونجح في تعزيز نمو الشركة في هذه المنطقة.
نائب الرئيس التنفيذي (2010 – 2020)، وارتقى إلى صفوف الإدارة العليا في نستله، حيث أصبح مسؤولًا عن التغذية ومنتجات الصحة، وهو أحد القطاعات المحورية التي تراهن عليها الشركة.
الرئاسة الإقليمية (2020 – 2025)، وعُيّن رئيسًا تنفيذيًا لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليشرف على واحد من أكبر أسواق نستله عالميًا، ما جعله أحد الوجوه البارزة داخل مجلس الإدارة.
إنجازات فريكسه داخل نستله
وساهم بشكل بارز في توسيع انتشار نستله داخل أمريكا اللاتينية، حيث حققت الشركة نموًا قياسيًا في المبيعات. كما قاد التحول الاستراتيجي نحو منتجات ذات قيمة صحية عالية، انسجامًا مع توجّه المستهلكين العالميين نحو الغذاء الصحي.
ولعب دورًا مهمًا في مواجهة التحديات التي طرحتها جائحة كوفيد-19 على سلسلة الإمدادات والإنتاج.
صورته داخل القطاع
كان ينظر إلى فريكسه على نطاق واسع كشخصية كاريزمية ومؤثرة، ويُعتبر من الأسماء المرشحة دومًا لتولي أدوار قيادية أكبر داخل نستله أو حتى في شركات متعددة الجنسيات أخرى.
لكن هذه المسيرة الحافلة انتهت بشكل مفاجئ وصادم، بعد قرار الإقالة الفوري الذي اعتبره كثيرون "ضربة قاسية" لمسيرته المهنية، خصوصًا أن نهايته لم تكن مرتبطة بنتائج مالية أو إدارية، بل بـ مخالفة أخلاقية طغت على إنجازاته السابقة.
ويعد لوران فريكسه من أبرز القيادات داخل نستله، حيث شغل خلال مسيرته مناصب عليا على مدى أكثر من ثلاثة عقود. وقد عُرف بإدارته لأسواق ناشئة مهمة، خصوصًا في أمريكا اللاتينية، قبل أن يتولى مناصب إقليمية مؤثرة في أوروبا وأفريقيا.
ويصفه زملاؤه بأنه شخصية كاريزمية ذات حضور قوي في أروقة نستله، وكان يُنظر إليه باعتباره أحد "الوجوه التاريخية" للشركة، ما يجعل خبر إقالته بمثابة زلزال داخلي قد يترك أثرًا على صورتها وسمعتها المؤسسية.
الأبعاد القانونية والسمعة المؤسسية
رغم أن علاقات من هذا النوع قد تبدو شخصية، إلا أن القواعد الصارمة للشركات العالمية متعددة الجنسيات، مثل نستله، تعتبرها تهديدًا مباشرًا لمبدأ النزاهة والشفافية، خصوصًا إذا تعلقت بعلاقة بين مدير وموظفة خاضعة له إداريًا.
ويرى خبراء الحوكمة أن مثل هذه الحالات تحمل أبعادًا حساسة: فقد تؤدي إلى شبهات محاباة أو ظلم وظيفي داخل الفريق، كما تضع الشركة في مواجهة تحديات تتعلق بسمعتها، خاصة أمام المستثمرين والأسواق، كما تفرض أيضاً على المؤسسات إعادة التأكيد على آليات الرقابة الداخلية وفعالية قنوات التبليغ عن الانتهاكات.
صدى داخلي وخارجي
في الأوساط الداخلية، أثار القرار مزيجًا من الصدمة والإحراج، حيث يُعد فريكسه من أقدم المدراء وأكثرهم تأثيرًا. أما خارجيًا، فقد علّقت بعض الصحف السويسرية على أن الحادثة تأتي في وقت تحاول فيه نستله تعزيز صورتها كمجموعة شفافة تُولي القيم الأخلاقية أولوية قصوى.
كما يرى مراقبون أن هذا الملف قد يُعيد فتح النقاش الأوسع حول حدود العلاقات العاطفية في بيئة العمل داخل الشركات الكبرى، ومدى تأثيرها على النزاهة والعدالة المهنية.
إقالة لوران فريكسه ليست مجرد حادثة داخلية تخص نستله، بل تعكس التحديات المتزايدة التي تواجهها الشركات العالمية في إدارة قضايا الأخلاقيات المؤسسية والحوكمة. في عالم باتت فيه السمعة والثقة أهم من الأرباح، قد تكون هذه الأزمة درسًا قاسيًا للشركة العملاقة في كيفية تطبيق معاييرها بلا استثناء، حتى على كبار قادتها.