لافروف في أفريقيا.. «حراك روسي» بثغرة النفوذ الغربي
جولة أفريقية يجريها وزير الخارجية الروسي تشي بأن موسكو تمضي بخطوات حثيثة نحو استثمار الفراغ الغربي بالقارة السمراء.. فهل ستنجح في ذلك؟
وأمس الإثنين، وصل سيرغي لافروف إلى غينيا كوناكري، المحطة الأولى ضمن جولة أفريقية جديدة، في حين تسعى موسكو لتعزيز نفوذها بالقارة، خصوصا بعد تدهور علاقاتها مع الدول الغربية.
وتشمل جولة الوزير غينيا والكونغو-برازافيل وتشاد وبوركينا فاسو، وفق ما هو معلن حتى اللحظة، وتأتي بعد سلسلة نجاحات استطاعت فيها موسكو أن تملأ الفراغ الفرنسي الأمريكي في منطقة الساحل الأفريقي، بعد عقود من السيطرة الغربية.
ويرى خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، أن الجولة تأتي في إطار مساعي موسكو لتعزيز علاقاتها مع الدول الصديقة وكسب علاقات جديدة بالمنطقة، إضافة إلى التحضير للقمة الروسية الأفريقية المقبلة.
وخلال قمة سابقة، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع القادة الأفارقة على دعم عالم متعدد الأقطاب ومكافحة الاستعمار الجديد.
«فك العزلة»
وفي قراءته لجولة لافروف، يرى الدكتور محمد شريف جاكو، الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، أن الخطوة تأتي ضمن الموقف الروسي حول تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة في منطقة الساحل الأفريقي.
ويقول جاكو في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن روسيا تسعى لكسب دول أخرى مثل غينيا كوناكري، مضيفا أن غينيا رغم أنها صديقة لكل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إلا أنها لم تدخل معها في التحالف، وكذلك تشاد المرشحة من قبل الإدارة الروسية لتنضم إلى حلفائها.
وأضاف: "رغم أن تشاد مكبلة بسلاسل فرنسية، وهناك 9 قواعد عسكرية فرنسية في ربوع البلد، فإن هذا لا يمنع من إقامة علاقات بين موسكو ونجامينا".
ورجح أن تكون الزيارة "ردا على زيارة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إلى موسكو العام الماضي"، لافتا إلى وجود مؤشرات تهم تشاد في هذا الإطار، أهمها إقامة مناورات عسكرية بين تشاد وتوغو ومثلث الساحل الأفريقي مؤخرا.
كما أشار إلى "معاناة ديبي من فرنسا بخصوص ترشيحه في الانتخابات الرئاسية، وما تم تداوله حول نزاهة هذه الانتخابات بأن فرنسا غير راضية عنها، ولذلك هناك جفوة بين ديبي وباريس"، معتبرا أن روسيا تحاول فك العزلة الغربية عليها بعد الحرب في أوكرانيا والتوجه نحو أفريقيا.
حصار غربي
بحسب الخبير التشادي، فإن موسكو استفادت في المحافل الدولية خصوصا في الأمم المتحدة بعد تصويت 6 دول أفريقية لصالحها.
وقال إن هذا مؤشر بأن هذا الرقم سيزيد، مضيفا أن الخارجية الروسية أجرت زيارات متنوعة في القارة في خلال عام تقريبا، يدل على أهمية أفريقيا لروسيا، علاوة على تقليل النفوذ الغربي في القارة أيضا.
وفي المقابل، يتابع جاكو، تنظر الدول الأفريقية إلى روسيا على أنها شريك محتمل لتحقيق مصالح معينة، والتخلص من الحصار الغربي، إضافة إلى تحقيق مصالح أمنية، وموسكو لها باع طويل في تعزيز الجانب الأمني في القارة.
ولفت إلى الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه موسكو لدول المثلث الساحلي الذي ساعدها كثيرا في مواجهة تحدياتها الأمنية.
ووفق الخبير، فإن الغرض من هذه الجولة هو التحضير للقمة الروسية الأفريقية القادمة، وكسب دول جديدة وتعزيز العلاقات مع الدول الصديقة وطمأنة هذه الدول بأن روسيا بجانبها دائما.
وختم بالقول إن هذه الجولة ستقلق الدول الغربية والتي تريد تعويض خساراتها في غرب أفريقيا، متوقعا أن تذهب القارة السمراء في الفترة المقبلة بعيدا عن الهيمنة الغربية والاتجاه نحو روسيا.
نفوذ يتمدد
من جانبه، يعتبر الدكتور محمد تورشين، الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، أن الجولة الروسية بالقارة تأتي لتعزيز العلاقات بين موسكو وهذه الدول.
وقال تورشين لـ"العين الإخبارية"، إن "موسكو تتخذ الآن مسارا آخر لإعادة تمتين علاقاتها مع بعض الدول خارج نطاق دول الساحل الأفريقي".
وأضاف أن "الزيارة لغينيا مهمة جدا، وربما تكون محاولة تمدد النفوذ الروسي إلى دول خليج غينيا، وأن موسكو أصبحت تبحث عن أراض جديدة في دول أخرى".
وتابع أن الزيارة لتشاد لها الأهمية نفسها، بعد خروج القوات الأمريكية وانتشار القوات الفرنسية فيها بعد خروجها من الساحل الأفريقي، مشيرا إلى أنها تأتي بعد الزيارة التي قام بها ديبي إلى موسكو.
وبحسب الخبير، فإن زيارة لافروف إلى بوركينا فاسو تستهدف تعزيز العلاقات مع دول الساحل الأفريقي، لافتا إلى أن هذه الجولة سيكون لها ما بعدها، وستكسب روسيا أراضي جديدة وواسعة في القارة.
وخلص إلى أن هذه الزيارات تعكس أهمية القارة في السياسة الخارجية الروسية.
تشاد أولا
أما عبدالله إمباتي، الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في الساحل الأفريقي، فيعتبر أن جولة وزير الخارجية الروسي في أفريقيا تستهدف تشاد بالدرجة الأولى لمحاولة ضمها إلى مثلث الساحل الأفريقي مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وقال إمباتي لـ"العين الإخبارية"، إن "تشاد لن تكون سهلة مثل دول المثلث الساحلي، لأن روسيا وطدت علاقاتها مع دول جرت بها انقلابات على حكومات تابعة لفرنسا، بينما تشاد تختلف، لأنها بها نظام متجذر وأكثر صرامة وقوة".
ويرى الخبير أن "المهمة الروسية في تشاد صعبة"، لافتا إلى أن الدول المحيطة بالمثلث الساحلي لا تزال في المعسكر الغربي.
وأوضح أنه إذا "استطاعت روسيا أن تكسب غينيا فستشكل خطا مستقيما بين الدول الأربع، وتكتسب منفذا على (المحيط) الأطلسي، علاوة على أراض شاسعة مليئة بالخيرات، وهو مكسب قوي وضربة لخصومها الغربيين".
وأعرب إمباتي عن اعتقاده بأن روسيا تبحث عن مستعمرات جديدة للحصول على الموارد من القارة من الذهب واليورانيوم والفوسفات والنفط وغيرها، وهذا سيساعدها في تخفيف تداعيات الحرب على أوكرانيا.
التعاون العسكري
وخلال زيارته لغينيا كوناكري التي تعتبر الأولى له منذ عام 2013، ناقش لافروف التعاون العسكري بين موسكو وكوناكري.
وقال الوزير الروسي خلال مؤتمر صحفي: "لم ننس التعاون العسكري التقني وتعزيز قدرات غينيا الدفاعية، مع الأخذ في الاعتبار التهديد الإرهابي المتزايد".
وقبل محادثاته المغلقة مع نظيره الغيني، أدلى لافروف بتصريح هنأ فيه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا وزعيمها، قائد المجلس العسكري مامادي دومبويا الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عام 2021، لكونها في طليعة عملية إنهاء الاستعمار، بحسب مقطع فيديو نُشر على موقع الوزارة الروسية.
كما تحدث لافروف في التصريح عن التعاون الاقتصادي، خاصة في مجال التنقيب ومن خلال استثمارات شركة "روسال" أكبر مستثمر روسي في غينيا، وأشاد بالبرامج الاجتماعية لعملاق الألمنيوم الروسي.
aXA6IDE4LjExNi40MC41MyA= جزيرة ام اند امز