الشائعات تقتل اللبنانيين كل ثانية.. "انفجار بيروت" كابوس مقيم
حالة يختصرها رصد ردود فعل اللبنانيين لدى انتشار أي خبر بخصوص الحالة الأمنية، التي يتبين لاحقاً أنَّ الكثير منها محض شائعات.
يعيش اللبنانيون حالة من القلق والخوف تكبّل حياتهم منذ الانفجار الكارثي الذي ضرب بيروت في 4 أغسطس/آب.
ويزيد الواقع السياسي غير المستقر الوضع تأزماً إضافة إلى الشائعات التي بات معها يصح القول إن اللبنانيين يعيشون كل يوم بيومه وغير قادرين على التفكير أو التخطيط ليس للمستقبل البعيد وإنما للأيام المقبلة.
يختصر هذه الحالة رصد ردود فعل اللبنانيين لدى انتشار أي خبر بخصوص الحالة الأمنية، التي يتبين لاحقاً أنَّ الكثير منها محض شائعات وجدت مكاناً على مواقع التواصل الاجتماعي للانتشار.
وخير دليل على ذلك، ما حدث ظهر الأحد عندما انتشر خبر عن وقوع انفجار في منطقة إقليم الخروب في جبل لبنان، ومن ثم مساء عن الاشتباه بعبوة موضوعة أمام أحد المباني في بيروت، وطريقة تفاعل اللبنانيين معها.
في حادث إقليم الخروب، قالت "الوكالة الوطنية للإعلام" اللبنانية، إنه سُمِع دوي انفجار في المنطقة الواقعة بين بلدتي برجا وبعاصير، حيث شوهد الدخان بكثافة وتسبب بحال من الخوف والهلع لدى المواطنين، وحضرت عناصر من القوى الأمنية في المنطقة، وباشرت التحريات لمعرفة ملابسات الحادث.
لكن ورغم عدم صدور أي معلومات رسمية لاحقاً عن سبب الانفجار، أشارت وسائل إعلام إلى أن سببها قنبلة قديمة كانت ملقاة في المكان وانفجرت نتيجة اندلاع حريق على مقربة منها.
الحادث الثاني، أٌعلِن عنه مساء، وانتشر الخبر بداية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن ثم على وسائل الإعلام، ومفاده أن القوى الأمنية اشتبهت بجسم غريب في منطقة ساقية الجنزير في بيروت وطوقت المكان وناشدت السكان إخلاء المنطقة، ومن ثمّ حضر خبراء المتفجرات وعملوا على تفكيك العبوة.
وترافق الخبر مع معلومات غير رسمية بأن الجسم المشبوه كان موضوعاً تحت منزل يقيم فيه مدير إقليم بيروت في الجمارك موسى هزيمة والذي كان قد تردّدت معلومات عن ورود اسمه في التحقيقات بشأن انفجار المرفأ لعلاقة مباشرة أو غير مباشرة بوجود مواد نترات الأمونيوم أو لعلمه بوجودها، وهو ما رأى فيه البعض رسالة أمنية إلى هزيمة لمنعه من الإفصاح عما يملك من معلومات.
وفي كل الحالات، فإن هذا الخبر كان كافياً ليقلق ليس فقط أهالي المنطقة وإنما كل اللبنانيين وخصوصاً أهالي بيروت لأكثر من ساعة.
وعادت بعدها قوى الأمن الداخلي لتعلن أنه "بعد الكشف على الجسم الغريب من قبل خبير المتفجرات تبين أنه خال من أي مواد متفجرة وهو عبارة عن حقيبة تحتوي على مناشف وثياب فقط"، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها كانت قد طوقت المكان خوفاً من وجود مواد خطرة.
وعن هذا الواقع، تقول الدكتورة المتخصصة في علم النفس والناشطة السياسية منى فياض لـ"العين الإخبارية": "أتى انفجار بيروت بعد أزمات متعددة كان ولا يزال يعيشها اللبنانيون، من الوضع السياسي المتأزم والوضع الاقتصادي الصعب الذي منع المواطنين من الحصول على أموالهم، ليشكّل المحطة المفصلية في حياتهم وليتحول إلى قلق مستمر في ظل انسداد الأفق على أي حل في المدى المنظور".
وتضيف: "تداعيات الانفجار لا تقتصر فقط على أهالي الضحايا والجرحى وإنما على كل شخص خسر منزله وذكرياته وعلى كل مَن سمع صوت الانفجار الذي لا يشبه أي شيء عاشه اللبنانيون وهم الذين مروا بحروب ومن عنف إلى عنف منذ أكثر من 45 سنة".
من هنا ترى فياض أن من الطبيعي أن تبقى هذه الكارثة تلاحق اللبنانيين في تفاصيل يومياتهم وتجعلهم يقلقون على حياتهم وحياة أولادهم، إذ بات اللبناني يشعر أنه قد يخسر أبناءه في أي لحظة، ولذا أخذ عدد كبير منهم خيار الهجرة علّهم يؤمنون مستقبلا أفضل لأولادهم.
وتؤكد فياض: "اللبناني الذي بات يعيش كل لحظة بلحظة اليوم لم يعد قادراً على التحمل، وهو ليس بحاجة فقط إلى الدعم المادي وإنما هو بالدرجة الأولى يحتاج إلى الدعم النفسي والمعنوي ليخرج مما خلّفه في نفسه هذا الانفجار وما يترافق معه من أزمات تحول حياته إلى جحيم".
وتتابع: "وتكمن المشكلة في الوقت الحالي أن انتشار وباء كورونا يحول دون التواصل في ما بين اللبنانيين واللقاءات أو الخروج والترفيه التي قد تخفف شيئاً ما من هذا القلق".
لكن ورغم ذلك ترى فياض أن اللبناني المشغول اليوم بتأمين لقمة عيشه ولملمة آثار الانفجار لن يبقى ساكتاً وهو سيخرج من خوفه وقلقه لينتفض على هذا الواقع الذي فرض عليه، في تحركات ستكون أكبر من تلك التي شهدتها الساحات في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.