الملتقى الثقافي المصري اللبناني الأول.. جذور وآفاق
لاستعادة أحد أوجه العلاقات الثقافية بين مصر ولبنان، انعقد الملتقى الثقافي المصري اللبناني، الأحد، في مؤسسة "الأهرام" المصرية، بحضور كبير.
كانت إحدى السمات البارزة للمجتمع المصري في منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين حيويته الكبيرة التي كانت أحد أهم أسبابها انفتاح مصر الثقافي وتوافد الكثيرين عليها مهاجرين لأغراض شتى، ومن بين كل الهجرات، كانت هجرة الشوام (سوريا، فلسطين، لبنان) أهمها وأكثرها تأثيراً؛ حيث بثت دماءً جديدة في شرايين الثقافة والاقتصاد والاجتماع المصري، وهو تأثير ما زالت بقاياه حاضرة حتى الآن.
في استعادة لأحد أوجه العلاقات الثقافية بين مصر ولبنان، انعقد، الأحد، الملتقى الثقافي المصري اللبناني الذي نظمته مؤسسة "الأهرام"، بالتعاون مع جمعية الصداقة المصرية اللبنانية، بحضور حشد كبير من الكتاب والمثقفين والمفكرين من الجانبين؛ الذين اجتمعوا في لقاء أول (سيعقبه ثانٍ في بيروت بعد أشهر) لتوثيق التراث الثقافي المصري اللبناني المشترك من جهة، ولاستئناف أواصر الصداقة والعلاقات الممتدة ثقافياً بين الجانبين التي تعود جذورها إلى سنوات بعيدة من جهة ثانية.
شارك في الملتقى من الجانب اللبناني، الرئيس فؤاد السنيورة، محمد حداد، خالد زيادة، رضوان السيد، أنطوان سيف، كريم مروة، حسام عيتاني، جورج قرم، طارق متري، ومن الجانب المصري، جابر عصفور، عماد أبو غازي، عادل السيوي، محمد بدوي، علي الدين هلال، محمد سلماوي، السيد يس، أحمد عبد المعطي حجازي، سمير مرقص.
السفير اللبناني السابق بالقاهرة، الدكتور خالد زيادة، قال، في تصريحات صحفية في ختام الملتقى (بعد 4 جلسات بحثية امتدت ليوم كامل)، إن هذا التجمع الفريد قد استعاد مجدداً حيوية ومتانة الجسور التي ربطت بين البلدين؛ مصر ولبنان، وتميز بحضور مثقفيه من الجانبين مثلما كان يحدث في الماضي البعيد، واعتبر زيادة أن الملتقى على الرغم من تركيزه على القضايا والموضوعات التي تمس العلاقات الثقافية المصرية اللبنانية، في الماضي والحاضر والمستقبل، فإنه قد تطرق أيضاً إلى جوانب أخرى وأبعاد أكبر وأوسع مما يشغل عالمنا العربي الآن.
وأضاف "زيادة" أن الشأن الثقافي لا ينفصل عن هذه القضايا المجتمعية، قائلاً: "استخلصنا في الجلسة الختامية بعض المسائل المهمة، وقد أسهم الملتقى في إعادة طرح القضايا والعلاقات الثقافية بين البلدين، وفتح مجال أوسع لتوطيد وتقارب العلاقات"، وأعلن السفير اللبناني السابق بالقاهرة أن لقاءً آخر سيعقد في فبراير 2017؛ لاستئناف البحث والنقاش حول القضايا والموضوعات المشتركة، وأن اللجنة التحضيرية للملتقى ستعكف خلال هذه الفترة على جمع وتوثيق التراثين المصري واللبناني. ووجه خالد زيادة الشكر إلى مؤسسة الأهرام، ورئيس مجلس إدارتها أحمد السيد النجار، على استضافة الملتقى الثقافي المصري واللبناني، وحسن الضيافة والتنظيم، كما وجه الشكر أيضاً لجمعية الصداقة المصرية اللبنانية.
فيما قال الناقد والأكاديمي والمفكر المصري الدكتور جابر عصفور، إن الباحث عن جذور النهضة العربية في أوج نشاطها وحركتها الكبيرة لا بد أن يعود إلى جذورها الأولى، هنا في مصر، عندما جذبت نهضة محمد علي الكبير آلاف الشوام للحاجة إلى مترجمين من وإلى الإنجليزية والفرنسية، كما اجتذبت آلاف التجار وأصحاب الصناعات المختلف، في الوقت الذي كان الشام يعيش حالاً من التعصب الديني والاضطرابات الطائفية، إضافة لقلة الموارد وضعف الاقتصاد.
ويضيف عصفور، أن اللبنانيين، بالأخص، قد لعبوا الأدوار الحاسمة طوال القرن التاسع عشر كله وحتى النصف الأول من القرن العشرين في مصر، وذلك على مستويين؛ الأول المساهمة في بناء المؤسسات والمنشآت والهيئات الثقافية والعلمية؛ كالمدارس والجامعات والمراكز العلمية ودور النشر.. إلخ، وذلك بدءاً من عصر محمد علي الكبير وحتى ذورتها في عصر الخديوي إسماعيل. والمستوى الثاني، يقول عصفور، شمل الإنتاج الفكري والثقافي من خلال التأليف والترجمة والنشر والصحافة، وإننا ونحن نلتقي هنا في رحاب مؤسسة الأهرام العريقة، يجب ألا ننسى أنها كانت إحدى الثمار الناضجة لهذه الحركة الثقافية التي دفع بها وأسهم فيها اللبنانيون بنصيب وافر وعريض.
وشدد عصفور على أهمية مثل هذه اللقاءات، التي تحفر في الذاكرة، وتستعيد تاريخاً مهماً وتبرز تراثاً نحن في أمس الحاجة إليه، لاستئناف النظر فيه والانطلاق منه إلى آفاق أبعد وأرحب، واختتم عصفور قائلاً: "لهذا نحن نسترجع التاريخ لنتأمل حركة الحاضر، ونستنبط من خلالهما مؤشرات للتقدم نحو المستقبل، فمثل هذه المؤشرات المستقبلية تفتح أفقاً لتصورات المستقبل، ووضع حلول للمشكلات القائمة".
إجمالاً، وعلى مدار الجلسات الأربع الثرية، جاءت نقاشات الحضور من الضيوف، لتغطي مساحات واسعة من العلاقات المصرية اللبنانية، ولتلقي أضواءً كاشفة على السياق التاريخي الذي تأسست فيه تلك العلاقات سواءً بردها إلى حدث كبير كهجرة الشوام إلى مصر في القرن التاسع عشر، والأسباب التي أدت باللبنانيين خصوصاً إلى الهجرة والاستقرار في مصر وغيرها من البلدان في أوروبا وأمريكا (الشمالية والجنوبية)، أو بالبحث عن الأسباب الموضوعية التي أدت إلى ازدهار هذا الحضور اللبناني في مصر؛ وكيف تجمع هذا الحشد من رواد الأدب والفكر والثقافة والفن والصحافة في مصر تحديداً وليس أي مكان آخر. ودعا المشاركون، لحين الاجتماع في الملتقى الثاني في بيروت، فبراير من العام المقبل، إلى محاولة البحث عن إجابة تساؤلات تدور حول الإسهامات التي قدمها اللبنانيون خصوصاً في مجال تطوير اللغة العربية والانتقال بها من لغة مستوى اللغة التراثية العتيقة المثقلة بالاستشهادات الشعرية إلى مستويات أرحب وأكثر تحرراً ومرونة تخلت فيها عن قيود السجع والألفاظ الغريبة.