الجيش اللبناني على خط تنفيذ اتفاق الهدنة.. مخاوف وتحديات
يتضمن اتفاق الهدنة بين حزب الله وإسرائيل دورا مهما للجيش اللبناني يحول دون استمرار الحرب بين الجانبين.
وأثار دخول الجيش اللبناني على خط حيز التنفيذ الفعلي للاتفاق، مجموعة من التساؤلات، تتعلق بقدرة الجيش على القيام بهذا الدور والانتشار بفعالية في الجنوب اللبناني؟، وهل يمتلك الوسائل الكافية التي تمكنه من لعب هذا الدور؟ وما التحديات التي تواجه لتنفيذ مهامه.
خبراء عسكريون وأمنيون لبنانيون، أكدوا لـ"العين الإخبارية" قدرة الجيش وجاهزيته لتكريس الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه، وتنفيذه المهام المطلوبة، بيد أنهم استعرضوا بعض التحديات الكبيرة التي ستواجهه خلال الفترة المقبلة.
وفي الوقت الذي استبعد فيه هؤلاء الخبراء حدوث صدام مباشر بين الجيش وعناصر حزب الله، ألمحوا إلى مخاوف تتعلق بإمكانية تكليف الجيش في الداخل اللبناني - في وقت لاحق- بتجريد حزب الله من أسلحته، وهو ما يمكن أن يخلق حالة من الإرباك للجيش، وقد يكون الفتيل الخطأ الذي تراهن عليه إسرائيل لإشعال الموقف.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ فجر الأربعاء، بعد وساطة أمريكية وفرنسية حثيثة.
وتتضمن مسودة اتفاق وقف إطلاق النار فترة انتقالية مدتها 60 يوماً ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وينتشر الجيش اللبناني في المناطق القريبة من الحدود، وينقل «حزب الله» أسلحته الثقيلة إلى الشمال من نهر الليطاني. وتتضمن الصفقة لجنة إشرافية بقيادة الولايات المتحدة لمراقبة التنفيذ ومعالجة الانتهاكات.
جاهزية وقدرة الجيش
من جانبه أكد العميد الركن الطيار المتقاعد أندره بومعشر، الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية، لـ"العين الإخبارية" على "قدرة وجاهزية الجيش اللبناني، الذي يمتلك الإرادة والتدريب والعقيدة لتنفيذ المهام التي توكل إليه بواسطة السلطة السياسية".
واعتبر أن للجيش اللبناني دورا محوريا في ضمان تكريس الاتفاق الذي أعلن عنه، وبدأ سريان وقف إطلاق النار اعتبارا من فجر الأربعاء، مضيفا "رأينا اليوم بدء انطلاق قافلات الجيش اللبناني باتجاه الجنوب للتمركز في الأماكن التي يتوجب فيها تمهيدا لانسحاب الجيش الإسرائيلي منها".
وشرح "بومعشر" بعض المهام الذي يتم تكليف الجيش اللبناني بها ضمن تنفيذ اتفاق الهدنة، قائلا إنها تتمثل في التأكد من أن منطقة جنوب الليطاني خالية من السلاح، وعدم تنفيذ أي عمليات عدائية باتجاه إسرائيل، والتأكد أيضا من عدم دخول أسلحة، أو إعادة تصنيع أسلحة هذا فيما يتعلق في جنوب الليطاني، إضافة إلى مهام الجيش في ضبط جميع المعابر البرية والبحرية والجوية.
تحديات كبيرة
ويواجه الجيش اللبناني في تنفيذ المهام مجموعة من التحديات الكبيرة، وصفها بومعشر قائلا: "هناك تحديات عملياتية مرتبطة بجاهزية الجيش اللبناني، مع الصعوبة في نشر نحو 10 آلاف جندي في وقت قياسي، حيث ينتشر اليوم في الجنوب نحو 4500 عنصر من الجيش اللبناني، وعلى الجيش زيادة العدد بما يقارب 5500 عسكري وهذا صعب تحقيقه".
وكان وزير الدفاع اللبناني موريس سليم قد أكد في تصريحات تلفزيونية أن الجيش اللبناني سيزيد عدد قواته في الجنوب إلى 10 آلاف عسكري، مؤكدا التزام لبنان بالقرارات الدولية، قائلا إن "سيادتنا تقوم على وصول جيشنا إلى حدودنا الجنوبية".
بومعشر قال "كان هناك خطة لتطويع ونشر 6000 عسكري، لكن لم تتم المباشرة بهذا العدد لعدم الجاهزية المادية عمليا في الوقت الحالي، وأصبح هناك موافقة على تطويع 1500 عسكري"، مشيرا إلى وجود خطة لتجهيز وتدريب وتطويع نحو 6 آلاف عسكري، ميزانيتها تتخطى نحو مليار دولار.
ومن بين التحديات، بحسب بومعشر، أن هناك ترتيبات أمنية تحتاج لقرار سياسي من الحكومة اللبنانية، يتعلق بتكليف الجيش وتأهيله وإعداده ومنحه الغطاء السياسي والدعم اللوجيستي لتطوير قدراته.
وقال: "نحن اليوم أمام حكومة لبنانية مستقيلة، وبانتظار انتخاب رئيس للبلاد وإعادة تشكيل حكومة جديدة لتأكيد الالتزام بتطبيق اتفاق الهدنة".
واعتبر أنه من بين التحديات، الالتزام المستدام بتطبيق بنود اتفاق الهدنة، وتتعلق بانسحاب حزب الله طوعا من جنوب الليطاني، وتسهيل عملية الجيش، وهذا هو التحدي الأمني الوطني الذي لا يتعلق بالجيش اللبناني، بل يقع على عاتق الفرقاء السياسيين بإبراز مدى جديتهم بالالتزام بهذا الاتفاق.
لجنة أمنية بين الجيش وحزب الله
وأستبعد الباحث في الشئون السياسية والعسكرية احتمال حدوث أي مواجهات بين الجيش وحزب الله، قائلا: "نحن على ثقة بأن الجميع، سواء قيادة الجيش أو السلطة السياسية أو حزب الله حريصون على ألا يكون هناك أي مواجهة، لأن ذلك سيكون كارثيا على لبنان وجميع الأطراف، خاصة مع وجود قرار ضمني رضائي بموافقة حزب الله بالالتزام بالتنفيذ".
وأشار إلى أن "هناك لجنة ما بين الجيش اللبناني والولايات المتحدة والأطراف الأخرى لضبط تنسيق عملية الترتيبات الأمنية، لضمان انسيابية تنفيذ القرارات بشكل يحول دون حصول مواجهات غير مرغوبة".
وأعرب عن اعتقاده أنه سيتم إنشاء لجنة أمنية ما بين الجيش اللبناني وحزب الله لضمان تنفيذ بنود الاتفاق، ولمنع حصول أية مواجهات غير مرغوبة؟
وكان النائب حسن فضل الله المنتمي لحزب الله، قد أكد الأربعاء، أن هناك "تعاونا كاملا" مع الدولة اللبنانية لتعزيز انتشار الجيش في جنوب البلاد.
لا صدام .. لكن ؟
بدوره، قال العميد ناجي ملاعب، الخبير العسكري والاستراتيجي، لـ"العين الإخبارية"، إن "الجيش قادر ومؤهل من الناحية العملية لتنفيذ المهمة على أكمل وجه".
وأضاف "لكن إذا اقتضت المهام الجديدة أن يكون لديه مهام تتعلق باكتشاف بنية تحتية، وأنفاق للتعامل مع هكذا حالات، فإن هذا سيقتضي تدريبه وإعطائه وسائل حديثة تؤهله للقيام بهذه المهام".
واعتبر أن هناك حاجة فعلية للمساعدات المادية للجيش التي وعد بها لبنان في المؤتمر الدولي لدعم لبنان بباريس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تقدر بـ 200 مليون دولار.
وقال "نأمل ألا تكون مجرد وعود فقط، وأن تصل للجيش حتى يستعد للقيام بمهام الحفاظ على وقف إطلاق النار".
وفيما يتعلق حول مخاوف طرحها البعض من حدوث صدام بين الجيش وعناصر حزب الله، شدد الخبير العسكري اللبناني على أنه لا صدام سيحدث في الجنوب، لأن القرار الذي جرى اتخاذه لإخلاء الجنوب من قوى غير نظامية، وافقت عليه إيران، ثم أعلن الشيخ نعيم قاسم الأمين العام للحزب، إنه مع تطبيق 1701، والذي يعني عدم وجود أي عناصر من خارج الجيش وقوات اليونيفيل في الجنوب.
لكن ملاعب أبرز ملمحا هاما أخر، يثير ما يعتبره "مخاوف حقيقية"، قائلا إن: "الخشية أن يتم تكليف الجيش بتجريد حزب الله من أسلحته في الداخل اللبناني، فهذا من الممكن أن يخلق حالة إرباك للجيش، وقد يكون الفتيل الخطأ الذي تراهن عليه إسرائيل، بأن كل بنية تحتية يحاول حزب الله إنشاءها من جديد في لبنان بشكل عام، دون أن يحدد الجنوب فقط، تعتبر محاولة عدائية ضد إسرائيل".
وأشار ملاعب إلى أن الجيش موجود منذ عام 2006 مع قوات اليونيفيل المعززة في الجنوب، ولم يغب عن الجنوب حتى يعود له اليوم، لكنه عمل فقط على تخفيض قواته لاحتياج البلاد لقوات في الداخل وعلى الحدود مع سوريا، وما يحدث اليوم هو إرسال أفواج جديدة من الجيش لتعزيز تواجده في الجنوب لحسن القيام بمهمته.
وذكر ملاعب أن الجيش اللبناني وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 426 الذي أنشأ قوة الأمم المتحدة بلبنان (يونيفيل) لتنفذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701، حدد مهام هذه القوات بأنها مساندة للجيش اللبناني، بالتالي المهام القتالية هي بيد الجيش".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة كانت تسعى بناء على ضغط إسرائيلي في السنوات الثلاثة الماضية عند موعد التجديد لقوات يونيفيل إلى تغيير المهام القتالية، بحيث تصبح بيد هذه القوات، وليس الجيش اللبناني.
قدرات ميدانية
كما يتفق العميد وهبي قاطيشا، الخبير العسكري اللبناني، مع الخبيرين السابقين، قائلا لـ"العين الإخبارية" إن "الجيش قادر على تحقيق المهمة بنجاح لاسيما في ظل الاتفاق الذي يسمح بمساندة قوات اليونيفيل، ووجود لجنة إشرافية بقيادة الولايات المتحدة لمراقبة التنفيذ ومعالجة الانتهاكات".
واعتبر "قاطيشا"، أن الجيش اللبناني الذي عاصر العديد من الأزمات والحروب منذ 50 عاما يمتلك المؤهلات والقدرات ميدانية اللازمة لتنفيذ المهمة بنجاح".