بات الوزير اللبناني ذائع الصيت ولكن ليس كجبران الأديب، وإنما امتعاضا وسخرية من الكلمات التي تصدر عنه بين حين وآخر.
عندما يذكر المرء لبنان لابدّ من الإتيان على اسم جبران خليل جبران، والعكس صحيح إذ ارتبط لبنان الوطن بجبران المواطن ارتباطا وثيقا حدّ الانصهار رغم مكوث الأديب اللبناني معظم سني شبابه القصيرة خارج حدود بلاده ولكنّه استطاع بريشته وألوانه رسم أجمل صورة للبنان في أذهان الناس ولامست كلماته شغاف المغرّبين والمهجرين حتى باتوا يتغنون بنثره رسائل حب إلى ذويهم كلما عانقهم الحنين للعودة إلى بلدانهم.
من الفقر والعدم استطاع الفتى الصغير انتشال ذاته وحفر اسم له على جدار الحياة الصلب القاسي هيهات تمحو آثاره السنوات مهما طالت. وبات مفخرة كلّ لبناني من صور إلى صيدا فزحلة والشمال وليس انتهاء بالجنوب.
شتان بين من نهض بلبنان وأوصل اسمه للعالمية بإحساس مرهف وفن راق وكلمات خالدة، وبين من يتفنن بفقدان الأصدقاء. ثمة فرق كبير بين لبنان جبران خليل جبران، وبين جبران باسيل الذي يريد لبنانا على مقاس أحلامه السياسية
المفارقة الكبيرة هي بين من يسعى لصنع تاريخ لوطنه على حساب ذاته -وهذا ليس عيبا بل واجبا يُحمد المرء عليه- وهو ما عمل لتحقيقه الشاعر والأديب والرسام اللبناني جبران خليل جبران، فيما لم يكن حظ وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل من شاعر المهجر سوى الاسم فحسب. أما الفعل فهو عكس ذلك تماما؛ فجبران السياسي يسعى إلى مجد شخصي ولو على حساب الوطن، وإلا كيف تُفسر كل هذه التصريحات بحق اللبنانيين في الداخل الذين وصف كثير منهم عباراته بالعنصرية وتبني خطاب الكراهية ضد الآخر في وقت أحوج ما يكون فيه اللبنانيون إلى التآخي والتوحد على كلمة واحدة، ونسيان سنوات الحرب الأهلية الدامية .
بات الوزير اللبناني ذائع الصيت ولكن ليس كجبران الأديب، وإنما امتعاضا وسخرية من الكلمات التي تصدر عنه بين حين وآخر، ما يرى فيه البعض ضررا كبيرا على لبنان الدولة والشعب في آن واحد؛ إذ لم يشهد تاريخ لبنان القديم والحديث سذاجة بالطرح كالتي يأتي عليها وزير الخارجية الحالي جبران باسيل، ليس آخر ذلك دعوته لحماية اليد العاملة اللبنانية من "سطوة" منافساتها الأمريكية والفرنسية والسعودية ما أثار عليه ردة فعل كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من مثقفين وسياسيين وفنانين ورياضيين وغيرهم وصلت حدّ المطالبة باستقالته، مبررين ذلك بأنّ في لبنان من هو أجدر وأقدر على رسم سياسة خارجية وداخلية ترقى إلى مستوى ثقافة ولطف ورقي اللبنانيين.
لا يخفى على أحد في العالم أنّه من أولى مهام وزير خارجية أي من البلدان هو كسب ود الآخرين شعوبا كانوا أو حكومات لتحقيق مصالح الشعب وأهداف السياسة الخارجية. إلا أنّ هذا لم يكن نهج الوزير اللبناني الذي بات منعكس تصريحاته يتدحرج حمما بركانية ملتهبة على فئة كبيرة من اللبنانيين قبل غيرهم خاصة العاملين منهم في دول الخليج العربي .
لهذه البلدان من ينافح عنها ويخبر الوزير أن عدد من يعمل في هذه الدول من اللبنانيين يتجاوز بكثير ومناصريه في الداخل والخارج، ولكن الموضوع الأساسي الذي يكرر "رئيس التيار الوطني الحر "الحبو عليه تارة والهرولة تارة أخرى مدخلا لأي حديث ينطق به هو "اللاجئون السوريون" الذين لا حول لهم ولا قوة سوى أنّ آلة الحرب أجبرتهم على الجلوس في أرض يمتلك السياسي اللبناني أسهما فيها.
في الواقع لابد من تذكير "معالي" الوزير أنّ السّوري وعائلته الذين يتحدث عنهم في سره وعلانيته يدفعون ثمن الخيمة التي لم تمنع عنهم حر الصيف ولا برد الشتاء دولارات ليست بالقليلة، وأن الخبز الذي يعتاش منه السوريون هو بكد يدهم وعرق جبينهم ولا فضل له فيه ولا منّة .
شتان بين من نهض بلبنان وأوصل اسمه للعالمية بإحساس مرهف وفن راق وكلمات خالدة، وبين من يتفنن بفقدان الأصدقاء. ثمة فرق كبير بين لبنان جبران خليل جبران وبين جبران باسيل الذي يريد لبنانا على مقاس أحلامه السياسية، ولعلّ كلمات شاعر المهجر «يا أخي السوري، أنت مصلوبٌ ولكن على صدري. والمسامير التي تثقب كفّيك وقدميك تخترق حجاب قلبي. وغداً، إذا ما مرّ عابر طريق بهذه الجلجلة، لن يميّز بين قطرات دمك وقطرات دمي، بل يسير في طريقه قائلاً: هاهنا صُلب رجل واحد» تقول للدبلوماسي الصاعد اصمت يا جبران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة