لبنان بعد الكارثة.. بازار حكومي يفتح سيناريوهات التغيير
أسبوع مثقل بالأوجاع ليس كمثله في لبنان، فيه لفظت الحكومة أنفاسها، وعلا صوت الشارع مدويا يطالب بالحساب.. فهل من تغيير؟
أسبوع مثقل بالأوجاع ليس كمثله في لبنان، حوّل واحدة من أجمل العواصم العربية إلى مدينة "منكوبة"، وفيه لفظت الحكومة أنفاسها، وعلا صوت الشارع مدويا يطالب بالحساب.
إحداثيات في لبنان الموجوع على أبنائه الذين تطايرت أشلاؤهم، وعاصمته بيروت التي فقدت رئتها البحرية على العالم الخارجي في انفجار مرعب اجتازت مخاوفه الحدود، تفتح الباب أمام تساؤلات حول قادم الأيام، في وقت فقد فيه أهل البلد الثقة في كل شيء.
وقبل فاجعة بيروت التي وقعت الثلاثاء الماضي، كان لبنان غاضبا من ساسته ومن التردي الاقتصادي وتهاوي العملة، والفساد، وتغلغل أدوات إيران المتمثلة في مليشيات "حزب الله".
كان اللبنانيون يطالبون بتغيير نظام قائم على المحاصصة الطائفية، وبرحيل المسؤولين، قبل أن ينفجر مرفأ بيروت وتتطاير شظاياه إلى ساحات الاحتجاج التي علّقت المشانق لمن "استهتر بالحياة" وأوغل في "الفساد".
وأمام هذا المشهد السوداوي، ينتظر اللبنانيون ما ستحمله لهم الأيام القادمة، سيما مع افتتاح البازار الحكومي، للبحث عن بديل لحسان دياب الذي قدم أمس الثلاثاء، استقالة حكومته التي لم تكمل عامها الأول.
"تغيير حقيقي" في مفترق طريق مؤلم
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سارع لزيارة بيروت غداة نكبتها، دعا إلى تأسيس "ميثاق جديد" و"بناء نظام سياسي" جديد أيضا.
وهو ما تحدث عنه الرئيس اللبناني ميشال عون الذي قال إن بلاده "أمام تغييرات وإعادة رؤية نظام قائم على التراضي".
وبينما كان يلقي كلمته الأخيرة من منصبه الذي أطاح به انفجار بيروت، قال دياب "اليوم وصلنا إلى هذا الزلزال الذي ضرب البلد.. اليوم نحتكم للناس وإلى مطالبهم ورغبتهم بالتغيير الحقيقي".
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت هلال خشان، يرى أن انفجار بيروت قد "يُغير قواعد اللعبة".
مرجحا في الوقت نفسه "صعود تشكيلات سياسية جديدة"، وإن كان لبنان سيدخل، وفق اعتقاده، فراغا كون الحكومة الجديدة لن تُكتب شهادة ميلادها قبل أشهر.
ولا يبدو خشان متفائلا إزاء المشهد الحالي في لبنان "الذي يقف في مفترق طريق مؤلم".
تشاؤم يشهد له التاريخ
تشاؤمٌ نابع من سجل التاريخ الذي يبين أن تشكيل الحكومة اللبنانية ليس بالأمر السهل والبسيط، خاصة في ظل تعقيدات التركيبة الطائفية والاجتماعية والسياسية والتجاذبات بين القوى اللاعبة في البلاد.
الشعور نفسه هو الذي ينتاب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية اللبنانية جيفري كرم.
يقول كرم إنه "من شبه المستحيل الاعتقاد بأن الانفجار سيزيل الطبقة السياسية بالكامل".
بل إن "المصالح الضيقة ومصالح النخبة ستوقف أي تقدم ذات مغزى". وفق أستاذ العلوم السياسية.
وعلى وقع كارثة بيروت، توالت أيضا الدعوات لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، طالب بها أيضا رئيس الحكومة المستقيل ووزراء ونواب وشخصيات دينية وسياسية.
لكن جيفري كرم يرى أن أية انتخابات برلمانية ستعيد الوضع إلى ما كان عليه، إلا أنها-وفق قوله- "ستؤدي إلي تغيير بسيط في التكتلات والمقاعد بدلاً من تحقيق تغيير كامل في النظام المذهبي والطبقة السياسية الفاسدة".
السيناريو "الأسوأ"
غير أن السيناريو الأسوأ والأكثر رعبا الذي يراه كرم، هو "الدعوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية حتى وإن تشكلت من مستقلين واختصاصيين مزعومين تحت عنوان إغاثة ومساعدة لبنان".
معتبرا أن هذا الأمر سيعيد لبنان "إلى نقطة الصفر".
ولحكومة الوحدة الوطنية في لبنان، تجربة غير ناجحة، حيث سقطت بعد نحو ثلاث سنوات على تشكيلها برئاسة سعد الحريري، على وقع احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكانت حكومة الحريري تضم ممثلين عن معظم الأحزاب السياسية، وتشكلت بعد سنتين من فراغ في سدة رئاسة البلاد.
بعدها كُلف الأستاذ في الجامعة الأمريكية حسان دياب بتشكيل حكومة قُدمت للبنانيين والآخرين على أنها من "التكنوقراط" و"المستقلين"، لكنها في الواقع وُلدت بدعم من "حزب الله" وحليفه التيار العوني، وبقيت رهينة له طيلة الأشهر الماضية.
الشارع الغاضب
على الأرض، لا يجد اللبنانيون الغاضبون في استقالة حكومة دياب حلا، ويطالبون برحيل الطبقة السياسية التي تتحكم بالبلاد منذ عقود تحت شعار "كلن يعني كلن".
لكن هل سيقدر الشارع وحده على التغيير أمام قوى سياسية تمرست على المناورة.
يجيب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية اللبنانية جيفري كرم، بقوله إن الطبقة الحاكمة "ستمتص الصدمة والغضب والإحباط".
كما أن تلك الطبقة ذاتها التي تتمتع بـ"مناعة" تجاه المأساة، "ستستغل الدماء في الشارع وآلاف الجرحى والمفقودين لتقدم وعودا قصيرة الأمد وتخلق نوعا من الشعور بالعودة إلى الحياة الطبيعية".وفق كرم.
لكن الناشطين لديهم وجهة نظر أخرى في الشارع، ويؤكدون أن "الثوار" قادرون هذه المرة، لأنه "لم يعد لديهم ما يخسرونه".
وماذا عن المجتمع الدولي؟
انفجار مرفأ بيروت، كان مناسبة للمجتمع الدولي ليجدد شرطه بضرورة تنفيذ إصلاحات أساسية في لبنان، مقابل الحصول على دعم ينتشله من الانهيار الاقتصادي.
وكانت المفاوضات بين بيروت وصندوق النقد الدولي، قد تعثرت منذ أسابيع، بسبب عدم تقديم الوفد اللبناني المفاوض رؤية موحدة حول تقديرات الخسائر المالية.
كما لم تُحقق الحكومة المستقيلة أية إصلاحات يطالب بها المجتمع الدولي.
وفي مؤتمر دولي نظمته فرنسا بعد الانفجار، تعهد المانحون بتقديم مساعدات عاجلة للبنان، بلغت قيمتها حوالى 300 مليون دولار.
aXA6IDMuMTQ5LjIxNC4yMjMg
جزيرة ام اند امز