آمال لبنان في "الصندوق" تتحطم على صخرة توزيع الخسائر
تسعى الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، للحصول على دعم صندوق النقد الدولي، في أقل من 8 أشهر قبل بدء الانتخابات.
ولكن الدعم المرتقب من صندوق النقد رهن الإجابة على سؤال صعب يتحاشاه لبنان منذ انهيار الاقتصاد قبل عامين وهو: كيف سيوزع الخسائر الضخمة الناجمة عن انهياره المالي؟
وحتى الآن، الإجابة بسيطة للغاية: اللبنانيون العاديون هم من يدفعون الثمن وهم يشاهدون المدخرات تتبخر والعملة تنهار والسلع الأساسية تختفي من على أرفف المتاجر.
فجوة حجمها 90 مليار دولار
عندما وُضعت خطة العام الماضي حددت فجوة في النظام المالي حجمها 90 مليار دولار، لم تصمد أمام قصف البنوك التي شكت من أنها تجعلها تتحمل الكثير من العبء ورفض النخب الحاكمة التي كانت من دفع لبنان إلى أزمته.
ومنذ ذلك الحين، غرق لبنان أكثر في الأزمة بلا خطة ولا حكومة إلى أن أنهى السياسين المتناحرون المنتمون لطوائفهم عاما من المشاحنات واتفقوا على حكومة جديدة هذا الشهر.
ويحتاج رئيس الوزراء الجديد رجل الأعمال الملياردير نجيب ميقاتي وحكومته إلى إدراك حجم الخسائر والعمل على كيفية تقسيمها للوفاء بوعد للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي للإصلاحات الاقتصادية.
انهار النظام المالي في 2019 بسبب عقود من الفساد والهدر في الدولة والطريقة غير المستدامة التي كان يجري تمويلها بها. وكان المفجر هو تباطؤ تدفقات العملة الصعبة إلى النظام المصرفي الذي أفرط في إقراض الحكومة.
وقد تكون لميقاتي فرصة أفضل في محادثات صندوق النقد الدولي مقارنة بسلفه، وهو ما يعود لأسباب منها أن هناك الآن إقرارا سياسيا أوسع، بما في ذلك، على ما يبدو، داخل جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، بأن إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي هو الطريق الذي لا مفر منه للإنقاذ.
وفي ظل النقص الحاد في الوقود والأساسيات الأخرى وصولا إلى خفض فعلي بنسب تصل إلى 80% لقيم المدخرات في نظام مصرفي فقد قيمته، يقول كثيرون إن الأزمة تسببت في ألم يفوق حتى أصعب برنامج إصلاح يمكن تخيله من صندوق النقد الدولي.
وتقول مصادر سياسية إن عددا من الإصلاحات التي قد يسعى إليها صندوق النقد الدولي، والتي تشمل خفض الدعم وتوحيد أسعار الصرف المتعددة في الاقتصاد اللبناني الفوضوي القائم على النقد، صارت حقائق بالفعل في ظل شح العملة الصعبة.
عقبة توزيع الخسائر
ومع ذلك، لا يزال كثير من المحللين متشككين بشدة في إمكانية شروع الحكومة في إصلاحات مهمة، حتى لو تمكنت من بدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي أو حل مشكلات مثل نقص الوقود.
لقد كانت الحكومة من اختيار نفس النخب التي قادت لبنان إلى أزمته وسمحت لها بالتفاقم. وينتقد البنك الدولي لبنان لافتقاره "المتعمد" لوجود سياسة.
وعلاوة على ذلك، لا يتبقى أمام الحكومة سوى ثمانية أشهر قبل انتخابات ستكون الشغل الشاغل للأحزاب الرئيسية.
ويقول البنك الدولي إن هذا من أشد حالات الكساد منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي 40% بين 2018 و2020. وحتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975 و1990، استمرت قدرة البنوك على السداد والعمل.
وسيكون من الصعب إزالة العقبة الأولى أمام إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي، وهي الاتفاق على توزيع الخسائر. فقد واجهت خطة العام الماضي معارضة من الأطراف المعنية التي كان من بينها البنوك.
وقال جولدمان ساكس في تقرير إن التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة من المرجح أن "يكون من الصعب تحقيقه، ويمثل عقبة حرجة على الطريق نحو التعافي".
لكن مصدرا ماليا مطلعا على عمل صندوق النقد الدولي في لبنان قال إن هناك مجالا للتوصل لتسوية بشأن الخسائر وزخم كبير لصفقة صندوق النقد الدولي، مما يعني أن هناك احتمالا "أكبر بكثير" للتوصل إلى اتفاق.
وبينما لا تزال بعض البنوك تأمل في أن تتبخر ديونها من خلال تحويل الودائع بالدولار الأمريكي إلى الليرة اللبنانية، قال المصدر إن البنوك أكثر استعدادا للإقرار بالحاجة إلى "إعادة هيكلة مناسبة".
وقال المصدر "ليس علينا أن نتحول إلى فنلندا أو السويد للوصول إلى برنامج صندوق النقد الدولي... علينا القيام بالحد الأدنى المطلوب، بما في ذلك الإقرار بالخسائر في القطاع المصرفي والبنك المركزي والاتفاق على توزيع عادل لهذه الخسائر".
وأضاف المصدر أنه يتعين أيضا تمرير قانون مراقبة رأس المال وتوحيد أسعار الصرف.
صندوق النقد "مستعد"
قال صندوق النقد الدولي إنه أجرى مكالمات مع أعضاء بالحكومة الجديدة، وإنه على استعداد للمشاركة.
وقالت الحكومة إنها ستجدد وتطور خطة العام الماضي، والتي تضمنت أرقاما لاقت قبولا من صندوق النقد الدولي.
كانت تلك الخطة قد أثارت غضب البنوك، ويرجع ذلك لأسباب منها وجود مخصصات لإنقاذ مالي من المساهمين سيشطب رؤوس أموالهم.
وردت البنوك باقتراحها الخاص، والذي شمل إنشاء صندوق أصول حكومي حجمه 40 مليار دولار للمساعدة في تسوية الديون.
كما تمسك رياض سلامة، محافظ المصرف المركزي منذ 1993، بموقفه بشأن الخسائر في العام الماضي، وخرج مشرعون يمثلون الفصائل داخل النخب الحاكمة بأرقام تتراوح بين ربع ونصف المبلغ الذي تشير إليه الخطة.
ووزير المالية الجديد هو يوسف خليل المسؤول السابق بالمصرف المركزي.
وقال آلان عون العضو البارز في التيار الوطني الحر الذي أسسه عمه الرئيس ميشال عون إن من المتوقع الآن أن تعمل وزارة المالية والبنك المركزي معا بشكل أفضل للاتفاق على الخسائر.
وقال لرويترز "ما الذي تغير؟ الفريق تغير... في العام الماضي، قالت بعض الأحزاب 'لا مساس بالدعم أبدا'، وانظر أين نحن اليوم. الجميع يستسلم تدريجيا للإصلاحات، سواء بشكل طوعي أو لأنهم مجبرون على ذلك".
وقال "نحن في حاجة ماسة للحصول على الدولارات.. صندوق النقد الدولي يعد بالمساعدة، لكنها مشروطة بالانخراط في خطة مالية. سيكون الجميع مضطرا (للموافقة) هذه المرة".
لكن الحكومة تواجه تشككا هائلا.
فبرنامجها لم يقدم تفاصيل كافية بشأن الإصلاحات الرئيسية التي يسعى إليها المانحون، والتي تشمل إصلاح قطاع الكهرباء الذي تديره لبنان والذي يستنزف المالية العامة ولا يزال حتى الآن لا ينتج أي كهرباء تذكر.
وشكك نديم حوري المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي في أن تتواصل الحكومة الجديدة بجدية مع صندوق النقد الدولي.
وقال "أسمي هذه حكومة ترميم.. الحكومة التي من المفترض أن تحسن صورة الأحزاب التقليدية قبل الانتخابات المقبلة"، مضيفا أنها ستكون قادرة على إنفاق أكثر من مليار دولار توجه للبنان في إطار تخصيص عام لحقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي.
وقال "سيحققون الاستقرار بالبلاد ويروجون لذلك تحت اسم الإصلاحات".