يدخل لبنان مرحلة صعبة وقاسية على جميع الأطراف والأحزاب السياسية، حتى إن المساعدات الدولية لن تقدم دون مقابل.
وبخاصة مع تفاعلات وتداعيات الانفجار الكبير، ذلك يدعو بشكل أو بآخر إلى زج لبنان في جحيم لا ينطفئ سواء ما يتعلق بصراع الطوائف أو بمشاكل وأزمات الأحزاب اللبنانية البعيدة عن العمل الوطني، والتي ظلمت لبنان عبر السنين المنصرمة وأضرّت بمسيرته الحضارية والتنموية، عدا عن تداعيات الأزمات التي تجتاح لبنان، بما في ذلك الفراغ السياسي واستقالة الحكومة والأحزاب المتصارعة والجائحة الممرضة وانعكاس قانون قيصر على لبنان.
ومع تعثر تشكيل الحكومة نتيجة السباق على المحاصصة في الوزارات، في بلد مفلس من دون أي خطط واضحة، ورغبة سعد الحريري المكلف بالتشكيل الوزاري تأليف حكومة اختصاصيين غير حزبيين لوقف الانهيار الذي يعيشه البلد وإعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ، لكن الرئيس عون يطالب بحكومة تتمثل فيها الأحزاب السياسية كافة، سواء التي سمّت الرئيس المكلف أو التي اعترضت على تسميته، والتمسك بالحصول على الثلث المعطل وأبرز الوزارات المعروفة بالسيادية، وسواء تشكلت الحكومة أم تأخر تشكيلها، فإنها على الدوام تظل خاضعة لحسابات الزعامات الحزبية من حيث المحاصصة المطروحة لدى قيادات ومسؤولي الأحزاب، وعلى هواهم ودون التفكير بحاجات الناس أو تأمين المواد الحياتية والمعيشية، ورغبات هؤلاء ليست واردة في حسبانهم جرّاء سياسة التناحر الوزاري.
ولبنان المرهق اقتصاديا تلقّى تحذيرات من دول كبرى، أنه لن يكون على قائمة الدول المستحقة للمنح المجانية بسبب غياب الإصلاح، وفي هذا السياق وجهت القوى الغربية التي تسعى لإنقاذ اقتصاد لبنان المشرف على الانهيار، إنذاراً لقيادات البلاد، أن لا منح طالما لم تشكل حكومة تتمتع بالمصداقية لإصلاح الوضع في الدولة المفلسة وعلى وجه السرعة، إلا أن فئات متنافسة ما تزال تتصارع على النفوذ، ولم يشكل لبنان حكومة منذ الحكومة التي كان انفجار آب وتداعياته سبباً في انهيارها، وهكذا فإن الجمود الحالي وضع البلاد في حالة سبات وانهيار في الوقت الذي استنفدت ما لديها من احتياطيات أجنبية بسرعة، وتقدر هذه الاحتياطيات بمبلغ 17.9 مليار دولار، والرسالة الواردة من الفرنسيين الآن واضحة وهي "لا حكومة ولا إصلاح إذن فمع السلامة وشكرا".
وترفض مجموعات الحراك الشعبي استعادة القوى السياسية لدفة اللعبة ومحاولات الالتفاف على مطالب اللبنانيين، وتؤكد أن مطالبها الأساسية كانت وستبقى تنحّي رئيس الجمهورية المسؤول الأول عن حالة الانهيار الاقتصادي والسياسي في لبنان، كما أنها مصرة على موقفها في إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وفق قانون انتخابي يكرس صحة التمثيل، وأنها مستمرة في تحركاتها حتى إسقاط ما تسميهم "مافيات الحكم" المتحكمة بمفاصل البلد، ولن تسمح بتمدد أحزاب السلطة على حساب الشعب، وعن احتمالات تشكيل جبهة معارضة لأحزاب سياسية متخاصمة مع التيار الوطني الحر لمواجهته سياسياً، تؤكد أنها غير معنية بحفلات الصراع لتقاسم المغانم والاتفاقات على شكل الرئيس القادم لضمان بقاء مصالحها، وترى أن الانتفاضة الشعبية ستكون السد المنيع في استحقاقات لبنان الكبرى وأبرزها الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مطالبات بعض الأطراف السياسية والاجتماعية والمدنية باستقالة عون مذكرين البطريرك الراعي أن الرئيس عون كان يعلم بوجود مادة نيترات الأمونيوم قبل انفجارها في مرفأ بيروت وأية طائفة لا تشكل الخط الأحمر، إنما لبنان الخط الأحمر وبداية الإصلاح يكون باستقالة الذين حوّلوا لبنان إلى مافيات مازالت تتحكم بشؤون لبنان ومن أعلى السلطة ومحاسبتهم، فهم الذين أوصلوا لبنان إلى الانهيار الكبير.
الرئيس اللبناني العماد ميشال عون تولى رئاسة البلاد في نهاية تشرين الأول 2016م ووفقاً للدستور اللبناني تستمر ولايته لمرة واحدة لمدة ست سنوات، أي تنتهي في تشرين الأول 2022م وسبق لمجلس النواب أن عدّل الدستور للتمديد للرئيس الأسبق إميل لحود، وهو أمر مستبعد حالياً، ورغم أنه ما زال أمام القوى السياسية والنيابية والشعبية عامان على انتخابات الرئاسة، فإنه يبدو مع تدهور الوضع في البلاد أن معركة الرئاسة قد انطلقت مبكراً، وقال البطريرك الراعي رداً على سؤال حول دعوات استقالة عون، خلال لقائه طلاباً في الجامعة اليسوعية :نحن نرفض هذا الموضوع فرئيس الجمهورية لا يُعامل بهذه الطريقة بل وفق الأصول الدستورية، رافضاً في الوقت عينه الحديث عن الفدرالية أو التقسيم في لبنان.
وتدل التراكمات المأساوية في لبنان على تفكك الدولة اللبنانية الموروثة من الحرب الأهلية، فإذا كان توقيع اتفاقات الطائف عام 1989م في المملكة العربية السعودية قد أنهى الصراع الذي خلّف أكثر من 150 ألف قتيل، إلا أن المحاصصة الوزارية ما زالت وبشكل طائفي قائمة ومتجذرة في لبنان، والأهم من كل ذلك أن وعياً سياسياً يتشكل في لبنان ويؤسس لهوية وطنية جديدة، ويتطلع إلى نظام جديد يطوي صفحة الحرب الأهلية، فهل تنجح الانتفاضة في تحقيق هذه النقلة في حياة لبنان السياسية؟ في ظل غياب قيادة واضحة وآليات لتنفيذ المطالب الشعبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة