إن الذي ملأ اللغات محاسناً/ جعل الجمال وسره في الضادِ "أحمد شوقي".
في 18 ديسمبر، تتبدى لنا مبادرات مهمة لتعزيز اللغة العربية، مع وجود عدة حاضنات وأوعية وسلال للغة الضاد في دولة الإمارات العربية المتحدة كفيلة بتعزيز مكانتها نظرياً ومنهجياً. كما نشهد عدة مناسبات دورية يتعزز فيها الاهتمام باللغة العربية، ويزداد الانتباه إلى محاسنها وجمال تراكيبها ودقة تعبيراتها ودلالاتها.. فاللغة العربية أساس وحدة الأمة ومرآة حضارتها.
وقد تصدت وزارة الثقافة والشباب بدولة الإمارات لمهمة تاريخية، بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، بإطلاقها تقريرَ حالة اللغة العربية ومستقبلها، وهو أول تقرير بحثي يرصد حالة لغة الضاد، ليكون أساساً لمقاربة حول تحديات اللغة العربية بطريقة علمية. إنه تقرير شديد الأهمية في زمن ثورة التكنولوجيا والمعلومات والقرية الكونية. ولا غرابة في أن يدرك صاحب السمو الشيخ من محمد بن راشد، وهو الشاعر وفارس الكلمة، قيمة اللغة العربية وثرائها الواسع، ويصدر توجيهاته للوزارة بتلك المهمة.
وأرى أنه ربما يكون بإمكان وزارة الثقافة والشباب مشكورةً، في تقريرها القادم، أن توصي بوضع معرفة اللغة العربية، نطقاً وكتابةً، ضمْن شروط التوظيف بالتوازي مع اللغة الإنجليزية في سوق العمل. وبهذا نعيد للعربية مكانتها ونربطها بسوق العمل، وهي اللغة الرسمية بموجب الدستور.
ومن المؤسف أن البعض أصبح يهمل اللغة العربية، بسيره على رجْل لغوية واحدة هي الإنجليزية، وهذا أمر يضر بموظف لا يتقن استخدام لغته الأم. لذلك ينبغي إقران لغة الضاد في جميع البلاد العربية بحاجة السوق، حتى لا تظل حبيسة الصندوق.
ولعل خير شاهد على قوة اللغة العربية هو ما عبرت عنه المستشرقة البلغارية «مايا تسينوفا» التي تقول: «بعد دراستي اللغة العربية، اكتشفت أنّه قد أصبح لفمي عقل». ونجد في ثراء اللغة العربية وقوتها أن قاموسها يحوي نحو 12 مليون كلمة دون تكرار، بينما قاموس اللغة الإنجليزية يحوي نحو 171.476 كلمة فقط حسب «قاموس أكسفورد». وتعد العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً، إذ يتكلمها ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة، إضافة إلى مليار ونصف مسلم يقرؤون بها القرآن ويصلون بها، وهي في المركز الثالث بين أكثر اللغات انتشاراً.
وقد وصف صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، اللغة العربية خير وصف بقوله: «اللغة العربية أرقى اللغات وأسماها وأجلّها وأعلاها، وزادها طيبة وعذوبة أنّ القرآن بها يُتلى، وأن الأذان بها يُرفع، وأن الصلوات بها تفتتح وتُختتم».
وبينما نطالب بتمكين اللغة العربية، ننظر إلى اليابان وكوريا الجنوبية والصين.. وهي دول مكّنت لغاتها وفعلّتها وأدخلتها في لغة البرمجيات وفي جميع مفاصل الحياة كجزء من شخصية وطنية استقرت بسماتها وترسخت.
ويحضرني هنا قول المستشرق الفرنسي إرنست رينان: «اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة». إنها لغة تتجلى قوتها وفرادتها في نصوص تعود إلى آلاف السنين، كأنما ولدتْ على ألسنة المتحدثين بها في تمام لا نقصان فيه. ومن «تمام اللغة» أن تواصل تطورها وازدهارها عصراً بعد آخر.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة