تُعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر تقدما في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لا يمكن تناوله بمعزل عن طريقة إدارتها للنظم المختلفة لها كدولة رائدة، من الاقتصاد إلى السياسة.
وهو ما حدا بها للتطلع لتطوير علاقاتها، بل وإعادة صياغتها بما يلائم التطلعات القوية للتحضر والذهاب إلى آفاق رحبة من العالمية.
مؤخرا خطت الإمارات خطوة نوعية باتفاقها مع الولايات المتحدة على شراء خمسين طائرة من نوع إف خمسة وثلاثين، وبكمية لم تصدرها واشنطن لكل من سبق وإن دفعت بهذا النوع لها، ومن بينها دول أوروبية لها تاريخ من الصداقة والتحالف مع الولايات المتحدة كبلجيكا (34)، وبولندا (32)، إضافة إلى سنغافورة (4 طائرات)، وكوريا الجنوبية (40).
ولعل ذلك جاء كثمرة للعلاقة التاريخية التي تربط الإمارات والولايات المتحدة والتي عنوانها الشراكة والتكامل، وذلك منذ كانت الأخيرة هي الدولة الثالثة التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الإمارات، وتفتح سفارتها على أرضها منذ عام 1974، ليتأسس سجل حافل بين البلدين يتضمن نقلات نوعية في كل المجالات؛ وصولا للتحالف الدولي ضد الإرهاب بالمنطقة ومحاربة داعش طوال الفترة الماضية، وحرص الإمارات على الحضور بقوة ضد بؤر الإرهاب في هذا السياق، بل والمشاركة في دعم الشرعية في اليمن للحيلولة دون تمدد إيران هناك وابتزازها وتحريكها للدمى من الحوثيين وغيرهم.
وقد حاول البعض التشكيك بإمكانية حصول الإمارات على الطائرات الأمريكية، لكن الواقع قال كلمته في هذ السياق، حيث أعلنت واشنطن أن مجلس الشيوخ أقر الصفقتين بواقع 50 صوتا مقابل 46 للطائرات المسيرة و49 مقابل 47 لمقاتلات إف 35، وعقب ذلك صدر عن البيت الأبيض بيان تضمن أن المبيعات تدعم بشكل مباشر سياسة الولايات المتحدة الخارجية، واصفا الإمارات بأنها شريك مهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فيما نشرت صحف أمريكية شهيرة بـ"أن الإمارات أصلا تمتلك قوة عسكرية جوية مثيرة للإعجاب، ولديها سجل حافل في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، والدفاع عن الشرعية في اليمن"، مسلطة الضوء على تنوع العتاد الإماراتي وتطوره في مجالات عدة تشمل المقاتلات، وطائرات النقل، والتدريب، ونظم الإنذار المبكر والتحكم، ما يجعلها ضمن الأقوى في المنطقة، وإلى أن الإمارات الدولة الوحيدة في العالم بجانب الولايات المتحدة التي تمتلك نظام "ثاد" المضاد للصواريخ؛ وهو ما يفضي في النهاية إلى أن التعاون العسكري بين واشنطن والإمارات هو استمرار لحالة تفوق عسكري إماراتي لا غنى له عن اتفاقيات الدعم والتحالف والمؤازرة.
ولعل مجمل ما سلف يلخص العلاقة الإماراتية الأمريكية وخلاصتها منذ بداياتها حتى اليوم، ونخلص من خلاله إلى أنها استراتيجية لا تقوم على الاستقطاب والآفاق الضيقة أو الأحوال المؤقتة؛ بقدر ما تتأسس على التحالف وتشابه الأهداف والرغبة في التطوير والذهاب نحو عالم آمن خالٍ من الصراعات بقوة الردع والدفاع والهجوم إذا تطلب الأمر، وفي ذلك ما يدفعنا هنا للمضي نحو تساؤلات مهمة تتعلق بالغد ومستقبل هذه العلاقة مع صعود الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى سدة الحكم في واشنطن، وهو متغير ربما لا يكون له عظيم التأثير اقترانا بأن العلاقة الثنائية مرهونة بما بين الدول لا ما بين الرؤساء، ومرتبطة وثيقا بمصالح الشعبين والدولتين وتطلعاتهما المشتركة ومعالجاتهما لمختلف الملفات السياسية التراكمية التي تشخص وتلخص الموقف.
وحسب مراقبين فإن هنالك إشارات من بايدن ومستشاريه على أن إدارته ستعامل الشرق الأوسط كمنطقة ذات أهمية مستمرة للولايات المتحدة، وقد تسعى إلى ضغط دبلوماسي جديد من الولايات المتحدة للتخفيف من التوترات وتعزيز الاستقرار في جميع المجالات؛ لذلك، هناك الكثير مما يمكن العمل عليه مع إدارة بايدن، والخلاصة أن الولايات المتحدة إذا ما قررت استكمال دورها وتطبيق سياساتها في الشرق الأوسط؛ فإنه لا يمكن لها فعل ذلك إلا بالتنسيق مع حلفائها ومساهمتهم الفاعلة في وضع الخطط والبرامج في هذا السياق، ومن بينهم دول الخليج كافة خاصة الإمارات والسعودية، وهو ما يؤكد على متانة وقدرة المستقبل ونبوءاته التي تشير لاستمرار فاعلية دولة الإمارات وصوابية انتقائها للحليف والنصير والصديق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة