لبنان وإسرائيل في 2020.. عام "بلا حدود"
مفاوضات صعبة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، تأتي بعد سنوات من العداء، وعقب خطوات ووساطات، معلنة بدء مرحلة جديدة.
جلسات يأمل مراقبون أن تضع حدا لنزاع بيروت وتل أبيب على منطقة في البحر المتوسط، تبلغ نحو 860 كم مربعا، تعرف بالبلوك رقم 9 الغني بالنفط والغاز، خصوصا عقب إعلان الجانبين التوصل، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى "اتفاق إطار" لإطلاق مفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود.
إعلان بشر بانعكاسات إيجابية على اقتصاد لبنان في حال استطاع الاستفادة من ثروته النفطية، قبل أن تسقط الآمال على وقع انتكاسة أدت إلى وقف جلسة خامسة للمفاوضات كانت محددة في 2 ديسمبر/ كانون الأول، إلى أجل غير مسمّى.
خطوة جاءت نتيجة اختلافات بين لبنان وإسرائيل بشأن الخرائط، في مسار يدفع نحو التكهن بتأجيل المفاوضات التي تجري برعاية أممية ووساطة أمريكية، إلى مطلع 2021، أو إلى ما بعد تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
مرحلة جديدة
بغض النظر عن حيثيات المفاوضات، يرى محللون أن قرار إطلاقها يشكل منحى جديدا بمسار العلاقات اللبنانية الإسرائيلية، خصوصا أنها جاءت بعد مرحلة طويلة من الضغوط والعقوبات على حزب الله وبعد شهر على فرض عقوبات على وزيرين حليفين للمليشيا، بينهما أحد أبرز المقربين من رئيس البرلمان نبيه بري، الوزير السابق النائب علي حسن خليل.
ومن الناحية العملية، كان هناك شبه إجماع في لبنان على أهمية بدء الترسيم، مع إصرار المسؤولين على أم الخطوة لا تشكل – بأي حال- تمهيدا للتطبيع مع إسرائيل.
وأول من أعلن القرار كان رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وذلك في الأول من أكتوبر/ تشرين أول، مشيرا الى أن الجيش اللبناني سيتولى المفاوضات بقيادته الكفؤة، وضباطه ذوي الاختصاص، وبرعاية الرئيس ميشال عون، على أن تكون برعاية الأمم المتحدة التي تعقد الجلسات في مقرها بالناقورة جنوبي لبنان.
وحينها، قال بري إنه في حال تم التوافق على الترسيم، فسيتم "إيداع الاتفاق لدى الأمم المتحدة عملاً بالقانون الدولي والمعاهدات والممارسات الدولية ذات الصلة".
وذكّر بري بأن المباحثات بشأن الترسيم التي انطلقت بوساطة واشنطن، تناوب عليها من الجانب الأمريكي، ثلاثة سفراء بين عامي 2011 و2019، وأخيرا مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد شنكر في 2020.
وأشار إلى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى بيروت عام 2019، أعادت الملف إلى طاولة البحث بعد توقفه لمدة طويلة.
وأقرّ بري بأنه في حال نجح الترسيم، لا سيما في ما يتعلق بما يعرف بالبلوك 8 و9 النفطيين، فـ"هناك مجال كبير أن يكون أحد أسباب سداد ديوننا"، في وقت يرى فيه خبراء أنه كان يفترض أن يعول لبنان على هذه الثورة الاقتصادية لدعم اقتصاده وليس تسديد ديونه، غير أن الأزمة الناجمة عن استشراء الفساد أدت إلى هذا الواقع.
وبعد أسبوعين فقط من الإعلان الرسمي، انعقدت في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الجولة الأولى من مفاوضات وصفت بـ"التمهيدية" في منطقة الناقورة.
ولاحقا، عقدت 3 جلسات تضاربت المعلومات بشأنها، في ظل سياسة التكتّم التي يعتمدها الطرفان ولا سيما لبنان، فيما وصفتها الأمم المتحدة في بيانات لها بـ "المثمرة"، دون ذكر أي تفاصيل، لكن السجال الذي حصل بعد ذلك عكس تعثرها.
أزمة الخرائط
جدل غير مباشر تفجر بين لبنان وإسرائيل على خلفية الخرائط التي يفترض أن تكون محور المفاوضات، وذلك نتيجة اختلاف في مقاربة كل منهما، ما قاد نحو إعلان تأجيل جولة المفاوضات الخامسة التي كانت مقررة في 2 ديسمبر/ كانون أول الجاري الى أجل غير مسمّى، وتدخل واشنطن بوساطة جديدة.
السجال بدأ مع إعلان الرئاسة اللبنانية، عقب استقبال عون قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل)، أن "ترسيم الحدود البحرية يتم على أساس الخط الذي ينطلق براً من نقطة رأس الناقورة، استناداً الى المبدأ العام المعروف بالخط الوسطي، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية الفلسطينية المحتلة".
إعلان جعل إسرائيل تتهم لبنان بتغيير موقفه، محذرة من احتمال أن تصل المحادثات إلى "طريق مسدود" وعرقلة مشاريع التنقيب عن النفط، وهو الأمر الذي نفته بيروت عبر بيان للرئيس عون.
وحينها، قال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، في تغريدة عبر تويتر، إن "لبنان غير موقفه بشأن حدوده البحرية مع إسرائيل سبع مرات".
وأضاف أنّ "موقفه الحالي لا يتعارض مع مواقفه السابقة فحسب، بل يتعارض أيضاً مع موقف لبنان على الحدود البحرية مع سوريا التي تأخذ في الاعتبار الجزر اللبنانية القريبة من الحدود".
وتابع: "من يريد الازدهار في منطقتنا ويسعى إلى تنمية الموارد الطبيعية بأمان، عليه أن يلتزم مبدأ الاستقرار وتسوية الخلاف على أساس ما أودعته إسرائيل ولبنان لدى الأمم المتحدة"، معتبرا أن "أي انحراف عن ذلك سيؤدي إلى طريق مسدود وخيانة لتطلعات شعوب المنطقة".
وردا على ذلك، قالت الرئاسة اللبنانية في بيان، إنّ تصريحات شتاينتس بشأن تغيير لبنان لمواقفه في موضوع الحدود البحرية الجنوبية سبع مرات "لا أساس له من الصحة".
وشدّدت على أن "موقف لبنان ثابت من موضوع الترسيم البحري للحدود الجنوبية وفقاً لتوجيهات الرئيس عون للوفد اللبناني المفاوض، لا سيما لجهة ممارسة لبنان حقه السيادي".
حل وسط؟
ونتيجة هذا السجال، وإثر تأجيل جولة المفاوضات، زار الدبلوماسي الأمريكي، جون ديروشي، الذي يضطلع بدور الميسر في الجلسات، بيروت، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين لبنانيين لبحث قضية الترسيم، في محاولة منه لتقريب وجهات النظر وتخفيض سقف المطالب قبل أن ينتقل إلى إسرائيل للهدف عينه.
واجتمع الموفد الأمريكي بالرئيس اللبناني وقائد الجيش العماد جوزيف عون، وأعرب عن أمله في استمرار المفاوضات لما فيه مصلحة الجميع.
في المقابل، أبدى عون ليونة في الموقف اللبناني مع تأكيده على أن بيروت متمسكة بسيادتها على أرضها ومياهها، وتتطلع إلى نجاح مفاوضات الترسيم البحرية لأن ذلك يعزز الاستقرار في الجنوب، ويمكّن من استثمار الموارد الطبيعية من غاز ونفط.
ونقل بيان للرئاسة اللبنانية عن عون قوله إن الصعوبات التي برزت في الجولة الأخيرة للتفاوض يمكن تذليلها من خلال بحث معمّق يرتكز على الحقوق الدولية ومواد قانون البحار، وكل ما يتفرع عنها من نصوص قانونية.
وفي غضون ذلك، تقول مصادر مطلعة على المفاوضات لـ "العين الاخبارية"، إنه يبدو من الواضح أن الموفد الأمريكي يبذل جهودا لاستمرار هذه المفاوضات، وهو ما قد يؤدي الى التوصل الى حلّ وسطي بين المطلبين اللبناني والاسرائيلي.
ورجحت المصادر أن يتم إرجاء جولة المفاوضات المقبلة إلى عام 2021 أو حتى إلى ما بعد تسلّم بايدن منصبه، باعتبار الدور الأساسي الذي تلعبه واشنطن في الملف.
وأكدت المصادر على أن لبنان قدّم خرائطه، لكنه مستعد - كما قال عون للموفد الأمريكي- للتفاوض بشأنها، مع تأكيده على التمسك بسيادته وحرصه على الاستفادة قدر الامكان والإسراع في استخراج الغاز والنفط، وهو الهدف نفسه بالنسبة لإسرائيل.
وتشمل مفاوضات ترسيم الحدود مساحة بحرية تمتد على حوالى 860 كيلومتراً مربعاً، بناء على خريطة أرسلت في 2011 إلى الأمم المتحدة.
وفي وقت لاحق، اعتبر لبنان أن تلك الخريطة انطلقت من تقديرات خاطئة، مطالبا بالاستناد إلى خرائط قدمها بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومتراً مربعاً، تشمل جزءاً مما يعرف بحقل "كاريش" الذي تعمل فيه شركة انرجيان اليونانية، في مسار وصف بـ "حرب الخرائط".
وذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام" في لبنان أن بيروت قدّمت خلال المفاوضات مستندات ووثائق وخرائط تثبت حقها في حدود مياهها البحرية، وفقا لقانون البحار المعترف بها، وتتشبث بحقها من مساحته البحرية البالغة 1430 كيلومترا مربعا، أي ما مجموعه 2290 كيلومترا.
في المقابل، وجّهت وزارة الطاقة الإسرائيلية، مطلع نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، رسالة إلى الشركة اليونانية، أكدت فيها أنه "ليس هناك تغيير ولا احتمال تغيير في وضع المياه الاقليمية الإسرائيلية جنوب المنطقة المتنازع عليها وبينها بالطبع حقلا كاريش وتانين".
وفي 2018، وقع لبنان أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين من مياهه الإقليمية يعرف جزء منها بالبلوك رقم 9، وهو المتنازع عليه مع إسرائيل، ما يعني أنه لا يمكنه الاستفادة منه قبل الانتهاء من مفاوضات الترسيم.