كسْر العصا وعفَن الجزرة.. أزمة لبنان تنسِف "اللباقة الدبلوماسية"
نفد رصيد مجاملات الدبلوماسية لدى بعثات دول غربية في لبنان، وطفح كيل الصبر على أداء ساسة البلد، فخرجت تعبيرات بعض السفراء عن لباقتها.
فلم تعد لدى السفراء الأجانب في لبنان لباقة دبلوماسية للتعبير عن مدى امتعاضهم وإحباطهم من طبقة سياسية لا تتوقف عن تسوّل الدعم، بينما لا تقوم بأي خطوة في اتجاه إصلاحات ضرورية لحلحلة أزمة متجذرة والحصول على الدعم الدولي.
مستوى الإحباط دفع القائم بأعمال السفارة البريطانية لاستخدام لغة غير دبلوماسية في رسالة وداع نشرها على حساب السفارة على "فيسبوك"؛ إذ لم يتردّد مارتن لنغدن في أن يكتب "اعذروا أسلوبي الجاف: ولكن في قلب لبنان شيء عفن".
إحباطُ مستشرٍ
هذه العبارة "غير الدبلوماسية"، ليست الوحيدة؛ ففي لقاء منقول مباشرة عبر محطات التلفزة، لم تجد السفيرة الفرنسية آن غريو حرجاً في تأنيب رئيس الحكومة حسان دياب الذي طالب المجتمع الدولي بتقديم الدعم بمعزل عن تشكيل حكومة جديدة، قائلة إن الانهيار "نتيجة أفعالكم جميعاً منذ سنوات في الطبقة السياسية. هذه هي الحقيقة".
قطع التلفزيون الرسمي البثّ أثناء حديث الدبلوماسية الفرنسية لم يمنع انتشار فيديو مداخلتها كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان: "توبيخ ساسة لبنان".
ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي في بيروت: "من الواضح أن هناك إحباطاً كبيراً من الطبقة السياسية لأنها غير قادرة على إعطاء الأولوية للمصلحة العامة على حساب مصلحتها الشخصية".
وفي تجلّ للإحباط المستشري بين البعثات الدبلوماسية الغربية من وضع لبنان، يوضح الدبلوماسي الفرنسي أن "ثمة استعدادا دوليا لمساعدة لبنان. لكن للأسف لسنا حتى قادرين على القيام بذلك".
الدبلوماسي الفرنسي وضع يده على جرح الأزمة، مبينا أسباب تعثر المبادرات في الوصول إلى حل قائلا: "لأننا لا نجد محاورين أمامنا، أو نجد أنفسنا أمام محاورين ليست لديهم إطلاقاً الإمكانات أو القدرة على العمل".
وفي مواجهة هذا الانسداد الذي يغلق الأفق السياسي، يتحرّك المجتمع الدولي للضغط على الطبقة السياسية، بالتلويح بفرض العقوبات على مسؤولين، كما أعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لهم أول أمس الإثنين.
العصا والجزرة
التلويح بفرض العقوبات على المسؤولين عن التعطيل، يقول وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إنه "سيشكل ذلك أداة ضغط على السلطات اللبنانية لتدفع باتجاه تشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات أساسية"، منبهاً الى أن لبنان "في طور تدمير ذاته".
وفي سعي دولي آخر تعتزم فرنسا مع الأمم المتحدة تنظيم مؤتمر دعم إنساني خلال الشهر الحالي، هو الثالث منذ انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من أغسطس/ آب، ينتظر أن يتيح تسليط الضوء مجدداً على "التداعيات الإنسانية" الناجمة عن "الشلل السياسي"، بحسب مسؤول رفيع في المنظمة الأممية.
لكنّه المسؤول الأممي نبّه في الوقت ذاته في تصريح لوكالة "فرانس برس" إلى أن "المساعدة الإنسانية لا يمكنها أن تشكل حلاً دائماً" و"لا أن تحلّ، بأي حال من الأحوال، مكان دور الدولة ومسؤولياتها".
ويغرق لبنان في انهيار اقتصادي رجّح البنك الدولي أن يكون من بين ثلاث أشدّ أزمات في العالم منذ العام 1850. ولم تتمكن القوى السياسية المتناحرة من تشكيل حكومة منذ 11 شهرا يشترط المجتمع الدولي قيامها بإصلاحات جذرية ليقدّم دعماً مالياً للبلاد.
وتتبادل الأطراف السياسية الاتهامات بالتعطيل، فيما تتعمّق معاناة اللبنانيين يوماً بعد يوم: تدهور جنوني لليرة ينعكس ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والخدمات والوقود، أزمة أدوية وساعات تقنين في الكهرباء تصل الى 22 ساعة، بينما انتفخت فاتورة المولدات الخاصة على وقع شح الوقود.
هل ضاعت الفرصة الأخيرة؟
واليوم الثلاثاء قضت تغريدة لرئيس الجمهورية ميشال العون، على أمل تقديم رئيس تيار المستقبل رئيس الوزراء المكلف رفيق الحريري لقائمة تشكيل وزاري، بعد رسالة سلبية من قصر بعبدا.
وكشفت مصادر من تيار المستقبل اللبناني لـ"العين الإخبارية" عن إلغاء زيارة الحريري إلى قصر بعبدا بعد تغريدة عون التي اعتبرت رسالة استباقية سلبية.
وغرد عون عبر حسابه الشخصي على "تويتر" قائلاً: "من يريد انتقاد رئيس الجمهورية حول صلاحيته في تأليف الحكومة، فليقرأ جيداً الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور".
وتغريدة عون تأتي تأكيداً على أنه "هو شريك في تأليف الحكومة، وليس فقط لتلقي الأسماء التي تتضمنها التشكيلة".
وتنص المادة التي أشار إليها عون أنه "يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم".
وهذه المادة هي مدار سجال دستوري بين الحريري وعون والخبراء الدستوريين، وتنقسم حولها الآراء بين من يفسرها أنها تدل على شراكة في تأليف الحكومة، وهذا الرأي يؤيده رئيس الجمهورية وفريقه وبين من يقول إنها تمنحه الحق فقط بالقبول أو الرفض، ولا تعني المشاركة في التأليف.
وكان من المتوقع خلال الزيارة التي يرجح أنها ألغيت أن يطلع الحريري الرئيس اللبناني على تشكيلة حكومية جديدة من 24 وزيراً، تكون بمثابة آخر عرض وزاري يقدمه قبل أن يتجه نحو الاعتذار عن عدم استكمال المهمة في حال رفضها، بحسب مصادر.