حلقة نقاشية بـ"العين الإخبارية".. "سيناريوهات ما بعد استقالة الحريري"
" العين الإخبارية" نظمت حلقة نقاشية تناولت أبرز السيناريوهات في أعقاب استقالة حكومة سعد الحريري، ومستقبل الحراك في لبنان.
حالة من الزخم أضحت تكتنف المشهد اللبناني منذ خروج تظاهرات حاشدة قبل نحو أسبوعيْن مطالبةً بإسقاط النظام لاسيما عقب استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري خاصة مع عدم تبلور قيادات وكوادر جديدة كبديل للتركيبة السياسية الحالية.
ورغم حالة التفاؤل التي سيطرت على آراء كثير من مراقبي المشهد بأنْ يكون الحراك الجماهيري، الذي رفع شعار "كلن يعني كلن" خطوة أولى على طريق تأسيس دولة وطنية تنصهر في بوتقتها كافة الولاءات الضيقة إلا أنَّه لا يزال تفاؤلًا مشوبًا بالحذر خشية انزلاق لبنان إلى الفوضى أو تكرار السيناريو السوري.
حالة الحذر تأتي في ظل اتجاه أنصار حزب الله إلى استخدام القوة وحرق خيام المعتصمين بساحة رياض الصلح، وسط بيروت، وعدم اتضاح الرؤية عقب تقديم الحريري استقالة حكومته؛ لتثور جملة من التساؤلات حول مستقبل الدولة اللبنانية.
وللرد على هذه التساؤلات، عقدت "العين الإخبارية" حلقة نقاشية بعنوان "لبنان.. سيناريوهات ما بعد استقالة الحريري" أدارها الدكتور عبد المنعم سعيد الكاتب والمفكر المصري، وسلطت الضوء على تطورات الأوضاع ومناقشة السيناريوهات المحتملة في المشهد اللبناني.
محفِّزات الحراك الشعبي اللبناني
الكاتب والمفكر اللبناني، محمد سعيد الرز، تحدث عن أبرز مسبِّبات الغضب الشعبي في بلاده والتي تتمحور حول تفاقُم الأزمة الاقتصادية مما حدا برئيس الجمهورية ميشال عون إلى إطلاق تصريح يفيد بأنَّ لبنان قد أضحت على حافة الإفلاس بالإضافة إلى تردي الخدمات الاجتماعية المقدَّمة للمواطنين لا سيما أزمة التيار الكهرباء؛ إذ لا يحصل المواطنون على الكهرباء سوى 4 ساعات فقط على مدار اليوم.
واعتبر الرز أنَّ الانتفاضة اللبنانية الآنية قد تجاوزت الطوائف والعصبيات والحزبية رافعةً مطالب ثلاثة رئيسية ألا وهي إسقاط حكومة "الحريري" وتشكيل حكومة تكنوقراط فضلًا عن إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس مبدأ "لبنان دائرة واحدة".
ورغم الاستجابة للمطلب الأول بتقديم الحريري استقالة حكومته إلا أنَّه من المتوقع أنْ يظل المتظاهرون في الشارع كضمانة لتحقيق المطالب الأخرى.
وحول دوافع الحراك الجماهيري، قال إدموند بطرس، رئيس مجلس شؤون الأقليات بلبنان، إن المتظاهرين انتفضوا ضد فساد الطبقة السياسية.
وأوضح أنَّ الإشكالية ليست في نظام المحاصصة الطائفية؛ فالاستقطابات والتجاذبات بين مختلف القوى هي سياسية بالأساس ولكنها اصطبغت بصبغة الطائفية. ومن ثم فمن الأهمية بمكان التركيز على مطلب إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أنْ يُجْرى أولًا تعديل القانون الانتخابي.
بدوره، قال محمد مجاهد الزيات، عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إنَّ الحراك اللبناني الراهن يتشابه كثيرًا مع التظاهرات الجماهيرية التي خرجت عقب اغتيال "رفيق الحريري" في عام 2005.
وتابع: "بيْدَ أنَّ التظاهرات الأولى كان هدفها التحرُّر من الضغوط الخارجية إنما المظاهرات الراهنة فهي لا تتحدث حتى هذه اللحظة عن ضغوط خارجية وإنما مطالبها داخلية بعضها يستحيل تحقيقه، ومن المستبعد إجراء انتخابات نيابية مبكرة".
فيما اعتبر الكاتب الصحفي بالأهرام، أيمن سمير، أنَّ الأزمة اللبنانية قد تبدو في ظاهرها ومن خلال الشعارات والمطالب المقدَّمة من المتظاهرين اقتصادية محضة ولكنها في حقيقة الأمر هي أزمة سياسية، ومنبعها بالأساس سيطرة حزب الله على جُلّ مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، شركة الاتصالات، التي كان من المفترض أنْ تدر أرباحًا للحكومة بقيمة 5 مليارات دولار، ويسيطر أيضًا على الجمارك سيطرة كاملة التي كان من المقرر أنْ تبلغ أرباحها نحو 2 مليار دولار.
وأشار إلى أن حزب الله يستأثر بكل هذه الأرباح وتُحْرم منها الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى ذلك، كانت المؤسسات الدولية المانحة ستقدِّم نحو 11 مليار دولار حال إقرار الموازنة العامة للدولة التي لم يتم إقرارها إلا بنزول الجماهير إلى الشارع.
وأضاف سمير أنَّه رغم القرار الجيد الذي اتخذه "الحريري" بالاستقالة، والذي يُحْسَب له إلا أنَّه ثمة اتهامات عدة وُجِّهت له بالتماهي مع أجندة حزب الله، والتغاضي عن مصالح تيار 14 آذار لصالح حزب الله.
«كلن يعني كلن»: حزب الله في مرمى الهجوم الشعبي المباشر
نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قالت إنَّ الحراك الشعبي في لبنان استطاع أنْ يحقِّق كثيرًا من الانجازات؛ فقد تمكَّن، ولأول مرة، من إخراج الشارع اللبناني من قبضة حزب الله عابرًا الطوائف دونما أية هيمنة من الحزب على الجماهير، واتضح هذا الأمر بصورة جلية في الشعار الذي رفعه المتظاهرون "كلن يعني كلن"، وأضحى حزب الله في مرمى الهجوم المباشر.
وبالتالي، ليس بمستغرب تأكيد الأمين العام حسن نصر في تصريحاته منذ بدء الحراك على ضرورة إنهاء الحراك باعتباره يثير الفوضى ويدفع لبنان إلى أتون الحرب الأهلية؛ ذلك لأنَّ استمرار الحراك وزخمه يُحْرج حزب الله ويضعه في أزمة حقيقية. الأمر الذي قاد إلى المحاولات المستمرة لأنصار حزب الله للاعتداء على المتظاهرين في محاولة لإنهاء الحراك، وفق الأكاديمية المصرية.
وأضافت مسعد أنَّ اللبنانيين الذين رفعوا شعار "كلن يعني كلن" قد توحَّدوا حول مطلب آخر، بالإضافة إلى إسقاط النظام، ألا وهو كسر الطائفية. وبصرف النظر عن نجاحهم في إنهاء نظام المحاصصة الطائفية أو لا، فإنَّ المطالبة بإنهاء الطائفية يُعَد أحد أبرز مكاسب الحراك الجماهيري الذي شاركت فيه مختلف الأقاليم حتى تلك التي كانت تُحسْب خارج نطاق الحراك. فمدينة طرابلس على سبيل المثال، والتي كانت تُصَوَّر على أنها معقل للتيار المتشدد انضمت للحراك، وتوحَّد الجميع تحت شعار واحد لا يستثني أحدًا.
واتفق معها الكاتب والمفكر اللبناني، فادي عاكوم، بأنَّ ما حدث في الشارع اللبناني من حراك يعد خطوة أولى لإضعاف هيمنة حزب الله ومده في الأراضي اللبنانية.
وأضاف أنَّ إصرار حزب الله على عدم إسقاط الحكومة أو بالأحرى الإبقاء على شخصيات معينة نبذها الشارع اللبناني كـ"جبران باسيل"، على سبيل المثال، أفضى إلى تعقيد الأمور وزيادة الحنق الشعبي؛ ذلك لأنه لو تم استبدال باسيل أو شخصيات أخرى لهدأت حالة السخط الجماهيري قليلًا.
وتساءل عاكوم حول مدى قبول حزب الله بحكومة جديدة بعيدة عن الأشخاص الذين يثيرون حنق الشارع أم سيستمر بموقفه ويجري تشكيل حكومة بعيدة عن تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية وغيرهما من القوى التي تعارض سياساته على الأرض.
الخروج من خندق الطائفية
الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد كامل البحيري، قال إنَّ الحراك الشعبي اللبناني قد نجح في إحداث تغييرات عديدة في المكونات الطائفية بمعنى أن الشارع لم يَعُد أسيرًا للطائفية كما كانت الحال في السابق لا سيما الأجيال الجديدة، التي لم تعاصر الحرب الأهلية. ويمكن لهذه التغييرات أن تكمل مسيرتها لتصبح لبنان دولة وطنية عابرة للطائفية.
وأضاف البحيري أنَّ واحدًا من أبرز مكتسبات هذا الحراك هو انتهاء رمزية وقدسية بعض الطوائف والرموز وانتهاء الربط بين "النزاهة" و"المقاومة"؛ فمقاومة إسرائيل لم تعُد صكًا للنزاهة. ولا أدل على ذلك من اتهامات بالفساد قد وُجِّهت إلى نواب حزب الله اللبناني. لكن تبقى هناك إشكاليتان تواجه الحراك أساسيتان ألا وهما عدم بلورة زعامات لهذا الحراك حتى اللحظة الراهنة فضلًا عن عدم تبلور قيادات وكوادر جديدة كبديل للطبقة السياسية التقليدية.
واتفق معه فتحي محمود، الكاتب الصحفي بالأهرام، فيما يتعلق بغياب قيادة موحَّدة معلنة للحراك الجماهيري اللبناني.
واعتبر أن هذا يثير مشكلات عدة لعل في مقدمتها من الذي سيتولى عملية التفاوض نيابةً عن الجماهير. فغياب قيادة موحدة يشكِّل نقطة ضعف قد تفضي إلى سيطرة أحزاب وقوى أخرى وقفزها على حركة الشارع اللبناني.
لبنان.. إلى أين؟
وحول مستقبل الدولة اللبنانية في أعقاب استقالة "الحريري"، طرحت أستاذ العلوم السياسية نيفين مسعد مجموعة من السيناريوهات أبرزها أن الاستقالة رفعت سقف التوقعات.
وأضافت: "إذ بدأت الاستجابة لمطالب الحراك بإعلان وزراء حزب القوات اللبنانية استقالتهم من الحكومة ثم استقالة سعد الحريري ومن ثم ارتفاع سقف التوقعات بشأن استكمال البقية الباقية من الأجندة ألا وهي حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة ثم إسقاط رئيس الجمهورية ميشيل عون".
واعتبرت أن هذا السيناريو قد يعزِّر بقاء المتظاهرين في الشارع؛ ذلك لأنهم رأوْا أنَّه تدريجيًا يتم الاستجابة لمطالبهم.
أما السيناريو الثاني، وفق مسعد، فهو انقضاض الطرف الآخر المعادي للحراك، ألا وهو تيار حزب الله، على الحراك. وقد بدأ هذا الأمر بالفعل؛ إذ تناقلت وسائل إعلامية أنباء وتقارير أفادت باعتداء بعض من أنصار حزب الله على المتظاهرين. وقد يدفع هذا السيناريو إلى الإسراع بفض التظاهرات تجنبًا للتصعيد.
ويتمحور السيناريو الثالث حول رضا المحتجين عمَّا قد حقَّقه حراكهم حتى اللحظة الراهنة من إسقاط لحكومة الحريري. وبالتالي، تصبح الخطوة التالية هي الضغط الجماهيري باتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط كي لا تُتْرك الدولة للفراغ الشامل باستقالة "الحريري" و"ميشيل عون" وحل البرلمان.
واعتبر الكاتب الصحفي بالأهرام، فتحي محمود، أنَّ قيام عناصر من حزب الله بحرق خيام المعتصمين في ساحة رياض الصلح وغيرها بالتزامن مع استقالة "الحريري" تُعَد مؤشرات على أنَّ حزب الله لديه نية لفض الاعتصام وإنهاء التظاهرات بالقوة.
وأشار إلى أن الأيام القادمة قد تشهد تحركات مكثَّفة من حزب الله سواء على شكل خروج أنصاره في تظاهرات لتصوير الوضع على أنه "جمهور في مواجهة جمهور آخر" أو القيام بأعمال عنف.
ومن المستبعد، وفق محمود، أنْ يسمح حزب الله بانتخابات برلمانية جديدة؛ لرفضه قانون النسبية أو لبنان دائرة واحدة كما أنَّه ليس على استعداد لخسارة الأغلبية التي كان قد حازها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
فيما ذهب مجاهد الزيات إلى القول بأنَّ الحراك الجماهيري قد أفضى إلى اضطراب الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها السنية والشيعية والوطنية.
وأضاف: "وبالتالي، ستشهد الأيام المقبلة نوعًا من التقارب فيما بينها وتجاوُز أية خلافات قد تصاعدت في الفترة الأخيرة لأن مصلحتها الآن البقاء في السلطة".
وأوضح أنَّ الفترة القادمة قد تشهد صدامًا بين المتظاهرين أنفسهم خصوصًا أنَّ أنصار "الحريري" يدركون أنَّ استقالته تعني تراجع كتلة تيار الاستقلال والطائفة السنية بأكملها. وهذا يثير تساؤلًا حول إمكانية تحرُّك الجيش للفصل بين الأطراف المتنازعة تجنبًا لانزلاق البلاد إلى الفوضى.
حكومة تكنوقراط
رئيس تحرير الأهرام ويكلي، عزت إبراهيم، قال إنَّ الرئيس اللبناني ميشيل عون يضطلع في الوقت الحالي بعملية "جس النبض" لمعرفة الخطوة التالية، وربما يكون هناك تحضير للسيناريو الذي طرحه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق "وليد جنبلاط" ويتمحور حول حكومة تكنوقراط مطعَّمة سياسيًا خالية من الوجوه التي يرفضها الشعب.
وختامًا، أكَّدت الحلقة النقاشية على أنَّه رغم حالة الزخم السياسي التي يشهدها لبنان في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه، والتي تبدو معها الساحة مفتوحة على كل التوقعات بما فيها الاحتراب الأهلي، إلا أنَّه هذا السيناريو من الصعوبة بمكان تحقُّقه لسبب جوهري وهو أنَّ إيران لا تحتمل فتح جبهة جديدة في الوقت الذي تفامت فيه الأوضاع بالعراق بعنف شديد وبأعداد كبيرة من القتلى والمصابين.
aXA6IDE4LjE4OS4xNzAuMjI3IA==
جزيرة ام اند امز