متحف يجسد حلم لبنان بغزو الفضاء
المتحف من تصميم المهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيماير في طرابلس، وكان مجهولا حتى عُثر عليه بالصدفة، إليكم القصة الكاملة.
في ستينيات القرن الماضي، وبينما تخوض أغلب الدول العربية حربا ضروسا للتحرر من الاستعمار، سواء البريطاني أو الفرنسي، كانت الجمهورية اللبنانية على موعد مع مغامرة صاروخية لغزو الفضاء الخارجي، لكن قرار فرنسي-أمريكي مشترك قضى على حلمها؛ ليظل حبيسا بين جدران متحف غير مكتمل البناء، كان مجهولا حتى وقت قريب، واُكتشِف بالصدفة المحضة.
المتحف من تصميم المهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيماير، ويعد جزءا من معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، واكتشفه بالصدفة الفنانان جوانا حاجي توما وخليل جريج، والقيّمة الفنية كارينا الحلو، عندما كانوا يحضرون لمشروع "أطوار العمران" للفن المعاصر، ويفتتح بتنظيم من متحف "بيما" وجمعية "استوديوكور آرت".
وقالت الحلو، في هذا الصدد: "دعوت توما وجريج للمشاركة في المعرض لأنهما عملا على ثيمة التقدم وحلم لبنان بالوصول إلى الفضاء، خصوصا في فيلمهما الوثائقي (النادي اللبناني للصواريخ)، وحين كنا نناقش الفكرة التي ينويان العمل عليها، قال لنا أحد العاملين في المعرض إن الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب طلب من المهندس أوسكار نيماير تصميم متحف للفضاء".
المفاجأة كانت كبيرة، وفق توما، فـ"عملنا لسنوات طوال على البحث عن تجارب لبنان الصاروخية للوصول إلى الفضاء في ستينيات القرن الماضي، لم يخبرنا أحد بهذا المتحف، وعندما بحثنا في أرشيف الصحف، خصوصا (لوريون لو جور)، تأكدنا أن نيماير صمّم المتحف بطلب من الرئيس، وبُني تحت مهبط المروحيات الدائري الشكل في معرض رشيد كرامي".
المتحف وُضعت أسسه عام 1968 ولم يكتمل، وككل مباني أوسكار نيماير في معرض رشيد كرامي، كان ليصبح المتحف الأول من نوعه في العالم، وفق توما. وشرحت: "عندما دخلنا المتحف غير المكتمل، كان في حال يُرثى لها بعد اندلاع حريق كبير هناك حين كانت القوات السورية تحتل المكان قبل انسحابها في العام 2006. كانت هناك شاحنة متفحمة وكراسٍ بلاستيكية ملتصقة بالأرض، فعملنا على إزالتها، ونظّفنا المكان لنعرض فيه قصة حلم لبنان بالوصول إلى الفضاء والذي أُوقف بقرار فرنسي-أمريكي، وفق البحث الذي أجريناه والمقابلات مع المسؤولين عن النادي اللبناني للصواريخ".
في 28 تموز/يوليو 1962، وصل نيماير إلى لبنان، وفي ذلك الصيف أطلقت مجموعة من طلاب "جامعة هايكازيان" بقيادة أستاذ الرياضيات مانوك مانوكيان صاروخي "أرز1" و"أرز2" إلى الفضاء بمساعدة مهندسين مدنيين والجيش اللبناني.
ووفقا لما ذكرته صحيفة "الحياة"، أُجريت عميلتا البحث والإطلاق اللتان تهدفان إلى تطوير الدراسات والاستكشافات الفضائية، من خلال التمويل الذي خصَّصه الرئيس شهاب للنادي اللبناني للصواريخ قبل عام من ذلك؛ ما سمح للمجموعة بتطوير تجربة علمية ومعاصرة مذهلة.
ومن العام 1960 وحتى العام 1967، أطلق أكثر من عشرة صواريخ إلى الفضاء، قبل أن يتوقف المشروع فجأة.. ويندثر.
من العام 2011 وحتى العام 2013، صنع توما وجريج فيلما وسلسلة من الأعمال الفنيّة التي تتناول هذه المغامرة الفضائيّة السريالية، وإنما الجديّة تماما تستكشفُ هذه الـ"تحية إلى الحالمين" على نحو انتقادي، فترة ستينات القرن العشرين واليوتوبيا السياسية والحداثة والإخفاقات وأحلام الخيال العلمي وما يمكن أن ينتج عنها إذا ما أعيد تفعيلها اليوم.
نرى في نهاية الفيلم، الذي أنتج العام 2011، مشهد رسوم متحركة يصور زمنا افتراضيا حيث يستمر هذا المشروع في لبنان، ومتحف فضاء خاص بالمجتمع اللبناني، ولكن عندما صُوّر الفيلم، لم يكن أحد يعرف أن لدى لبنان هذا المتحف الحلم.
يجتمع هذان المشروعان المستقلان الواحد عن الآخر، والمرتبطان ارتباطا وثيقا في معرض "أطوار العمران" للمرة الأولى، تستجوب أبحاث توما وجريج وأعمالهما العلاقة بين مشروعين معاصرين لكن معطلين، هما "النادي اللبناني للصواريخ" و"متحف الفضاء" الذي بناه نيماير، والذي يقف شاهدا ثابتا على نشوء وارتقاء مفهوم غزو الفضاء، حد تعبير المعماري البرازيلي.
aXA6IDE4LjE5MC4xNjAuNiA= جزيرة ام اند امز