الرصاص في لبنان.. أزيز يصمت وأصابع على الزناد
هدوء نسبي تستعيده شوارع منطقة الطيونة اللبنانية، في حين يستعر لهيب سياسي متصاعد ينقل التركيز عن قضية المرفأ إلى هوامش الأحداث.
وضع يحاول استعادة استقرار هش على الأرض، فيما يعجز في أروقة السياسة عن إدراك توازن بتره حزب الله عبر تصعيد مفتعل، الخميس، وسط العاصمة بيروت عبر تفخيخ مظاهرة له تخللتها اشتباكات وإطلاق نار أسفرت عن سقوط 7 قتلى وعشرات الجرحى، وأعادت إلى الذاكرة الجماعية مشاهد الحرب الأهلية الأليمة.
مظاهرة نظمتها المليشيات بالمشاركة مع حركة أمل الشيعية، أمام قصر العدل في بيروت حيث وزارة العدل والمحاكم، والمكان لا يبعد كثيرا عن حيّ عين الرمانة المسيحي، في اختيار ملغوم يفضح نوايا خبيثة من وراء الاحتجاج المزعوم.
وجاءت المظاهرة احتجاجا على تحقيق يجريه القاضي طارق البيطار في قضية تفجير مرفأ بيروت، ويخشى حزب الله من أن يعطي القاضي إشارات إلى دور المليشيات أو ضلوعها مباشرة في تخزين مادة نيترات الأمونيوم التي انفجرت في المرفأ، وهو ما كشفه إصرارها على استبعاد القاضي من التحقيقات.
هدوء وعاصفة
هدوء نسبي قال إعلام لبناني إنه ساد، الجمعة، الطيونة غداة الاشتباكات وإطلاق النار، فيما يواصل الجيش اللبناني انتشاره بالمنطقة واعتقل 9 أشخاص، وسط دعوات من عواصم عربية ودولية إلى التهدئة.
أحداث شكلت نقطة ارتكاز حادة بالمشهد اللبناني المثقل أصلا بأزماته، لكن الجديد هو أنها أعادت بيروت إلى حقبة سوداء تزامنت مع الحرب الأهلية (1975-1989) والتي لا يزال صداها عالقا بالذاكرة الجماعية، وأحداثها الدامية تتردد كلما دوى صوت إطلاق النار.
مواجهات مسلحة يؤكد مراقبون أن حزب الله افتعلها مع سكان أحياء مسيحية بهدف إثارة النعرات الطائفية التي تعتبر بمثابة القنبلة الموقوتة في بلد تتعايش فيه طوائف عديدة، ويوزع فيه القانون المناصب العليا على أساس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية.
وعلى قدر الهدوء النسبي الذي يخشى متابعون للشأن اللبناني أن ينفجر في كل لحظة، يتعالى اللهيب في كواليس السياسيين وحتى أمام الكاميرات وعبر البيانات الملتهبة، مهددا بزلزال سياسي قد يدفع بقوة نحو استنساخ مشاهد الحرب المريرة، في حيثيات تمنح قناعة بأن المشهد برمته يبدو شبيها بأصابع تتشبث بزناد فيما يخيم الصمت على المكان.
ولم يكن انفجار الوضع على الأرض مستغربا، فالتهديدات التي أطلقتها المليشيات حال لم يتم استبعاد البيطار عن تحقيقات المرفأ، تجسدت سريعا من خلال الاحتجاج وما تخلله من أحداث.
ولاستكمال المسرحية، سارعت أوساط حزب الله إلى اتهام عناصر من القوات اللبنانية بإطلاق النار على المتظاهرين ممن استفزوا سكان الحي المسيحي، في مسار بدا منسجما مع أهداف المليشيات، بل إن محللين توقعوا أن تتذرع بسقوط قتلى لها للتركيز على القوات اللبنانية التي يتزعمها سمير جعجع، ونقل التركيز عن التحقيق في تفجير المرفأ ومصير القاضي البيطار.
حكومة بمهب الريح؟
أحداث الطيونة لم تكن سوى مشهد أعده حزب الله لاستكمال بنود مخططه بإزاحة البيطار، ما يعني أن الحكومة التي اضطرت لقطع مجلسها، الأربعاء، عقب تهديدات أطلقها أحد وزراء المليشيات، قد تجد نفسها في مهب الريح، خصوصا أن المليشيات لن تتوانى عن ممارسة الضغوط في اتجاه إعفاء القاضي البيطار من جهة والتحقيق في مقتل متظاهرين شيعة من جهة أخرى.
وبناء على ذلك، ستعمل المليشيات على أكثر من مستوى؛ الأول يشمل حرف التركيز عن تحقيقات المرفأ، والثاني تسليط الضوء وإجبار الرأي العام المحلي والدولي على متابعة مسرحية "المظلومية" التي يزعم حزب الله أنه تعرض لها بقتل أنصار له ودور عناصر القوات اللبنانية في ذلك.
سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية، رد بقوة على مزاعم حزب الله، وقال إن “السبب الرئيسي لهذه الأحداث هو السلاح المتفلت والمنتشر والذي يهدد المواطنين في كل زمان ومكان”، نافيا، في بيان له، أي تورط لحزبه في إطلاق النار ببيروت.
وأكد أن “ما حصل الخميس من أحداث مؤسفة على الأرض، وهي موضع استنكار شديد من قبلنا، ما هي سوى نتيجة عملية للشحن الذي بدأه السيد حسن نصر الله (زعيم حزب الله) منذ أربعة أشهر بالتحريض في خطاباته كلها على المحقق العدلي” في انفجار مرفأ بيروت.
في الأثناء، اطلع الرئيس اللبناني ميشال عون على مستجدات التحقيقات في أحداث الطيونة، مطالبا بسرعة إنجازها لتحديد المسؤوليات.
قلق دولي
الخارجية الروسية دعت السياسيين اللبنانيين إلى ضبط النفس والعمل البناء بعد أحداث إطلاق النار، وقالت الوزارة في بيان لها: "إن موسكو قلقة للغاية بشأن تنامي التوتر السياسي في لبنان. ونتوقع أن تواجه الحكومة المشكلة برئاسة نجيب ميقاتي هذا التحدي الخطير بعمل كبير وأن لاتسمح بتدهور الوضع في البلاد".
وأضاف البيان: "ندعو جميع السياسيين اللبنانيين إلى إظهار ضبط النفس والتمتع بالحكمة والعودة إلى العمل البنَاء المشترك من أجل حل القضايا الراهنة على الأجندة الوطنية على أساس الاحترام المتبادل والتوافق، وبدون تدخل خارجي".
من جانبه، قال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي: "نتابع الأوضاع في لبنان عن كثب، وندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والتخلي عن العنف".
أما الأمم المتحدة فأدانت "اللجوء إلى العنف المسلح في بيروت"، مشددة على أهمية إجراء تحقيق شامل ونزيه في انفجار المرفأ.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية، في تصريحات إعلامية بالمقر الدائم للمنظمة في نيويورك: "ندعو جميع المعنيين إلى الوقف الفوري لأعمال العنف والامتناع عن أي أعمال استفزازية أو خطاب تحريضي".
وأكد دوجاريك "ضرورة إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف في الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت العام الماضي".