أدب الرسائل.. حب وفضول وأحدثها "من مصر"
الكتب التي تحفل بأدب الرسائل تحصد نصيبا كبيرا من القراءة والاهتمام، سواء تلك التي تضم رسائل لمشاهير أو مجهولين.
تشغل الرسائل القديمة نصيبا لا يتضاءل من الاهتمام والقراءة، ليس فقط رسائل المشاهير وإنما رسائل العامة، المجهولين الذين تجمعهم الحكاية والسلوى، علاوة على رسائل الأعلام الأدبية التي ما زالت تحظى بنصيب وافر من الترجمات الحديثة إلى اللغة العربية، لعل أبرزها "رسائل كافكا إلى ميلينا"، و"رسائل بول أوستر وجي إم كوتزي" وغيرهما.
صدر خلال هذا العام كتاب "رسائل من مصر"، ويضم رسائل الكاتبة الشهيرة ليدي دوف جوردون، التي كتبتها بعدما وصلت إلى مصر عام 1862 للاستشفاء من مرض السُّل، حيث كان يُنصح بها كوجهة للاستشفاء لا سيما في صعيدها الحار ذي الطبيعة الجافة، وهناك كانت تقوم بإرسال رسائلها إلى زوجها وأمها وابنتها إلى أن تُوفيت ودُفنت في مصر، ويضم الكتاب أكثر من 120 رسالة.
أنجز ترجمة الرسائل من الإنجليزية الأديب المصري إبراهيم عبدالمجيد، الذي يعتبر أن الرسائل التي كتبتها الكاتبة الإنجليزية جوردون عامرة بحكايات التاريخ التي كانت تسود مصر في هذا الوقت.
ويقول لـ"العين الإخبارية": "كانت جوردون تكتب في رسائلها عن مشاهداتها لأهل الأقصر، والتسامح الديني الذي لمسته بين المسلمين والأقباط، وحول الحفاوة بها، والمرأة، والزواج، كانت المفارقة أنها كانت تستشفى من مرض السل، لكنها في الوقت نفسه كانت تُداوي بالأعشاب من حولها الذين كانت تنتشر بينهم الملاريا وغيرها من الأمراض، كانت تحكي عن هذا التداوي المُتبادل، بمحبة، حتى إنها كتبت في واحدة من رسائلها إنها ستموت بين أهلها في الأقصر، وفعلا دُفنت بها، وظلت تكتب تلك الرسائل منذ قدومها في 1862، حتى رحيلها في 1879".
ويضيف عبدالمجيد: "تتميز الرسائل بصدقها الشديد، ربما أكثر من أدب السيرة الذي كثيرا ما يكون مليئا بالحِكم، بخلاف الطبيعة الحُرة للرسائل، وانتشر لون أدب الرسائل أكثر في الغرب بحكم الطبيعة الأكثر صراحة وجرأة في هذا اللون، ولدينا أكثر من مثال لتسبب الرسائل في جدل وأزمات كما حدث مع رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان، والرسائل غالبا ما تكون مُثيرة لفضول القارئ".
وفي كتاب آخر حديث وهو "بعلم الوصول" جمع الكاتب المصري أحمد خير الدين خيوط عشرات الرسائل وحكايات أبطالها المجهولين، عبر رحلة بحث عن الخطابات لأكثر من عامين في أسواق الكتب القديمة، والتي بدأت معه بالصدفة، ثم قادته الصدفة لبحث أطول واقتناء لرسائل لا يعرف أصحابها، يكتبون لأحبائهم المُرسل إليهم عن الحب والفراق والشوق، والوحدة، يستشهد بعضهم بمقاطع من أغاني عبدالحليم، في وقت كانت الرسائل هي وسيلة التواصل بين الأسر المصرية، وسخّر خير الدين كتابه كمشروع للبحث عن الخيط الرفيع الذي يربط بين حكايات أبطال تلك الرسائل القديمة، وسياقاتهم الاجتماعية والتاريخية.
وقد شغلت الرسائل اهتمام الدكتور سيد عويس، عميد علماء الاجتماع في الوطن العربي، وأصدر كتابا بعنوان "من ملامح المجتمع المصري المعاصر: ظاهرة إرسال الرسائل على ضريح الإمام الشافعي"، الذي استطاع جمع أكثر من 100 رسالة أرسلت إلى ضريح الإمام الشافعي، الذي كان يجد الكثير من العامة والبسطاء في الحديث إليه سلوانا كبيرا، وقام بإعادة قراءة هذه الرسائل والقصاصات وتحليلها بمنظور علمي، وكتب عن الدوافع المشتركة لها منها الشعور بالظلم، والشكاوى في نطاق الأسرة والعمل، وضيق الحال.
يعتبر الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، في كلمته لـ"العين الإخبارية" أن الرسائل مصدر مهم من مصادر التاريخ، لا سيما مع ثورة الدراسات الاجتماعية ومنها التاريخ التي بدأت منذ الستينيات حتى الآن، فأصبح هناك شغف كبير بتاريخ الناس، والرسائل مادة حيّة تحمل مشاعر وأحلام وآمال الناس في الوقت الذي كُتبت فيه، ولأنها مكتوبة بحميمية فهي أصدق من كثير من الوثائق التي ربما أُضيف إليها كثير من الحشو والتنقيح".