رغم غياب «جيل سينمائي كامل».. مخرجون ليبيون يشقون طريقهم بالوثائقيات (خاص)
تشهد ليبيا نشاطا فنيا أشعله مؤخرا رواج صناعة الأفلام التسجيلية على يد مخرجين وصل إبداعهم للمنافسة في مسابقات وأحداث عالمية وحصد الجوائز.
ووفق المخرج الليبي الشاب محمد مصلي، أحد أبرز مخرجي الأفلام الوثائقية الليبية في الفترة الأخيرة، فإن "هناك جيلا جديدا لديه شغف بصناعة السينما والأفلام الوثائقية والتسجيلية، بخلاف ما كانت عليه الأجيال السابقة".
ويضيف في لقاء مع "العين الإخبارية" أن الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون كانت منفصلة عن وزارة الثقافة، لكن بعد إرجاعها للوزارة بجهود من رئيسها، عبدالباسط أبوقندة، سمح هذا بعودة نشاط وإنتاج الهيئة "التي سبق وعانت تخبّطا سياسيا غريبا، ونحن الآن لدينا لأول مرة في ليبيا مهرجان للأفلام، وهو شيء لم يحدث في ليبيا من قبل، لا في عهد الملك إدريس السنوسي، ولا في عهد معمر القذافي".
جيل بلا سينما
ويعرض مصلي الأسباب التاريخية والمعاصرة التي وقفت وراء ضعف إنتاج السينما في ليبيا، قائلا إن القطاع الخاص لا يرى جدوى من الاستثمار في إنتاج الأفلام، سواء الروائية أو الوثائقية؛ لسبب وحيد أن ليبيا ليس بها أي دار عرض سينمائية واحدة، وآخر دار عرض تأسست في ليبيا كانت في أواخر الثمانينيات، وبعدها تم غلق كل دور العرض.
وبتعبيره، فإن "ليبيا الآن بها جيل حالي كامل بلا ثقافة مشاهدة جماعية، ومن يزورون دور العرض في الخارج، في أثناء رحلات العلاج أو الدراسة أو السياحة، نسبة قليلة جدا، خاصة مع دخول تيارات دينية، ترى أن هذا انحلالا وتغييرا لثقافة المجتمع".
كما تتعامل بعض القنوات المحلية مع الأعمال الوثائقية والتسجيلية باعتبارها "تكملة للخريطة، وشيء غير أساسي تعرضه في أوقات ميتة؛ نظرا للانشغال بالتغطيات السياسية"، كما يقول المخرج الليبي.
وألقت الصراعات السياسية الداخلية المتواصلة منذ عام 2011، بظلالها القاتمة على صناعة الأفلام، ويلفت مصلي في هذا الصدد، إلى أن وزارة الثقافة أو الهيئة العامة للسينما شهدت السنوات العشر الماضية "تخبطا إداريا وصراعا على من يتولى المناصب، خاصة مع انتشار ظاهرة المحاصصة السياسية بين المناطق".
وفي لمحة تاريخية يقول: "في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت الشركات الأمريكية تنتج أفلاما في ليبيا، وفي الستينيات كانت تُنتج أيضا في ليبيا أفلام أوروبية، فليبيا تاريخها السينمائي أفضل من حاضرها".
مستقبل أفضل
رغم هذا، يتفاءل المخرج الليبي بالمستقبل مع وجود فنانين "شغوفين" بصناعة الأفلام الوثائقية والتسجيلية، ويوضح أن من بينهم مؤيد زابطية، وأسامة رزق، ومهند الأمين، ووهبة الشيباني المقيمة في بريطانيا، وغيرهم، لافتا إلى أنهم "يجتهدون بشكل ذاتي، وجميعهم يبحثون عن صناديق داعمة ومنح للإنتاج، خاصة أن الجميع يعاني صعوبة الخروج بعمله إلى الخارج، مع اختفاء دور المنتج الفني والمسوق الفعلي ذي العلاقات الواسعة".
وحسب رأيه، فإن الجيل الجديد يختلف عن الأجيال السابقة "حيث يعمل على الإنتاج الفني الإبداعي، على خلاف غيره الذي كان ينتج فقط، ليجد شركة إعلامية أو قناة تشتري منه إنتاجه".
ويرى مصلي أن بلاده بيئة خصبة للأفلام الوثائقية والتسجيلية، قائلا إن "ليبيا غنية بالأفكار التي تصلح لذلك، بطبيعتها المختلفة التي تتنوع ما بين شواطئ وأودية وصحارٍ وواحات وجبال، ومكونات شعبية مختلفة، وتاريخ لآلاف السنين".
ودعا المخرج الليبي إلى إنشاء صندوق لدعم الأفلام "كي تُتاح الفرصة للإبداع ولقطع السبيل على أي اتهامات قد تواجِه المبدع الليبي بالعمالة للممولين، أو فرض أفكار وثقافات بعينها".
مَن مصلي؟
محمد مصلي صانع أفلام وثائقية ليبي، عمل في العديد من القنوات المحلية ووظائف عدة، بدءا من مساعد مصور إلى مصور، فمدير تصوير، ثم مخرج ومنتج منفذ لإحدى القنوات الليبية.
اتجه مصلي لصناعة الأفلام الوثائقية، ولديه 4 أفلام نجحت في تمثيل ليبيا في مسابقات عدة، وحصدت جوائز هي: "حداد تاورغاء" سنة 2021، "إلى المجلس" 2022، و"حقوق تائهة" 2023.
والفيلم الأخير يعتز به مصلي، إذ شارك في 10 مهرجانات إقليمية ودولية، وحصل على 3 جوائز كبرى، من بينها أفضل فيلم وثائقي في المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي والروائي القصير بمدينة مدنين بتونس، وجائزة لجنة التحكيم لفئة الأفلام الوثائقية في مهرجان سينما المرأة والطفل الدولي بمسقط، وجائزة السلام والعدالة في مهرجان مينا الشرق الأوسط للأفلام في لاهاي، بهولندا.