ناشرون ومترجمون: الأدب الروسي "بالعربي".. قديمه كثير وحديثه نادر
اهتمامات الأدب الروسي الكلاسيكي في عصره الذهبي انصبت على الموضوعات الإنسانية والوجودية الكبرى ما ساهم في انتشاره بالعربية
شهدت سنوات الخمسينيات والستينيات خلال القرن العشرين قفزة في حجم الترجمات المقدمة عن الأدب الروسي في عالمنا العربي، إذ سعت دول عربية عدة إلى تبني الاشتراكية على الطريقة الروسية ما سهل من مهمة التواصل واكتشاف كنوز الأدب الروسي وإتاحتها أمام القارئ العربي لكن ما حال الأدب الروسي في أسواق النشر العربية اليوم؟
"العين الإخبارية" سألت ناشرين ومترجمين عن أهمية الأدب الروسي، فكانت المفاجأة بأنه يأتي في صدارة ما يبحث عنه القارئ، حيث تسعى دور نشر عديدة إلى إعادة ترجمة وطباعة العديد من الأعمال الكلاسيكية، إلا أن هذا الانتشار للأدب الكلاسيكي يقابله رقم ضعيف فيما يخص ترجمة العناوين والإصدارات الحديثة.
المترجم والروائي يوسف نبيل، قال: "إن انتشار الأدب الروسي الكلاسيكي لا يقتصر على مصر والعالم العربي فقط، بل يشمل هذا الانتشار أغلب أجزاء العالم"، مضيفا أن الأمر لا يتعلق بالعالم العربي بشكل حصري بل بعالمية وإنسانية هذا الإنتاج.
وأضاف أن اهتمامات الأدب الروسي الكلاسيكي في عصره الذهبي انصبت على الموضوعات الإنسانية والوجودية الكبرى، وبالتالي فهي موضوعات تشغل الجميع، وهو سبب هذا الانتشار، ومن أبرز هذه الموضوعات: وعي الإنسان بالموت، قضية الإيمان، الثورة والعنف، وما الذي يجعل الإنسان يشعر بالجدوى والحب، فضلا عن تناولها بأسلوب أدبي متميز.
وأشار مترجم يوميات "تولتسوي" إلى أن الأدب الروسي في تلك الفترة وصل إلى مستوى شاهق، على مستوى الشكل والمضمون، فإبداعات دوستويفسكي مثلا مثلت ثورة في علاقة الأدب بعلم النفس، وكذلك إنتاج تولستوي سواء في رواياته العملاقة: الحرب والسلام – آنا كارنينا – البعث، أو في أعماله القصيرة مثل وفاة إيفان إليتش.
ويضيف أن ظروفا معينة سمحت في هذا الوقت بتكوين مدارس أدبية عديدة أخرجت لنا عمالقة، كل منهما كان يسلم الراية للآخر. في روسيا نجد تولستوي يساعد جوركي وتشيخوف، ثم يساعد جوركي وكورولينكو شبابا مثل إسحاق بابل وغيره.
هذا الانتشار للأدب الكلاسيكي يقابله رقم ضعيف فيما يخص ترجمة العناوين والإصدارات الحديثة فيقول نبيل: "إن عدد العناوين الحديثة التي تصدر في روسيا ويتم ترجمتها للعربية ربما لا تتجاوز 20 إلى 30 كتابا، منذ ثمانينيات القرن العشرين سواء التي صدرت لكتاب رحلوا أو لا يزالون على قيد الحياة".
وأوضح أنه لا يمكننا أن نقول إن الأدب الروسي الحديث حظي بمثل هذا الانتشار في العالم العربي لأسباب عدة أهمها أننا لم نترجم بعد أعمالا روسية حديثة إلا القليل جدا، لذا لم يتكون بعد رأي عام حول الأعمال الحديثة في العالم العربي.
من جهته، قال مصطفى الشيخ، مدير دار آفاق للنشر، التي باشرت إعادة نشر بعض الأعمال المترجمة عن الروسية إن سبب الاهتمام بالأعمال الكلاسيكية بشكل أكبر من الأعمال الحديثة، قائلا: "إن هذه الأعمال أثرت في وجدان القراء في العالم العربي، فحتى يومنا هذا يتربع دوستويفسكي على عرش الأدب في العالم بأكمله، في حين أن الكتاب المعاصرين في روسيا لم يعلم عنهم القارئ شيئا، وكما أن القارئ عادة ما يطلع على أدب شعب ما من خلال الأعمال الكلاسيكية للتعرف على تطور الرواية".
وأضاف الشيخ لـ"العين الإخبارية" أن الأعمال التي ترجمتها دار آفاق هي أعمال كلاسيكية ولكن بعضها يترجم للعربية للمرة الأولى، بينها يوميات تولستوي الصادرة في 7 مجلدات، ورواية "سلاح الفرسان" لإسحاق بابل، و"حياتي" لأنطون تشيخوف صدر له ترجمة عربية قديمة، لكنها كانت عن اللغة الفرنسية، وتولستوي في الدين والعقل والأخلاق هو أيضا أول ترجمة عربية له. ولفت إلى أن هذه الأعمال تجد إقبالا واسعا في المعارض العربية لا سيما معرضي الشارقة وأبوظبي.
ويرجع وائل الملا، مدير دار مصر العربية للنشر والتوزيع، سياسة إعادة الترجمة لبعض الأعمال إلى حاجة الإصدارات السابقة لإعادة الترجمة، أو مراجعتها، لأن أغلبها جاء عن لغات وسيطة، مشيرا إلى أن دوستويفسكي وتولستوي من أفضل الكتاب على مستوى العالم في التاريخ، ولذلك فإن إعادة ترجمة أعمالهم بشكل مستمر أمر مفهوم برأيه.
ويرى الملا أن الأدب المعاصر والحديث في روسيا في حاجة إلى إلقاء الضوء عليه، مشيرا إلى أن الكاتبة الروسية سفيتلانا أليكسييفيتش لم يكن العالم العربي يعلم عنها شيئا قبل حصولها على نوبل عام 2015.
وتشير الكاتبة الروائية ضحى عاصي التي عاشت ودرست في روسيا إلى أن مجموعتها القصصية "سعادة السوبر ماركت" الصادرة عن دار ميريت في القاهرة ترجمت إلى اللغة الروسية تحت عنوان "لوجي يجب أن تعاقب" للمترجمة منى خليل، وصدرت عن دار نشر أرت هاوس الروسية التي تبنت مشروعا لترجمة الأدب المصري بشكل خاص بدأ قبل 5 سنوات، لكنه لم يستمر.
وتابعت عاصي "الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الروسية تحتاج إلى جهد ضخم لتسويق هذا النوع من الأدب بين القراء في بلد كبير ومتنوع مثل روسيا".
وأشارت إلى أن هذا المشروع أصدر أيضا ترجمات لروايات مصرية منها "أفراح القبة" للروائي الراحل نجيب محفوظ، وكتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" للكاتب ميلاد حنا، بالإضافة إلى ترجمة رواية "أن تكون عباس العبد" لأحمد العايدي.
وأضافت أن الترجمة العكسية عادة ما تكون من قبل المصريين الذين يعيشون في روسيا، أو بعض المستشرقين الروس في العالم العربي، مشيرة إلى مشروعات أخرى ترجمت رواية "عزازيل" الحاصلة على البوكر العربية للكاتب يوسف زيدان إلى اللغة الروسية.
وتابعت عاصي، التي من المقرر إقامة حفل توقيع لمجموعتها بمكتبة الآداب الأجنبية بموسكو في 17 أكتوبر الجاري، أن الأدب الكلاسيكي بشكل كبير على حساب الأعمال الحديثة يخضع لاعتبارات ربحية لأن الناشر عندما يترجم أو يعيد طباعة وترجمة عمل لأعلام الأدب الروسي سيجد له جمهورا على عكس ما ينشر كتاب لأحد الروائيين الجدد، لأن ذلك سيكون مغامرة في المقام الأول، وهو ما يحدث أيضا في ترجمة الأعمال العربية إلى الروسية، فهناك أجيال من كبار الكتاب والأدباء في البلدين لم نعلم عنهم.