ماكرون ونتنياهو.. خبراء يرسمون لـ«العين الإخبارية» مسارات التصعيد

رسم خبراء سياسيون فرنسيون عدة سيناريوهات محتملة للتصعيد بين فرنسا وإسرائيل، بعد توتر غير مسبوق في علاقات البلدين.
ورفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من حدة نبرته تجاه إسرائيل، ملوّحًا بعقوبات أوروبية إذا لم يتم فتح ممرات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة، إضافة إلى إمكانية دعم المحكمة الجنائية الدولية، والاعتراف المشروط بالدولة الفلسطينية.
وفي ظل أجواء توتر غير معهودة بين باريس وتل أبيب، رأى خبراء في شؤون الشرق الأوسط أن تهديدات ماكرون قد تكون بداية تحول حقيقي في الموقف الأوروبي، لكنها تواجه عقبات كبيرة داخل الاتحاد وموازين القوى الغربية.
وفي هذا السياق، قال الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بيير لوغان، لـ"العين الإخبارية" إن خيارات باريس تجاه التصعيد مع إسرائيل تُظهر تحوّلًا تدريجيًا في خطاب السياسة الخارجية الفرنسية، لكنه لا يزال محكومًا باعتبارات داخلية وأوروبية معقدة.
وأوضح أن "ماكرون يحاول إعادة تموضع بلاده كلاعب أخلاقي ووازن، لكن فرض عقوبات فعلية على إسرائيل يتطلب توافقًا أوروبيًا غير متوفر بعد".
وأشار إلى أن باريس أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية في تعاطيها مع الأزمة: المضي في فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل، موضحًا أن "هذا المسار هو الأقوى من حيث التأثير، لكنه الأصعب سياسيًا، إذ يتطلب إجماعًا من شركاء الاتحاد الأوروبي، وبعضهم يرفض المساس بالعلاقات الاستراتيجية مع تل أبيب"، يقول لوغان.
ويضيف أن "ماكرون يدرك أن التهديد بالعقوبات هو ورقة ضغط أكثر من كونه قرارًا حتميًا".
وأوضح أن السيناريو الثاني هو توسيع الدعم القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، موضحًا: "فرنسا يمكنها أن تلعب دورًا رياديًا في تعزيز شرعية المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما بعد صدور مذكرات توقيف ضد (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو"، لكن الباحث يُحذر من أن "الاصطفاف مع المحكمة بشكل مباشر قد يُعرض باريس لضغوط من واشنطن وتل أبيب معًا، وهو ما يتطلب توازنًا دبلوماسيًا دقيقًا".
ورأى أن المسار الثالث الذي يمكن أن تعتمده باريس هو تكثيف الاعتراف السياسي بالقضية الفلسطينية: "الاعتراف المشروط بالدولة الفلسطينية هو ورقة سياسية وأخلاقية بامتياز، ويمكن لفرنسا أن تستخدمها لإعادة تموضعها كوسيط نزيه في المنطقة"، بحسب لوغان، الذي يرى أن "المؤتمر المرتقب في نيويورك قد يكون فرصة لاستعادة المبادرة الدبلوماسية الفرنسية، إذا ما أحسنت باريس البناء عليه".
بينما رأى الباحث السياسي الفرنسي لوران بوانسو، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "ماكرون يعتمد على الضغط المعنوي والدبلوماسي أكثر من قدرته على فرض عقوبات حقيقية، لكنه يختبر صبر تل أبيب وقد يدفع بسياسات أكثر جرأة إذا تجاهلت دعواته".
وأعلن الرئيس ماكرون، خلال جولة له في آسيا، الجمعة، أنه مستعد لـ"تشديد الموقف" الأوروبي ضد إسرائيل إذا لم يتم فتح ممرات إنسانية في قطاع غزة خلال الساعات أو الأيام المقبلة.
وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحفي في سنغافورة، إن الاعتراف بدولة فلسطينية لم يعد "واجبًا أخلاقيًا فقط، بل ضرورة سياسية"، مشيرًا إلى أنه سيشارك في مؤتمر بالأمم المتحدة في 18 يونيو/حزيران لمناقشة هذا الموضوع، لكنه ربط الاعتراف بشروط محددة.
وأكد ماكرون أن على الأوروبيين "تشديد موقفهم الجماعي" ضد إسرائيل، في حال عدم وجود "استجابة تتناسب مع الوضع الإنساني خلال الساعات أو الأيام المقبلة" في قطاع غزة.
وأوضح أنه في هذه الحالة، ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن "يطبق قواعده"، ما يعني "إنهاء العمليات التي تتطلب احترام حقوق الإنسان -وهو ما لا يتحقق حاليًا- وفرض عقوبات"، في إشارة إلى اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والذي سيخضع لإعادة تقييم.
وأضاف: "نعم، علينا أن نُشدد موقفنا، لأن ذلك أصبح ضرورة ملحة اليوم، لكن ما زلت آمل أن تغيّر الحكومة الإسرائيلية موقفها، وأن نحصل أخيرًا على استجابة إنسانية".
الاعتراف المشروط بالدولة الفلسطينية
وتشارك فرنسا في رئاسة مؤتمر دولي بالأمم المتحدة إلى جانب المملكة العربية السعودية، من 17 إلى 20 يونيو/حزيران في نيويورك، لبحث حل الدولتين (الإسرائيلية والفلسطينية).
ورغم أنه لم يُعلن صراحة أنه سيعترف بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر، شدد ماكرون على أن "إنشاء دولة فلسطينية" وفقًا لشروط معينة لم يعد "واجبًا أخلاقيًا فقط، بل ضرورة سياسية".
ومن بين الشروط التي طرحها: تحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس؛ نزع سلاحها، وعدم مشاركتها في حكم الدولة الجديدة؛ بالإضافة إلى إصلاح السلطة الفلسطينية؛ واعتراف الدولة الفلسطينية المستقبلية بإسرائيل و"حقها في العيش بأمان"؛ وإنشاء بنية أمنية إقليمية شاملة.
وقال: "هذا ما سنحاول ترسيخه في لحظة مهمة يوم 18 يونيو/حزيران، وسأكون حاضرًا هناك".
عقوبات دبلوماسية محتملة
على المستوى الدبلوماسي، يمكن أن تتخذ فرنسا عدة إجراءات ضد إسرائيل تتجاوز التصريحات العامة والتهديدات.
ففي 20 مايو/أيار، طالب فابيان روسيل، زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي، على إذاعة "RTL" الفرنسية، باستدعاء السفير الفرنسي من تل أبيب، وهو إجراء سبق أن اتخذته باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 حين استدعت السفير الإسرائيلي، وتبعها البريطانيون بالخطوة نفسها.
وقد يشمل التصعيد تجميد أشكال معينة من التعاون بين فرنسا وإسرائيل، وصولًا إلى احتمال قطع العلاقات الثنائية في حال تفاقم الأزمة.
دعم المحكمة الجنائية الدولية
جانب آخر يمكن لفرنسا أن تضغط من خلاله على إسرائيل هو الجانب القانوني. فقد تصعّد دعمها للمحكمة الجنائية الدولية، ولا سيما فيما يخص التحقيقات الجارية بشأن جرائم الحرب في غزة.
وكانت المحكمة قد أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني مذكرة توقيف ضد نتنياهو. وتشير بعض المنظمات غير الحكومية إلى إمكانية فرض إجراءات شخصية بحق أعضاء الحكومة الإسرائيلية أو الجيش، مثل تجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين في انتهاكات القانون الدولي – وهو ما تم تطبيقه سابقًا على روسيا بسبب غزو أوكرانيا.
وفي بداية 2024، فرضت فرنسا عقوبات على 28 مستوطنًا إسرائيليًا متطرفًا تورطوا في أعمال عنف ضد مدنيين فلسطينيين في الضفة الغربية. وشملت العقوبات حظرًا إداريًا لدخولهم الأراضي الفرنسية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjM2IA== جزيرة ام اند امز