مالاوي.. انتخابات نزيهة وتحديات جسيمة
خاض الرئيس موثاريكا منافسة قوية، لم يكن بالإمكان التكهن بنتيجتها، لأجل الاحتفاظ بمنصبه الذي يتولاه منذ 2014.
أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات بمالاوي فوز بيتر موثاريكا، مرشح الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم، بولاية رئاسية جديدة، بحصوله على 38,57% من الأصوات، متقدماً بفارق ضئيل عن أقرب منافسيه لازاروس تشاكويرا، زعيم حزب مؤتمر مالاوي، الذي حصل على 35,4% من الأصوات، لتنهي بذلك جدلاً واسعاً صاحب العملية الانتخابية منذ بدايتها، حتى إعلان نتائجها النهائية، ولتمنح الفرصة مجدداً لموثاريكا لكي يقود بلاده القابعة في الجنوب الأفريقي لمدة 5 سنوات قادمة، من المؤكد أنها ستكون مليئة بالتحديات، خاصة على صعيد تحسين الاقتصاد، ومحاربة الفساد.
كانت اللجنة الانتخابية قد أعلنت فتح باب الاقتراع أمام 6.8 مليون ناخب، لاختيار رئيس للبلاد، من ضمن ثمانية مرشحين، وتشكيل برلمان جديد يضم 193 مقعداً، يتنافس عليها 1331 مرشحاً، ينتمون إلى 13 حزباً سياسياً، بخلاف المستقلين. بالإضافة لاختيار أعضاء ورؤساء المجالس البلدية، حيث يدلي الناخبون بأصواتهم من خلال 5006 مراكز للاقتراع، تتوزع عبر 28 مقاطعة بالبلاد.
منافسة شرسة
خاض الرئيس موثاريكا منافسة قوية، لم يكن بالإمكان التكهن بنتيجتها، لأجل الاحتفاظ بمنصبه الذي يتولاه منذ 2014، وذلك في مواجهة 7 مرشحين آخرين. وكان على رأس منافسيه القس السابق لازاروس تشاكويرا، مرشح حزب مؤتمر مالاوي، الذي حل ثانياً في الانتخابات السابقة. وكذا ساولوس تشيليما، النائب السابق لرئيس البلاد، ومرشح حزب حركة التغيير المتحدة، الأمر الذي جعل السباق الانتخابي بمثابة صراع بين أجيال مختلفة، لكل رؤاه وبرنامجه لقيادة الدولة الفقيرة، ذات الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد على عائدات تصدير محصول التبغ، والمساعدات الخارجية، التي تصل نسبتها إلى 40% من ميزانيتها القومية.
بدأت الحملة الانتخابية رسمياً في 19 مارس 2019. وتخللها العديد من المناظرات بين المرشحين على منصبي الرئيس ونائب الرئيس. لكن موثاريكا رفض المشاركة فيها، خوفاً من احتمالات انخفاض شعبيته، إذ ما أثيرت ملفات الفساد، التي دأب على تجنب الخوض فيها، مكتفياً بتأكيد حرصة على تجفيف منابعه، وعدم السماح للفاسدين بالإفلات من العقاب.
ركزت حملة موثاريكا على التاريخ العريق لعائلته، ومؤهلاته العلمية وخبراته السياسية، وإنجازاته خلال ولايته الرئاسية السابقة. فهو الشقيق الأصغر للرئيس الأسبق، بينغو وا موثاريكا. كما أنه أحد أبرز خبراء القانون الدستوري، الذين تقلدوا العديد من المناصب الوزارية، أهمها وزارة الخارجية. كما ينسب إليه المراقبون تخفيض معدل التضخم من 23% إلى 9%، وبناء الطرق والجسور والمستشفيات، وزيادة إمدادات الكهرباء، بعدما كانت نسبة التغطية الكهربائية بمالاوي لا تزيد على 11%. ولا تكاد تصل إلى الأقاليم. لذا طالب موثاريكا بمنحه الفرصة مجدداً لرئاسة الدولة، متعهداً بأن يقودها لتحقيق نهضة اقتصادية غير مسبوقة، تماثل التجارب الناجحة بماليزيا وسنغافورة.
في المقابل، انتقدت المعارضة تفشي المرض والفقر والبطالة، التي تتجاوز نسبتها 20% ممن هم في سن العمل، مؤكدة أنها ستضع تلك القضايا على رأس أولوياتها. وهو ما يفسر حرصها على اجتذاب الشباب، حيث ينتمي 54% من الناخبين للشريحة العمرية من 18 إلى 35 عاماً، في بلد يكابد الملايين من أبنائه وباء الإيدز، ويضطر الآلاف من خريجي الجامعات به للهجرة الخارجية، للعمل بالمهن الدنيا، بعدما ضاقت أسباب العيش في وطنهم.
هنا دعت المعارضة الشعب إلى التغيير والرهان على الفكر الجديد، مؤكدة أن موثاريكا البالغ من العمر 78 عاماً لا يمكنه أن يتفهم طموحات الأجيال الشابة.
كما أبرزت المعارضة مشكلة تضخم الديون الخارجية، وقضايا الفساد المالي، التي طالت الرئيس وحزبه الحاكم، والتي لطالما كانت سبباً في مطالبة المعارضة ومنظمات المجتمع المدني للرئيس بالاستقالة والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
كان تشاكويرا وتشيليما هما المنافسان الأكثر قدرة على تحدي الرئيس موثاريكا، حيث ينتمي الأول إلى أقدم أحزاب البلاد، والذي قادها نحو الاستقلال، وظل يحكمها طوال ثلاثين عاماً (1964-1994)، فيما يعتبر تشيليما أحد أبرز الوجوه السياسية المعروفة بالبلاد، بحكم خبراته كنائب سابق للرئيس، وكذا حملاته السياسية القوية، التي دأب على تنظيمها لمكافحة الفقر والفساد بالبلاد.
بالرغم من ذلك، احتفظ موثاريكا بشعبية واضحة بالمناطق الريفية، بفضل تحسن أوضاع الطرق، وتطبيق برامج دعم المدخلات الزراعية لمساعدة المزارعين الفقراء، بالإضافة لتعهده بضخ المزيد من الاستثمارات بقطاعات البنية التحتية. فيما استفاد تشاكويرا من دعم الرئيسة السابقة للبلاد، جويس باندا، بعد انسحابها من الانتخابات في مارس الماضي. بينما تركزت معاقل تأييد تشيليما بالمناطق الحضرية، وبين أوساط الشباب، الذين يشعرون بتجاهل الحكومة لمطالبهم، وتخاذلها في مكافحة الفساد.
موثاريكا.. والاستفادة من النظام الانتخابي
جرى الاقتراع في مناخ يموج بالتوتر، حيث تعددت الشكوى من التضييق الأمني والعنف ضد مرشحي المعارضة، والتلاعب في فرز الأصوات. لذا صدر إنذار قضائي لصالح حزب المعارضة الرئيسي، يمنع إعلان النتائج النهائية للانتخابات، حتى انتهاء التحقيقات في الشكاوى المقدمة بشأنها "147" شكوى وبالفعل تأجل صدور النتائج ليومين، قبل أن تصدر المحكمة العليا بالعاصمة السياسية ليلنجوي حكماً بالإعلان عن النتائج عشية 27 مايو الماضي.
كشفت النتائج عن احتفاظ موثاريكا بالرئاسة، وفوز الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم بـ62 مقعداً برلمانياً، مقابل 55 مقعداً لحزب مؤتمر مالاوي، و10 مقاعد لحزب الجبهة الديمقراطية المتحدة، و5 مقاعد لحزب الشعب، و4 مقاعد لحزب حركة التغيير المتحدة.
وفي تقديري أن موثاريكا استفاد بدرجة كبيرة من النظام الانتخابي، الذي يمنح رئاسة البلاد لمن يفوز بأغلبية الأصوات، دون اشتراط حصوله على 50% من أصوات الناخبين، ودون الحاجة إلى جولة للإعادة. كما استفاد حزبه الحاكم من مساندة الزعماء التقليديين، بما لهم من سلطة أدبية قوية على أتباعهم، بالإضافة لتشرذم المعارضة، وفشلها في تكوين تحالفات ناجحة، وعدم قدرة أغلبها على تقديم مرشحين للبرلمان، حيث يمنع قانون الأحزاب الجديد الصادر في ديسمبر2018 الحزب الذي يفشل في الحصول على مقعدين برلمانيين "5% من المقاعد" لمرتين متتاليتين من المشاركة في الانتخابات.
تقبلت المعارضة نتائج الانتخابات على مضض، خاصة أنها تُجرى لأول مرة في ظل قانون الأحزاب الجديد، الذي يفرض رقابة صارمة على تمويل الأحزاب السياسية، ويلزمها بالكشف عن مصادر تمويلها، والإعلان عما تحصل عليها من تبرعات من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين عندما تتجاوز 1398 دولارا من الأفراد و2796 دولارا من الشركات، وذلك للحد من سطوة المال على الحياة السياسية.
كما خضعت الانتخابات لرقابة جهات دولية وإقليمية ومحلية عديدة؛ أهمها الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، والكومنولث. وبالفعل أكد أغلب المراقبين حياد اللجنة الانتخابية، ونزاهة الانتخابات، وأن ما شابها من مخالفات لا يؤثر في مجمل نتائجها. كما أشاد المراقبون بدقة التنظيم، ونظام الفرز الإلكتروني للأصوات، الذي يقلل من تدخلات وتحيزات العنصر البشري، بالإضافة لارتفاع نسبة التصويت، رغم أن يوم الاقتراع لم يكن عطلة رسمية. لكن أغلب المراقبين انتقدوا تحيز أدوات الإعلام الحكومية لمرشحي الحزب الحاكم، وضعف دور المرأة في العملية الانتخابية، حيث لم يكن هناك أي وجه نسائي ضمن مرشحي الرئاسة، رغم أن 56% من الناخبين المسجلين كانوا من النساء.
تم تنصيب موثاريكا رئيساً للبلاد خلال حفل حاشد، أقيم في استاد كاموزو الرياضي في بلانتير "العاصمة الاقتصادية للبلاد". كما أقسم نائب الرئيس إيفرتون تشيمو ليرنجي اليمين في نفس الاحتفال. وخلال حفل التنصيب، قدم موثاريكا التحية لمنافسيه، داعياً إياهم لتقبل نتائج الانتخابات، ومؤكداً حتمية وجود فائز واحد في النهاية. كما أكد أن السباق الانتخابي قد انتهى، وأن الوقت قد حان للعمل من أجل وحدة وتطوير البلاد.
وختاماً، فإن فوز موثاريكا برئاسة مالاوي لم يكن بأي حال فوزاً سهلاً، حيث إنه جاء بشق الأنفس، وبفارق ضئيل للغاية عن منافسيه، الأمر الذي يلزمه بتكثيف الجهود لإعادة بناء الحزب الحاكم، الذي قد يفقد أغلبيته البرلمانية في حال التحالف بين حزب مؤتمر مالاوي مع حزب الجبهة الديمقراطي.
كما يجب على الرئيس موثاريكا الوفاء بوعوده الانتخابية، وأولها مواجهة الفقر، الذي يطول 70% من المواطنين، وتوفير مليون وظيفة للشباب خلال العام الأول لرئاسته، والبحث عن مصادر بديلة لتمويل ميزانية الدولة، وعدم الارتكان للمساعدات الخارجية، أو الاعتماد المطلق على البرامج الجاهزة لصندوق النقد الدولي، والتي يرتبط تطبيقها بإجراءات تقشفية، لا يمكن للشعب أن يتحملها، الأمر الذي قد يهدد عرش الرئيس موثاريكا، مثلما حدث مع الرئيسة السابقة جويس باندا، التي فعلت كل سيئ لكي تكسب قلوب مواطنيها، لكنها لم تجد مَن يساندها عندما تراكمت الأزمات الاقتصادية في البلاد.
** دكتور أيمن شبانة: نائب مدير مركز حوض النيل - جامعة القاهرة
aXA6IDMuMTQ1LjU5Ljg5IA==
جزيرة ام اند امز