رجل كامل الشناوي الغامض عشية 23 يوليو
عشية الثورة كان عمال المطابع يصفون أحرف صحيفة "المصري" في يوم عادي آخر من أيام يوليو 1952؛ ربما باستثناء شخص واحد هو كامل الشناوي
كان عمال المطابع يصفون أحرف صحيفة "المصري" في يوم عادي آخر من أيام يوليو/تموز 1952، وكغيرها من الصحف الصادرة في القاهرة هذا المساء كان تكليف نجيب باشا الهلالي بتشكيل الحكومة الخبر الرئيسي، فما من أحد قد انتبه بعد لتحركات غير مألوفة للجيش في شوارع العاصمة، ربما باستثناء شخص واحد؛ هو الشاعر الغنائي والصحفي كامل الشناوي.
- رئيس الإمارات ونائبه ومحمد بن زايد يهنئون الرئيس المصري بذكرى 23 يوليو
- السيسي: طال الصبر على من يمول الإرهاب ثم يتشدق بحقوق الأخوة والجيرة
لم يكن الشناوي على دراية بما يجري أيضا، لكنه بروح الشاعر كتب مقاله الاعتيادي في "المصري"، وتكفلت الساعات القليلة اللاحقة بأن تضفي على تلك الكلمات آفاق النبوءات الكبرى.
ومن بين القلائل الذين التقطوا هذا الاستشراف الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل الذي أشار لمقال الشناوي في ذكرياته عن ثورة 23 يوليو التي أنهت الحكم الملكي في مصر وأسست بعد عامين من الثورة النظام الجمهوري.
روى الشناوي في مقاله عشية الثورة أسطورة يونانية تقول إن "ديوجنيس حكيم اليونان خرج من داره يوما وفي يده مصباح وظل يطوف بشوارع أثينا باحثا عن شيء على ضوء مصباحه، ودهش أهل أثينا عندما رأوا حكيمهم يحمل مصباحا في ضوء النهار والشمس مشرقة، وسألوه ماذا تصنع؟ فقال أبحث عن رجل.. وكان سائلوه من الرجال ومع ذلك فهو يبحث عن رجل".
ومضى يقول "وما أشبه مصر اليوم بديوجنيس فهي تحمل مصباحا في يدها ليل نهار تنقب عن رجل.. رجل يستطيع أن ينهض بالعبء ويواجه المسؤولية ويقدس العدالة ويفرض سيادة القانون، رجل يعرف كيف يبقى وكيف يذهب، رجل يعرف متى يحكم ومتى يستقيل، يعرف كيف يقول كلمته ويقف وكيف يقول كلمته ويمشي".
وكان الشناوي الساخط على ساسة هذا العصر يائسا من أن يكون ذلك الرجل من بين هؤلاء الساسة، فيقول في مقاله إن بلاده "تبحث عنه (الرجل) بين طائفة من الساسة تجاوزوا مرحلة الرجولة، وعبثا نحاول أن نعيدهم إلى هذه المرحلة أي مرحلة الرجولة وكيف يمكن أن نعيدهم إلى رجولتهم الأولى، كيف نطلب ممن ألقى بنفسه من فوق ذروة الجبل أن يعود إلى الذروة".
لذلك كان يرى أن "المصباح سينضب زيته وتحترق ذبالته وينطفئ قبل أن تجد مصر هذا الرجل"، لكن بعد ساعات قليلة كان الرجل قد احتل صدارة المشهد بالفعل.