كيف سيطر مانشستر سيتي على الكرة الإنجليزية تحت الراية الإماراتية؟
بعد سنوات من الاختباء، تلحف نسر مانشستر سيتي بالعلم الإماراتي، وحلق في سماء إنجلترا، ليعود حاكما للكرة الإنجليزية، ويسيطر على أقوى دوريات العالم بما يشبه الاكتساح خلال آخر 5 سنوات تحديدا.
كانت ملكية مانشستر سيتي انتقلت إلى الشيخ منصور بن زايد آل نهيان عام 2008، ليصبح فيما بعد أحد أندية "سيتي فوتبول جروب"، التي باتت إحدى أهم المجموعات الاستثمارية العملاقة في كرة القدم العالمية.
الخاسرون أمام مانشستر سيتي في سباقات الألقاب اتهموا النادي السماوي بالاعتماد على المال الإماراتي فقط من أجل العودة بطلا، أما أنصار "السيتيزنز" فأكدوا أن السر يعود إلى الإدارة الذكية واختيار العناصر المناسبة لإنجاح المشروع.
بوابة "العين الرياضية" تتبعت مسيرة نجاح السيتي التي انطلقت عام 2008 في مفاجأة هزت الكرة الإنجليزية، وأعادت الوحش النائم الذي صعد منذ عشرات السنين إلى منصات التتويج المحلية والأوروبية.
بداية الرحلة
كان مانشستر يونايتد مسيطرا على البريميرليج مع مدربه التاريخي السير أليكس فيرجسون، برعاية الإدارة الأمريكية للنادي المملوك لعائلة "جليزر"، والتي بدأت في ضخ الأموال فيه بنهاية ثمانينيات القرن الماضي لتعيده بطلا لإنجلترا.
تشيلسي الذي انتقلت ملكيته إلى الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش اشتهر بالإنفاق الكبير تحت إدارته الجديدة، وعاد للتتويج كذلك بالألقاب المحلية والأوروبية، ليكون المنافس الأول لمانشستر يونايتد على البريميرليج.
المنافسة كانت قد انحصرت بين مانشستر يونايتد وتشيلسي على لقب البريميرليج، في صراع أمريكي روسي لا يجرؤ أحد على اقتحامه.. لكن جاء الطموح الإماراتي ليقبل التحدي الصعب ويعلن مانشستر سيتي منافسا للعملاقين تشيلسي المذكورين.
لكن كيف تفوقت الإدارة الإماراتية على نظيرتيها الأمريكية والروسية؟ ظن البعض أن تجربة مانشستر سيتي لن تختلف كثيرا عن تجارب عربية في إنجلترا مثل ناديي فولهام وهال سيتي اللذين امتلكهما المصريان محمد الفايد وعاصم علام، لكن منذ اليوم الأول ظهرت طموحات "السيتيزنس".
إدارة ذكية
في بداية رحلة مانشستر سيتي، وبعد عدة أشهر استكشافية، عرف المنافسون أنهم أمام مشروع طموح، عندما أعلنت إدارة النادي السماوي التعاقد مع المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني الذي أصبح فيما بعد أول مدرب يحقق لقب الدوري لمانشستر سيتي بعد غياب 44 عاما، ومدرب منتخب إيطاليا المتوج معه بلقب يورو 2020، وغيرها من الإنجازات.
لم يظهر مانشستر سيتي كنادٍ يغري اللاعبين بالمال، وينفق مئات الملايين في كل سوق انتقالات، بل اختارت إدارة السماوي الطريق الأصعب، وهو استكشاف المواهب الواعدة في الدوريات الأوروبية، وإبرام صفقات غير باهظة الثمن، معتمدة على اللاعبين القابلين للتطور والنمو لتحقيق طموح الفريق.
خلدون المبارك، الرئيس التنفيذي لنادي مانشستر سيتي، قال في حديث لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية إن أهم ما يميز مشروع مانشستر سيتي الناجح هو التفاهم والتناغم وإيقاع العمل الرائع بين جميع الأفراد في النادي.
ورد المبارك على الانتقادات التي تحاول التقليل من نجاح السيتي واختزال الأمر في الإنفاق، مضيفاً: "لم يشتر مانشستر سيتي أغلى حارس مرمى في العالم، ولا أغلى مدافع، ولا أغلى لاعب وسط، ولا أغلى مهاجم".
وتابع: "في قائمة أغلى اللاعبين في التاريخ لا وجود لمانشستر سيتي، لذلك لا أنظر للأمر بجدية عندما أسمع البعض يتحدث عن إنفاقنا الكثير من الأموال، وأطالب الجماهير أيضاً بعدم الاهتمام بمثل هذه الانتقادات".
وضم مانشستر سيتي ديفيد سيلفا في صيف 2010، بعدما أسهم في تتويج منتخب إسبانيا بكأس العالم للمرة الأولى في تاريخه، وتبعه بضم الأرجنتيني سيرجيو أجويرو من أتلتيكو مدريد في صيف العام التالي، ومعه البوسني إيدين دجيكو هداف الدوري الألماني في الموسم السابق وقتها قادما من فريق فولفسبورج.
ولم يكن من بين هؤلاء لاعب بثمن قياسي في الكرة الإنجليزية أو الأوروبية، فلم يسجل مانشستر سيتي أغلى صفقة في إنجلترا أو أوروبا، وكان الإنجليزي جاك جريليتش الذي انتقل من أستون فيلا مقابل 100 مليون إسترليني صيف 2021 هو الاستثناء الوحيد، ورغم ذلك لم يكن صفقة قياسية في الدوري الإنجليزي.
وكان السيتي أيضاً قد اقتنص في صيف 2009 المهاجم التوجولي إيمانويل أديبايور الذي رحل عن أرسنال، ومعه لاعب الوسط الإنجليزي جاريث باري قادما من أستون فيلا في نفس التوقيت، وأعاد في صيف 2010 الحارس الواعد وقتها جو هارت، الذي قضى عدة سنوات معارا، ومعه الظهير الصربي ألكسندر كولاروف.
وضم السيتي في تلك الفترة لاعب الوسط الإنجليزي المقاتل جيمس ميلنر من أستون فيلا، وبعده الفرنسي سمير نصري قادما من أرسنال في صيف 2011، بالإضافة لعدة أسماء واعدة كانت نواة الفريق المتوج بلقب الدوري الأول منذ 44 عاما.
الحصاد
في موسم 2011-2022 جاء حصاد عمل 4 مواسم لإدارة مانشستر سيتي تحت العلم الإماراتي، حيث حقق النادي بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز لأول مرة منذ 44 عاما، بسيناريو مجنون، بعدما توج باللقب في اللحظات الأخيرة من الوقت المحتسب بدلا من الضائع في الجولة الختامية ضد كوينز بارك رينجرز ليفوز 3-2 ويمنح العودة لمعانقة لقب الدوري مذاقا مختلفا لعشاقه.
بدأ مانشستر سيتي يعلن نفسه كبيرا بين الطامحين كل موسم للفوز بلقب الدوري، ليعود من جديد موسم 2013-2014 ويتوج بلقب الدوري مع المدرب الجديد الذي عينته إدارة السيتي، التشيلى مانويل بيليجريني، ليؤكد السيتي أن ما حدث في 2012 لم يكن طفرة عابرة، وإنما نتيجة مشروع ضخم ما زال في بدايته.
حقق مانشستر سيتي قبل استحواذ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان عليه لقب الدوري الإنجليزي مرتين فقط، لكنه الآن، وبعد مرور 14 عاما على الصفقة، بات في رصيده 8 ألقاب للدوري الإنجليزي الممتاز، ليتخطى عدد ألقاب نادي تشيلسي (6) الذي حظي بدعم روسي غير محدود عبر إدارته السابقة.
مانشستر سيتي وصل إلى ذروة نجاح مشروعه موسم 2018-2019 بتحقيق كل الألقاب المتاحة في إنجلترا، حيث توج بلقب الدوري الإنجليزي وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس رابطة الأندية المحترفة وكأس الدرع الخيرية، في سابقة حدثت لأول مرة في التاريخ منذ اختراع الكرة الإنجليزية.
سجل الفريق السماوي العديد من الأرقام القياسية التي يصعب تحطيمها في إنجلترا، ومن أهمها الفوز بلقب الدوري الإنجليزي بتحقيق 100 نقطة، وهو الرقم الذي كان يبدو مستحيلا قبل استيقاظ الوحش النائم على يد الإدارة الإماراتية.
ولكي يتحقق ذلك، كان للإدارة دور رئيسي في اختياراتها، حيث تم جلب تشيكي بيجيريستين من برشلونة، وهو أحد أفضل المديرين الرياضيين في أوروبا وأصحاب الخبرات الكبيرة والرؤى الثاقبة في إدارة كرة القدم والتخطيط لها.
كما تم التعاقد مع فيران سوريانو نائب رئيس برشلونة، ليصبح مديرا تنفيذيا لمانشستر سيتي، عام 2012، في نفس توقيت التعاقد مع تشيكي بيجيريستين، وأثبت الثنائي صحة قرار إدارة الناي السماوي بتعيينهما ليساهما بقوة في تطور ونمو النادي.
الأمر لا يتعلق بالمال
يقول الصحفي الإنجليزي سام لي في حديث مع بوابة "العين الرياضية" إن الأمر لم يكن متعلقا بالمال في نجاح مشروع مانشستر سيتي، وإنما في الإدارة الذكية التي عرفت كيف تستثمر مجهودها وأموالها بطريقة رائعة.
وأضاف سام لي الذي يكتب عن نادي مانشستر سيتي في صحيفة "ذا أثلتيك" البريطانية قائلأً: ""لم يكن الأمر متعلقاً بالمال فحسب، النجاح يعود إلى العقلية الجيدة التي عرفت كيف تدير النادي في مشروعه الجديد".
ويضيف سام، الذي يعد أحد أكثر المصادر الموثوقة عند جماهير السيتي حول العالم: "الشيخ منصور بن زايد نقل النادي من مكان لآخر، إلى المكانة التي هو عليها الآن، وهو تغيير عظيم لم يكن ليحدث دون عقلية إدارية مميزة".
وواصل الصحفي الإنجليزي: "السيتي يتمتع الآن بعقلية انتصارية تدفع الفريق للقتال دائماً حتى النهاية لحصد الألقاب، وبات لديه روح وهوية مميزة".
ويرد سام على الادعاءات بشأن اقتصار الأمر على مجرد الدعم المالي وتجاهل العقلية الإدارية المميزة بالقول: "كثيرون يملكون المال، لكن لا أحد حقق ما حققه السيتي، فقد قام النادي بشراء لاعبين مثل ديفيد سيلفا ويايا توريه وسيرجيو أجويرو بمبالغ متوسطة وغير قياسية، ولم يشتر ميسي ليحقق النجاح".
ولعل ما قاله سام لي في ختام حديثه دليل دامغ يرد على متهمي مانشستر سيتي بالاعتماد فقط على المال في نجاحه، فلاعب مثل الأرجنتيني كارلوس تيفيز كان يلعب لفريق عريق مثل مانشستر يونايتد، لكن الجار الأحمر لم يستطع الحفاظ عليه رغم تألقه في صفوفه وقيادته لتحقيق الدوري الإنجليزي.
وانتقل تيفيز للسيتي في صيف 2009، وظل بين كتيبة السماوي لمدة 4 سنوات، ليُسجل اسمه بين اللاعبين الذين أسهموا في تكوين شخصية البطل للسيتي، وتمكنوا من قيادته تدريجيا للعودة لمنصات البطولات بعد غياب طويل، بداية من لقب كأس الاتحاد الإنجليزي موسم 2010-2011، والذي كان بداية الغيث في العهد الإماراتي.
ونفس الأمر مع الإيفواري يايا توريه، الذي تخلى عنه برشلونة الإسباني، فرأت فيه العقلية الإدارية المتميزة للسيتي أحد النجوم الذين يمكن أن يخدموا مشروع النادي بامتياز، فتم اقتناص الفرصة والتعاقد معه في صيف 2010.
ولم يخيب توريه ظن الإدارة العربية الطموحة، حيث بات القاسم المشترك في أغلب البطولات التي حققها الفريق السماوي حتى رحيله عام 2018 بعد سنوات من النجاح.
وفي صيف 2022 كانت هناك حرب عالمية من أجل الظفر بخدمات أحد أفضل مهاجمي العالم، وهو النرويجي إيرلينج هالاند، لكن اللاعب ووكيله اختارا مانشستر سيتي لعلمهما أنه المشروع الأهم في أوروبا وإنجلترا خلال السنوات المقبلة، ولم يكن الأمل متعلقا بالمال في الصفقة على الإطلاق.
وبعد 10 سنوات كاملة من امتلاك النادي، تحدث الشيخ منصور بن زايد في خطاب العقد الأول لجماهير النادي السماوي في كل أنحاء العالم، ورد بالدليل الدامغ على أن التفوق وحصد الألقاب لم يكن متعلقاً فقط بالإنفاق، قائلاً في مقابلة مع صحيفة "ديلي ميل" البريطانية: "أثبتنا أن القرار كان تجارياً استثمارياً صائباً".
وأضاف: "وضعنا الخطط المناسبة، وسعينا طوال الوقت لإكمال العمل على الوجه الأفضل، وطوال الرحلة نجحنا في وضع وتطبيق معايير جديدة في عالم الكرة، وفي نهاية المطاف أصبح كل ما قمنا به هو بمثابة معيار جديد في إدارة كرة القدم".
وأعلن مانشستر سيتي بعدها في بيان رسمي وصول أرباحه السنوية وفقاً للتقرير المالي إلى 535 مليون جنيه إسترليني، الأمر الذي يؤكد للعالم ما قاله الشيخ منصور بن زايد، ويُبرهن على نجاح الخطة الاستثمارية التي أديرت بعقل إماراتي نجح في وضع الأفضل في المكان الأمثل على مدار أكثر من 10 سنوات.