المشاقر.. عطر المرأة اليمنية و"طاردة أرواح الشر"
نباتات المشاقر تدخل في صناعة المواد العطرية والبخور ودهانات الجسم، وحاضرا قد تتحول إلى مشاريع ناجحة إذا خطط لها بشكل سليم
تكتسب النباتات العطرية المعروفة بـ"المشاقر" مكانة رفيعة في حياة المرأة اليمنية، فهو عطر أناقتها ودلالة الخير والبركة، إلا أن عملية بيعه في الأسواق مؤخرا تراجعت بشكل كبير عقب تضرر زراعته لدى الأسر الفقيرة جراء حرب الانقلاب الحوثي.
وتمثل المشاقر ملكة النباتات العطرية الطبيعية في الموروث الشعبي اليمني، وهو تقليد للقوة والجمال، وتخصص لها النساء الأواني في شرفات المنازل لتبث السعادة برائحتها التي تبعث على السرور و"تطرد أرواح الشر"، حسب الموروث الشعبي.
وتضع المرأة اليمنية نبات "المشقر" بجميع ألوانه في أعلى أذنها كزينة في المناسبات والأفراح، كما يضعه الرجال المسنون بجانب عمامة الرأس، كتقليد متوارث منذ القدم.
وتتخذ الكثير من الأسر نبات المشاقر كمشاريع صغيرة ومصدر دخل رئيسيا، وتنتشر أماكن بيعه في الأسواق القديمة، أشهرها الباب الكبير وباب موسى بتعز، وباب شريف في الحديدة، وباب اليمن وشعوب والقاع في صنعاء، إذ تقوم النساء بتشكيل حزمة ملونة بالأزهار وأغصان الورد والفل والريحان.
صبر موطن المشاقر
في طريق "العين الإخبارية" إلى أعالي جبل صبر (3 آلاف متر فوق سطح البحر ) وجدنا زهرة محمد، التي تعمل إلى جوار عدة أطفال في عرض وبيع هذه النباتات العطرية للزوار والمتنزهين القادمين من مدينة تعز ومناطق أخرى.
تقول "زهرة"، في العقد السادس من العمر، إنها تمتهن زراعة وبيع المشاقر منذ صغرها، حيث كانت روائح قرى صبر، قبل اندلاع الحرب، تجذب السياح الأجانب والزوار المحليين من كل المحافظات، كما كان يتم تصديره إلى مناطق البلاد كافة.
وتضيف "تسببت الحرب في انخفاض بيع المشاقر بشكل كبير، وانعكس ذلك على الاهتمام بزراعتها، وأصبح الناس يعيشون المآسي ومللنا الاستمرار وبالكاد تزرع على أسطح المنازل".
وأوضحت زهرة، في حديثها لـ"العين الإخبارية"، أن زراعة وبيع المشاقر إبان استقرار الأوضاع كانت تعود عليها بدخل يومي يفوق 10 آلاف ريال يمني (44 دولارا سابقا)، فيما تحصل حاليا بالكاد على 2500 ريال يمني، (نحو 4 ونصف دولار) بعد تراجع العملة.
وحسب زهرة فإن استخدام المشاقر لا يرتبط بموسم محدد أو مناسبة بعينها، إلا أن الإقبال على شرائه يزداد عند النساء والرجال من كبار السن مع حلول الأعياد والأفراح لجاذبية عطرها التي تريح النفس.
والمشاقر في اليمن هي جزء من 1200 نبات عطري تنمو في المناطق المدارية، وتشتهر البلاد بزرع الريحان، الكاذي، الحنوان، الأزاب، البياض، الشذاب، الياسمين، النرجس، الفيجل، الأثلان، الكراديس، هينان، رند، وزنبق.
حضور دائم
للمشاقر ترانيم خاصة لدى اليمنيين، فرائحة عطره الفواح هي رمز الحب والعاطفة والرحمة والرزق، وفي الطقوس الدينية والمناسبات الاجتماعية يمثل جمال الطبيعة في زينة الرجل والمرأة على حد سواء.
واعتبر الباحث اليمني عبدالحليم صبر أن رائحة المشاقر تحضر دائما في اليمن، وهو بمثابة روح المرأة التي تشم عطرها الفواح في جلسات الفرح والمحبة، اللقاء، المناسبات، المواعيد، والهدايا.
كما يحضر في الحزن عندما يتم تحضير جثامين الموتى بالمزهريات، فتجد المعتقدات الشعبية والثقافية مغروسة بكل أنواع الروائح العطرية.
وقال في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن تسمية هذه النباتات بالمشاقر ارتبطت كهوية متجذرة في ذاكرة المجتمع اليمني وبعادات وتقليد وأعراف شعبية وثقافية يمنية أصيلة، فهي رائحة خد النساء، ونافذة الوفاء في أغاني اليمنيين والشعراء والأدباء.
وذكر أن "الشُقر" جزء مهما من جمال المرأة وتفاصيل حياتها، لا سيما المرأة اليمنية الريفية، كونه يجمل الوجوه ويحرس المواليد ويحمي البيوت.
وتستعمل نباتات المشاقر في صناعة المواد العطرية، واليمنيون قديما استخدموا بذورها وأزهارها وأوراقها الجافة في صناعة البخور والطيب ودهانات الجسم، وحاضرا قد تتحول إلى مشاريع ناجحة إذا خطط لها بشكل سليم، وفقا للباحث اليمني.